كاتب السؤال: محمّد عبد الغفّار تاريخ السؤال: ١٤٤١/٥/١٦

إنّي أرسلت إليكم مسائل كثيرة في أبواب من الفقه والتفسير قبل سبعة أيّام ولمّا تجيبوا عن كلّها بل أجبتم عن سؤالين فقطّ وإن كان جوابكم عنهما مفصّلًا مستندًا إلى أدلّة كافية من القرآن والحديث المتواتر وحكم العقل وهذه سنّتكم سنّة حسنة أطمعتنا في الإستفادة القصوى منكم ودعتنا إلى إرسال جميع مسائلنا إليكم؛ لأنّا لا نجد عالمًا غير السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى يجيبنا بالأدلّة القطعيّة وأنتم أصحابه وتلامذته وأبواب علمه؛ كما وصفكم في كلامه فقال: «تَجِدُهُمْ لِي رُفَقَاءَ رَاسِخِينَ وَأَعْوَانًا مُخْلِصِينَ؛ يَحْمِلُونَ عِلْمِي وَيَحْفَظُونَهُ مِنَ السَّرِقَةِ، وَيُفَجِّرُونَ يَنَابِيعَهُ وَيَتَسَابَقُونَ فِي الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَعْيُنًا مُبْصِرَةً وَأُذُنًا وَاعِيَةً، وَيَعْرِفُونَ قَدْرَ الْعَالِمِ. لَا أَغْبِيَاءُ وَلَا أَبْذِيَاءُ، وَلَا وُهُنٌ وَلَا رُعُنٌ. لَا يُسَاوِرُهُمُ الشَّكُّ، وَلَا يُدَاهِمُهُمْ سُوءُ الظَّنِّ. يَتَرَاحَمُونَ وَيَتَلَاءَمُونَ. قَدْ مَدَحَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ السَّجِيَّةِ الْمَرْضِيَّةِ، وَادَّخَرَهُمْ لِهَذَا الْأَمْرِ الْمُبَارَكِ. أُولَئِكَ كَالْبُذُورِ الْمُغَرْبَلَةِ وَالسُّحُبِ الْمُمْطِرَةِ الَّتِي انْضَمَّتْ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ». فجزاكم اللّه عنّا خيرًا وأدام بقاءكم ونصركم على أعدائكم وبلّغكم غاية آمالكم في الدنيا والآخرة.

الاجابة على السؤال: ١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤١/٥/٢٤

رحمكم اللّه، لو أنّكم صبرتم حتّى نجيب عن سؤالكم السابق ثمّ سألتم سؤالًا جديدًا لكان حسنًا والأحسن من ذلك صبركم حتّى تعملوا بما علمتم ثمّ تسألوا عمّا لا تعلمون؛ فإنّ كثرة السؤال مذمومة؛ كما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لَا يُحِبُّ اللَّهُ إِضَاعَةَ الْمَالِ وَلَا كَثْرَةَ السُّؤَالِ وَلَا قِيلَ وَقَالَ» وعن معقل بن يسار قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» وعن عبد اللّه بن سبرة أنه سمع النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» وعن الحجّاج بن عبد اللّه الثمالي وكان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَقِيلَ وَقَالَ» وعن عبد اللّه بن مسعود قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: دَعْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» وعن المغيرة بن شعبة وعمّار بن ياسر قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَعُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ» وعن عمر بن مالك الأنصاريّ قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «آمُرُكُمْ بِثَلَاثٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ: آمُرُكُمْ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِالطَّاعَةِ جَمِيعًا حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ تُنَاصِحُوا وُلَاةَ الْأَمْرِ مِنَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَفَسَادِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَقَالَ: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَقَالَ: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» وعن سعد بن أبي وقاص قال: «كَانَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الشَّيْءِ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُو حَلَالٌ، فَلَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ فِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِمْ» وعنه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وعن جابر قال: «مَا نَزَلَتْ آيَةُ التَّلَاعُنِ إِلَّا لِكَثْرَةِ السُّؤَالِ» وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وقال عبد اللّه بن مسعود يومًا وأكثروا عليه فقال: يا حار بن قيس -للحارث بن قيس- ما تراهم يريدون إلى ما يسألون؟ قال: ليعلموه ثمّ يتركوه! قال: صدقت والذي لا إله غيره وروي أنّ عليًّا عليه السلام كان يقول: «إِنَّ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ أَنْ لَا تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ، فَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُهَا حَتَّى يَسْقُطَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ» وروي أنّ رجلًا سأل عليّ بن الحسين عليهما السلام عن مسائل فأجاب ثمّ عاد ليسأل عن مثلها فقال عليه السلام: «مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: لَا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ، فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلَّا كُفْرًا وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا» وذلك لا ينافي الحثّ على السؤال عند الضرورة كما في بعض الروايات مثل ما روي عن جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام حين سئل عن مجدور أصابته جنابة فغسّلوه فمات قال: «قَتَلُوهُ؟! أَلَا سَأَلُوا؟! فَإِنَّ دَوَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ» وعنه عليه السلام أيضًا: «إِنَّمَا يَهْلِكُ النَّاسُ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ»؛ لأنّ السؤال عند الضرورة لا يعتبر كثرة السؤال إذا كان مع فواصل مناسبة ومراعاة لحال العالم وإنّما المذموم هو سرد السؤال في كلّ باب أو توسيع موضوعه بما يستدعي التفصيل والإطالة؛ لأنّه موجب لملال العالم وربما يمنعه من القيام ببعض ما هو أوجب عليه من الإجابة عن أمثال هذه المسائل وأنفع للناس وفي قصّة بني إسرائيل تنبيه على المنع من كثرة السؤال إذ قال لهم موسى عليه السلام: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً[١] فأكثروا السؤال عن أوصافها حتّى ضاق عليهم الأمر وفي قصّة موسى والخضر عليهما السلام تنبيه على المنع من السؤال قبل أوانه إذ قال الخضر عليه السلام: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا[٢] فلمّا تكرّر السؤال من موسى عليه السلام في غير موضعه أعرض عنه فقال: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ[٣].

نستغفر اللّه لنا ولكم.

↑[١] . البقرة/ ٦٧
↑[٢] . الكهف/ ٧٠
↑[٣] . الكهف/ ٧٨