١ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[١]، فَقَالَ: أَطِيعُوا اللَّهَ بِإِطَاعَةِ كِتَابِهِ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ بِإِطَاعَةِ سُنَّتِهِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُطِيعُ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يُطِيعُ سُنَّةَ الرَّسُولِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا يُطِيعُ كِتَابَ اللَّهِ حَتَّى يُطِيعَ سُنَّةَ الرَّسُولِ، وَإِنْ جُدِعَ أَنْفُهُ!

٢ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[٢]، فَقَالَ: هُمَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَإِنَّ السُّنَّةَ نَزَلَتْ كَمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ!

٣ . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُودَ الْفَيْض‌آبَادِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ[٣]، مَا هَذَا الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ بَعْدَ الْكِتَابِ؟! قَالَ: هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي آتَاهُمْ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَهَا «السُّنَّةَ»! أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[٤]؟! ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَذَّبَ بِالْحِكْمَةِ فَقَدْ كَذَّبَ بِالْكِتَابِ.

٤ . أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ عُبَيْدٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَهْيٌ فَيَقُولُ: مَا هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ! أَلَا إِنَّ اللَّهَ آتَى رَسُولَهُ الْحِكْمَةَ كَمَا آتَاهُ الْكِتَابَ، فَآمِنُوا بِالْحِكْمَةِ كَمَا آمَنْتُمْ بِالْكِتَابِ! ثُمَّ قَالَ: مَا تَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حِكْمَةٌ، وَمَا تَوَحَّدَ عَنْهُ فَقَوْلٌ مِنَ الْأَقْوَالِ.

٥ . أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي رَسُولِهِ رُوحًا مِنْ عِنْدِهِ يُسَدِّدُهُ وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[٥]، فَمَنْ أَتَاهُ شَيْءٌ مِنَ الرَّسُولِ فَأَيْقَنَهُ فَلْيُطِعْهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ.

٦ . أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيِّ: يَا أَحْمَدُ! إِذَا حَدَّثْتَ الرَّجُلَ بِسُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَكَ: دَعْنَا مِنْ هَذِهِ وَآتِنَا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُنَافِقٌ لَا يَرْجِعُ إِلَى خَيْرٍ أَبَدًا!

٧ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْقَيُّومِ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا[٦]، قَالَ: إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ، رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سُنَّةِ الرَّسُولِ صُدُودًا، يَقُولُونَ: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ!

٨ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا بَالُ صَاحِبِكُمْ يَدْعُو إِلَى رَجُلٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ اسْمُهُ؟! فَغَضِبَ فَقَالَ: كَذَبَ النَّوْكَى! أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ[٧] وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ: اثْنَيْنِ وَلَا أَرْبَعًا وَلَا ثَلَاثًا حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُهُ، وَقَالَ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ[٨] وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ: فِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُهُ، وَقَالَ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ[٩] وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ: بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُهُ؟! فَكَذَلِكَ قَالَ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا[١٠] وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ: بِإِمَامٍ عَادِلٍ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُهُ! ثُمَّ قَالَ: مَنِ اسْتَغْنَى بِكِتَابِ اللَّهِ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كَافِرٌ حَقًّا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[١١]! قُلْتُ: وَمَا يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ؟! قَالَ: يُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَهُمْ عَنِ اللَّهِ وَيَكْفُرُونَ بِمَا جَاءَهُمْ عَنْ رُسُلِهِ!

شرح القول:

هذه هي الطريقة الوسطى التي عليها المنصور حفظه اللّه تعالى، وراية العدل التي من تقدّمها مرق ومن تخلّف عنها محق، وتقدّمها هو الإعتقاد بحجّيّة أخبار الآحاد عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ممّا ابتلي به جمهور المسلمين، مع أنّها لا تفيد إلا الظنّ والظنّ لا يغني من الحقّ شيئًا، والتأخّر عنها هو الإعتقاد بعدم حجّيّة الأخبار المتواترة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ممّا ابتلي به القرآنيّون، مع أنّها تفيد العلم والعلم حجّة بالضرورة، وهذان هما الإفراط والتفريط، وكلاهما له عواقب وخيمة، والحقّ ما عليه المنصور حفظه اللّه تعالى، وهو الإعتقاد بحجّيّة الأخبار المتواترة وعدم حجّيّة أخبار الآحاد، وهو الإعتدال الذي يهدي إليه العقل والشرع، والإحتياط الذي فيه النجاة.

لمزيد المعرفة حول رأي المنصور حفظه اللّه تعالى في أخبار الآحاد، راجع القول ٨، ولمزيد المعرفة حول رأيه في الأخبار المتواترة، راجع القول ١٣ من أقواله الطيّبة.

↑[١] . محمّد/ ٣٣
↑[٢] . النّساء/ ١١٣
↑[٣] . غافر/ ٧٠
↑[٤] . الجمعة/ ٢
↑[٥] . الحشر/ ٧
↑[٦] . النّساء/ ٦١
↑[٧] . البقرة/ ١١٠
↑[٨] . البقرة/ ١١٠
↑[٩] . آل عمران/ ٩٧
↑[١٠] . النّور/ ٥٥
↑[١١] . النّساء/ ١٥٠-١٥١