أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ! كُونُوا خَائِفِينَ؛ فَإِنَّكُمْ قَدْ دُنْتُمْ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَدَخَلْتُمْ فِي طُرُقٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ، وَوَهَنْتُمْ فِي تَوَالِي تَقَلُّبَاتِ الزَّمَانِ، وَانْكَسَرْتُمْ فِي تَلَاطُمِ فِتَنِ الدُّنْيَا، وَأَصْبَحْتُمُ الْآنَ مُتَّبِعِينَ لِمَنْ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ مِنْكُمُ اتِّبَاعَهُمْ؛ فَأَخْرَجَكُمْ أَوْلِيَاؤُكُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، وَشَرَعُوا لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ؛ كَمَا قَالَ: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[١].

لَقَدْ أَنْذَرَ الْمُنْذِرُ، وَحَصْحَصَ الْحَقُّ، وَافْتَضَحَ الْبَاطِلُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، وَلَا يُعَرِّضُ دُنْيَاهُمْ لِلْخَطَرِ، لَعَرَفُوهُ وَقَبِلُوهُ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ، لَكِنَّهُ يَأْتِيهِمْ مُخَالِفًا لِأَمَانِيِّهِمُ الْقَدِيمَةِ، وَيَهْدِمُ اعْتِقَادَاتِهِمُ الَّتِي كَأَنَّهَا بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ فِي الْوَهْنِ، وَيُعَرِّضُ مَا يَمْلِكُونَهُ فِي الدُّنْيَا لِلْخَطَرِ، وَهُنَالِكَ يَقِلُّ عَارِفُوهُ وَيَنْدُرُ قَابِلُوهُ.

إِذَا جَاءَ الْحَقُّ أَهَمَّتِ الْأَثْرِيَاءَ ثَرْوَتُهُمْ، وَالْأَقْوِيَاءَ قُوَّتُهُمْ، وَالْمَشَاهِيرَ شُهْرَتُهُمْ، وَالتَّبَعَةَ رُؤَسَاؤُهُمْ، وَالْمُقَلِّدَةَ مَرَاجِعُ تَقْلِيدِهِمْ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْمَغْمُورِينَ وَالْأَحْرَارَ وَالْمُحَقِّقِينَ هُمُ الَّذِينَ يُجِيبُونَ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُونَهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ثَرْوَةٌ تُقْلِقُهُمْ، وَلَا قُوَّةٌ تُخِيفُهُمْ، وَلَا شُهْرَةٌ تُحْزِنُهُمْ، وَلَا رَئِيسٌ يُؤَاخِذُهُمْ، وَلَا مَرْجَعُ تَقْلِيدٍ يَحْمِلُهُمْ عَلَى اعْتِقَادِهِ بِاسْمِ الْفَتْوَى!

لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ، أَجَابَهُ فُقَرَاؤُهَا وَأَنْكَرَهُ أَثْرِيَاؤُهَا، وَنَصَرَهُ مُسْتَضْعَفُوهَا وَعَادَاهُ أَقْوِيَاؤُهَا، وَأَحَبَّهُ مَغْمُورُوهَا وَأَبْغَضَهُ مَشَاهِيرُهَا، وَاتَّبَعَهُ أَحْرَارُهَا وَأَطَاعَ تَبَعَتُهَا رُؤَسَاءَهَا، وَدَرَسَهُ مُحَقِّقُوهَا وَقَلَّدَ مُقَلِّدَتُهَا آبَاءَهَا! أَلَا إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَقَدْ عَادَ الْآنَ إِلَى غُرْبَتِهِ الْأُولَى؛ غَيْرَ أَنَّ الْغُرْبَةَ الْآخِرَةَ أَكْبَرُ مِنَ الْغُرْبَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْغُرْبَةِ الْأُولَى، كَانُوا يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا مِنَ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ، وَهُمْ فِي الْغُرْبَةِ الْآخِرَةِ يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ!

شرح الرسالة:

لمزيد المعرفة عمّا أراد حفظه اللّه تعالى بهذه الكلمات، راجع: كتاب «العودة إلى الإسلام».

↑[١] . الشّورى/ ٢١