كاتب السؤال: المرصعي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٤/٩

أردت أن أعرف رأي السيد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حول قوانين حقوق النشر.

الاجابة على السؤال: ٦ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٤/١٢

وفقًا لرأي العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى، مبدأ الحقّ في الإسلام هو الملكيّة؛ بمعنى أنّ لكلّ شخص حقّ التصرّف فيما يملكه، بشرط أن لا يكون تصرّفه مخالفًا لأحكام الإسلام، أو مانعًا لتصرّف الآخرين فيما يملكونه، وهذا هو المقصود من القاعدة المشهورة التي تقول: «النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ». بناء على هذا، فإنّ من يؤلّف كتابًا يُعتبر مالكه ويمكنه أن يتصرّف فيه، بأن ينشره أو يبيعه أو يهبه، وليس للآخرين أن يتصرّفوا فيه بغير إذنه، وإن فعلوا ذلك فهم ضامنون. نعم، لهم أن يتصرّفوا فيه بعد شرائه، بأن ينشروه أو يبيعوه أو يهبوه، وإن كره ذلك مؤلّفه؛ لأنّ ملكيّته انتقلت من مؤلّفه إلى المشتري بمقتضى البيع، وللمشتري حقّ التصرّف فيما يملكه، كما كان للمؤلّف حقّ مثله حينما كان مالكًا، ومن الواضح أنّه لا فرق بين الملكيّة الناشئة من التأليف والملكيّة الناشئة من الشراء، إلا فيما يتعلّق بالحقّ المعنويّ الذي لا يقبل الإنتقال ويكون محفوظًا للمؤلّف؛ لأنّ هويّة المؤلّف واقع خارجيّ لا يتغيّر بتغيّر الإعتبارات، ولذلك يُعتبر كتمانها تدليسًا، وإظهار خلافها كذبًا، وهما محرّمان؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[١]. هذه هي القاعدة في كلّ من ينتج شيئًا ثمّ يبيعه، والظاهر عدم خلاف فيها إلا فيما يتعلّق بحقّ النشر؛ لأنّه لا يعرف خلاف في أنّ من يشتري شيئًا له بيعه وهبته، وإنّما الخلاف المعروف في جواز نشره بمعنى نسخه وتكثيره، مع أنّ القاعدة عامّة شاملة لذلك ولا مخصّص لها في الكتاب والسنّة. بناء على هذا، للمشتري أن يبيع ويهب وينشر ما اشتراه؛ لأنّه قد ملكه، ومن ملك شيئًا ملك بيعه وهبته ونشره، إلا أنّه ليس له أن يكتم هويّة منتجه، أو يفعل أسوأ من ذلك بأن ينسب إنتاجه إلى نفسه أو إلى شخص ثالث.

لكن هل يكون للمنتج أن يشترط في ضمن العقد عدم النشر وعدم البيع وعدم الهبة لما يبيعه؟ الحقّ لا؛ لأنّ هذا الإشتراط ينافي سلطة المشتري على ماله، ومن هذه الناحية يخالف كتاب اللّه، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ -أَوْ قَالَ: فَهُوَ بَاطِلٌ- وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ»، وهذا حديث متواتر معناه. أضف إلى ذلك أنّ دافع المنتج لاشتراط عدم النشر وعدم البيع وعدم الهبة ليس سوى النفعيّة بمعنى الإستكثار من الربح طمعًا، في حين أنّ النفعيّة بهذا المعنى تتعارض مع الأخلاق الإسلاميّة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ[٢]، وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ۝ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ۝ وَبَنِينَ شُهُودًا ۝ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ۝ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ۝ كَلَّا[٣]، وقال: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ[٤]، بل اشتراط عدم النشر وعدم البيع وعدم الهبة طمعًا في ربح أكثر هو بخل وأمر بالبخل، وهما محرّمان في الإسلام؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[٥]، وقال: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[٦]، وقال: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[٧]، لا سيّما بالنسبة للمنتجات العلميّة والثقافيّة؛ لأنّ النفعيّة والبخل والأمر بالبخل فيما يتعلّق بها، يؤدّي إلى حرمان الفقراء من العلم والثقافة واحتكارهما بين الأغنياء؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَأَرَادَ بِهِ مَنْفَعَةَ الدُّنْيَا، فَمَنَعَهُ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَعَرَضَهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، لِيَشْتَرِيَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَيَصُدَّ عَنْ سَبِيلِهِ، ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[٨].[٩]

نعم، إذا أدّى عدم منع النشر والبيع والهبة للمنتجات العلميّة والثقافيّة إلى انخفاض إنتاجها من الحدّ اللازم، يجب على الإمام أن يدعم منتجيها ماليًّا، بأن يجعل لهم أجرًا أو جائزة من بيت المال؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عِلْمٌ، فَيَكْتُبُ كِتَابًا، أَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنَ النَّاسِ فَيَرْبَحَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كِتَابًا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، قُلْتُ: أَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُمُوهُ، فَلَا يَبِيعُوهُ وَلَا يَهَبُوهُ، لِيَزْدَادَ بِذَلِكَ رِبْحًا، إِنْ كَانَ كِتَابًا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قُلْتُ: فَمَنْ يَرْغَبُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابَةِ؟! قَالَ: إِنَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ يَبْتَغِي فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَمَكَثَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ: عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَجْعَلَ لَهُ جَائِزَةً، إِنْ كَانَ كِتَابُهُ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[١٠].[١١]

هذا حكم الإسلام في النشر، وقد تمّ تشريعه حماية لأقلّ الناس مالًا ليكون العلم في متناول الجميع ولا يكون حكرًا على الأغنياء، وإن كره ذلك النفعيّون والرأسماليّون ودافعو الضرائب والذين يحمونهم وينتفعون من حمايتهم بصورة متبادلة، ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ[١٢].

↑[١] . البقرة/ ٤٢
↑[٢] . التّكاثر/ ١
↑[٣] . المدّثّر/ ١١-١٦
↑[٤] . المدّثّر/ ٦
↑[٥] . النّساء/ ٣٧
↑[٦] . الحديد/ ٢٤
↑[٧] . آل عمران/ ١٨٠
↑[٨] . البقرة/ ١٧٤
↑[٩] . القول ٧١، الفقرة ٢
↑[١٠] . التّوبة/ ١٢٠
↑[١١] . القول ٧١، الفقرة ٤
↑[١٢] . البقرة/ ٩٦