كاتب الشبهة: علي زعيم زاده تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٤/٣

قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» عدّة مرّات، فلم أجد فيه أيّ إشكال، ووجدت كلّه موافقًا للعقل والشرع على حدّ علمي، لكنّ السؤال الأساسيّ أنّه كيف أستيقن أنّ كاتبه السيّد المنصور الهاشمي الخراساني هو نفسه متّبع لهذه الحقائق عمليًّا وعن يقين، وليس مثل سائر العلماء الذين يقولون ما لا يفعلون؟ لعلّي أستيقن ذلك إذا علمت أنّه هو المنصور الخراسانيّ الموعود الذي بشّر به النبيّ وأهل بيته على أنّه ممهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام، ولذلك فإنّه متّبع لهذه الحقائق عمليًّا وعن يقين.

الاجابة على الشبهة: ٣ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٤/٥

لقد منّ اللّه عليك إذ فتح مسامع قلبك، ثمّ أسمعك قول الحقّ، لتفقهه وتؤمن به، ولو شاء لختم على قلبك، أو جعلك في غفلة منه، فكنت إذًا من الخاسرين، وأمّا لجواب سؤالك الأساسيّ فانتبه إلى النكات التالية:

أولًا إنّك لست بحاجة إلى اليقين بأنّ السيّد المنصور الهاشمي الخراساني هو نفسه متّبع لهذه الحقائق عمليًّا وعن يقين حتّى تتّبعها؛ لأنّ هذه الحقائق بما أنّها حقائق يجب عليك اتّباعها، سواء كان هو نفسه متّبعًا لها أم لم يكن. بعبارة أخرى، يجب عليك اتّباع هذه الحقائق كما يجب عليه، فلا يضرّك عدم اتّباعه لها إذا أنت اتّبعتها، كما لا يضرّه عدم اتّباعك لها إذا هو اتّبعها، ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[١]، ولذلك قال اللّه لنبيّه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ[٢]، وقال: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ[٣]، وقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[٤].

ثانيًا عدم اتّباع المنصور الهاشمي الخراساني للحقائق التي قد أظهرها بنفسه مع صعوبات شديدة وأخطار عظيمة أمر غير محتمل؛ لأنّه خلاف العقل والعادة أن يخاطر شخص بحياته وأهله وماله وعرضه لإظهار الحقائق التي يشكّ فيها أو يهملها، لدرجة يمكن القول أنّ إظهاره الحقائق التي تعرّضه للقتل والسجن والشتم والفقر والخوف والغربة وغير ذلك من المكاره، هو خير دليل على أنّه موقن وعامل بها، ولذلك يسلّم الكفّار والزنادقة بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان على يقين وعمل بما جاء به، ولا يتّهمونه بالشّكّ والإهمال فيه؛ لأنّه أظهر ما عرّضه للقتل والسجن والشتم والفقر والخوف والغربة وغير ذلك من المكاره، ولو كان في شكّ منه أو إهمال لم يفعل ذلك. إنّما يُتّهم بالشّكّ والإهمال من كتم الحقائق التي في إظهارها خطر أو صعوبة، وأمّا من أظهرها صابرًا محتسبًا فلا يُتّهم بهما، ومن اتّهمه بهما ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[٥].

ثالثًا إنّ القيام بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يعتبر مجرّد قول، بل هو عمل صالح وعد اللّه عليه الجنّة، إذ قال: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[٦]، ولو كان ذلك مجرّد قول لم يقل: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، والشاهد عليه ما قصّ من نبإ أصحاب السبت: ﴿إِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۝ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ[٧]، فاعتبر موعظة فريق منهم ما أنجاهم من العذاب، وعدم موعظة فريق آخر ما جعلهم مع القوم الفاسقين. هذا يدلّ على أنّ القيام بالدعوة إلى الحقّ في زمان الباطل ليس عند اللّه مجرّد قول قد يصدر عن أهل الشكّ والإهمال، بل هو عمل من أعمال الموقنين والمتّقين، وقد صرّح بذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[٨]، إذ جعل الدعوة إلى اللّه صفة أهل البصيرة والإتّباع. نعم، قد يكون من يأمر بالبرّ غير عامل به، كالذين قال اللّه لهم: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[٩]، ولكنّ البرّ أخصّ من الحقّ، والمراد به هاهنا ما يحمده الناس من فضائل الأخلاق والأعمال؛ كأمر المسلمين بالصلاة والزكاة والصيام والحجّ وصلة الأرحام وإطعام المساكين وحسن الجوار وصدق الحديث وكظم الغيظ والعفو عن الناس والصبر على المصيبة وأمثال ذلك ممّا لا خلاف بينهم في حسنها وصوابها، وإنّما يحتمل أن يكون من يأمر بها غير عامل بها لأنّ الأمر بها ليس فيه أيّ خطر أو صعوبة، ولذلك تجد آلافًا من الوعّاظ في مساجد المسلمين ومجالسهم يأمرون بها ليلًا ونهارًا، ولا تجد أكثرهم عاملين بما يقولون؛ لأنّهم يقولون ما لا يكرهه حاكم ولا ينكره رعيّة، فينالون بذلك مالًا أو ذكرًا حسنًا في الحياة الدنيا، ولا يستوون هم ومن يدعو إلى الحقائق التي يكرهها الحكّام وينكرها أكثر الناس، صابرًا على ما يناله من الأذى؛ فإنّه يكون موقنًا عاملًا بما يقول لا محالة، والمنصور الهاشمي الخراساني هو هكذا، كما يظهر من كتبه وكلماته.

رابعًا إنّ بيان الحقّ بغير باطل يشوبه ليس ممّا يستطيعه كلّ أحد، بل هو ممّا يستطيعه عباد اللّه المخلصون فقطّ؛ لأنّه هو «الحكمة»، ولا يؤتي اللّه الحكمة إلّا من يستأهلها؛ كما آتاها آل إبراهيم عليه السلام، فقال: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[١٠]، وآتاها داود عليه السلام، فقال: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ[١١]، وآتاها لقمان عليه السلام، فقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ[١٢]، وآتاها عيسى عليه السلام، فقال: ﴿وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ[١٣]، وآتاها محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ[١٤]، وآتاها من شاء من عباده المخلصين، فقال: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ[١٥]، ولذلك فإنّ ما آتى المنصور الهاشمي الخراساني من الحكمة دليل واضح على قربه وكرامته عنده؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ شخصيّة كلّ امرئ تُعرف بأفكاره وآرائه وأهدافه، وهي متجلّية في أقواله لا محالة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ[١٦]، أي في نحوه ومعناه، وأثنى على قوم ﴿إِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ[١٧]، وروي عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا، فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ»[١٨]، وقال: «كَلَامُ الرَّجُلِ مِيزَانُ عَقْلِهِ»[١٩]، وقال: «يُسْتَدَلُّ عَلَى عَقْلِ الرَّجُلِ بِحُسْنِ مَقَالِهِ»[٢٠]، وقال: «مِنْ دَلَائِلِ الْعَقْلِ النُّطْقُ بِالصَّوَابِ»[٢١]، وقال: «لِسَانُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ»[٢٢]، وقال: «قَوْلُكَ يَدُلُّ عَلَى عَقْلِكَ، وَعِبَارَتُكَ تُنْبِئُ عَنْ مَعْرِفَتِكَ»[٢٣]، وقال: «يُنْبِئُ عَنْ عِلْمِ كُلِّ امْرِئٍ لِسَانُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ حُسْنُ بَيَانِهِ»[٢٤]، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ[٢٥].

خامسًا إنّ هناك رجالًا كثيرين قد صحبوا المنصور الهاشمي الخراساني، وهم يشهدون على عدله وجلالته، ويروون عنه اتّباعه لما يدعو إليه عمليًّا وعن يقين، وقد نشرنا بعض شهاداتهم ورواياتهم في قسم «الأقوال» من الموقع، ولا شكّ أنّ شهاداتهم مقبولة ورواياتهم معتبرة بالنظر إلى ما قدّمناها من القرائن التي تدلّ على أنّه كذلك، فتفيد بمجموعها العلم.

الحاصل أنّ عدم يقينك باتّباع المنصور الهاشمي الخراساني للحقائق التي يدعو إليها، من ناحية، لا يمنعك من اتّباع هذه الحقائق، ومن ناحية أخرى، يمكن تداركه بالنظر إلى النكات التي قدّمناها، وعلى هذا فلا حاجة لك إلى القول بأنّ المنصور الهاشمي الخراساني هو المنصور الخراسانيّ الموعود الذي بشّر به النبيّ وأهل بيته على أنّه ممهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام، بل يسعك التعاون معه في تبليغ هذه الحقائق وتطبيقها وإن لم تكن قائلًا بأنّه هو؛ فقد قال اللّه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى[٢٦]، ولم يقيّد ذلك بمثل هذا القول. نعم، ليس من البعيد أن يكون هو هو، وقد يرجو ذلك كثير من أنصاره ومحبّيه نظرًا إلى أوصافه وتمهيده لظهور الإمام المهديّ عليه السلام تمهيدًا واقعيًّا، بل يقولون بذلك جازمين، ولكنّه لا يدّعي ذلك، ولا يشتغل بإثباته، بل ينهى أصحابه عن الجدال فيه؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:

دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ وَعِنْدَهُ رِجَالٌ، فَمَكَثْتُ حَتَّى خَرَجَ الرِّجَالُ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: أَلَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَسْأَلَةٌ، وَأَخَذْتُ أَرْتَعِدُ مِنْ مَهَابَتِهِ، فَقَالَ: سَلْ وَهَوِّنْ عَلَيْكَ! قُلْتُ: أَنْتَ الْخُرَاسَانِيُّ؟! قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ! قُلْتُ: لَا أُرِيدُ هَذَا، وَلَكِنْ أُرِيدُ الَّذِي يُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ! قَالَ: أَنَا أُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ! قُلْتُ: لَا أُرِيدُ هَذَا، وَلَكِنْ أُرِيدُ الَّذِي يُؤَدِّي الرَّايَةَ إِلَى الْمَهْدِيِّ! قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟! فَدَخَلَ رَجُلَانِ فَقَطَعَا عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَقَضَى حَاجَتَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ أُوتِيَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ، فَنَظَرَ فِيهِ، فَوَجَدَ فِيهِ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ أَكُنْ عِنْدَهُ مَنْسِيًّا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَثْبَتَنِي عِنْدَهُ فِي صَحِيفَةِ الْأَبْرَارِ! فَلَمْ يَزِدْ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ شَيْئًا وَلَمْ يُجَادِلْ فِي ذَلِكَ أَحَدًا![٢٧]

شتّان بين هذا العالم الصدّيق الذي يمهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام بعلمه من دون ادّعاء، وبين الدّجّالين الذين يعرقلون ظهوره بجهلهم، وهم يدّعون ما يحيّر العقول! كما وصفهم حفظه اللّه تعالى في خطبة له، فقال:

يُخْبِرُونَ عَمَّا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ، وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُونَ عِلْمًا صَحِيحًا بِعَقَائِدِ الْإِسْلَامِ وَلَا فِقْهًا كَبِيرًا فِي حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَكَلِمَاتُهُمُ الْقِصَارُ مُبْهَمَةٌ وَفَارِغَةٌ كَنَعِيقِ الْغُرَابِ! لَا جَذْرَ لَهُمْ فِي أَرْضِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَا نَجْمَ لَهُمْ فِي سَمَاءِ التَّقْوَى! يُضِلُّونَ أَحَدًا بِحُلْمٍ لَمْ يَرَوْهُ، وَآخَرَ بِهَاتِفٍ لَمْ يَسْمَعُوهُ! يُلْقُونَ أَحَدًا فِي الْبِئْرِ بِآيَةٍ لَمْ تَنْزِلْ، وَآخَرَ بِرِوَايَةٍ لَمْ تَصْدُرْ! يَخْدَعُونَ أَحَدًا بِكَلَامٍ لَاغٍ، وَآخَرَ بِطِلَسْمٍ مُعَقَّدٍ! وَهَكَذَا، لَا يَتْرُكُونَ بَابًا مَفْتُوحًا إِلَى الْمَهْدِيِّ إِلَّا وَيُغْلِقُونَهُ، وَلَا طَرِيقًا قَصِيرًا لِأَنْصَارِهِ إِلَّا وَيَسُدُّونَهُ، وَلَا مَنْزِلًا طَيِّبًا لِمُحِبِّيهِ إِلَّا وَيُنَجِّسُونَهُ! كُلَّ يَوْمٍ يَتَّخِذُونَ لَوْنًا وَيَدَّعُونَ ادِّعَاءً وَيَكْتَشِفُونَ شَيْئًا جَدِيدًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِأَمَانِيِّهِمْ وَمُبَالَغَاتِهِمْ. يَشُوبُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيَلُوثُونَ الصِّدْقَ بِالْكِذْبِ، حَتَّى لَا تَبْقَى لِلْحَقِّ حُرْمَةٌ وَلَا لِلصِّدْقِ قِيمَةٌ! عِنْدَمَا تُرْفَعُ رَايَةُ الْحَقِّ مَنْ يَعْرِفُهَا؟! وَعِنْدَمَا تُقَالُ كَلِمَةُ الصِّدْقِ مَنْ يَقْبَلُهَا؟! عَمِيَتِ الْأَبْصَارُ وَصَمَّتِ الْآذَانُ وَتَعِبَتِ الْأَيْدِي، وَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ صَبْرٌ لِلْمُقَايَسَةِ وَالْإِسْتِقْصَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدْعِيَاءَ قَدْ بَثَّوْا بَذْرَ سُوءِ الظَّنِّ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَأَثَارُوا غُبَارَ التَّشَاؤُمِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَبَلَغُوا بِالنَّفْسِ إِلَى الْحُلْقُومِ وَبِالسِّكِّينِ إِلَى الْعَظْمِ.[٢٨]

من أجل ذلك يمكن القول أنّ ظهور الممهّد الصدّيق لظهور الإمام المهديّ عليه السلام بلا ادّعاء هو لطف من اللّه يخفّف به عن المؤمنين، لكي لا يكون عليهم حرج أو شبهة أو خلاف في نصرته، ويوهن به كيد الشيطان؛ لأنّه بعث المدّعين بين يدي الصدّيقين، ليبتذلوا أسماءهم وأقوالهم، ويجلبوا عليهم التهمة وسوء الظنّ، وينفّروا منهم الناس، ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ[٢٩]؛ فبعث اللّه الصدّيقين بغير ادّعاء، وجعل المدّعين كلّهم كذّابين، ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ[٣٠]!

وفّق اللّه جميع المؤمنين ليستيقنوا بالحقّ، ثمّ يتّبعوه صابرين؛ لأنّهما يمهّدان لظهور الإمام المهديّ عليه السلام بينهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[٣١]، والحمد للّه الذي هدانا لهذا، وصلواته على السبب في ذلك المنصور الهاشمي الخراساني، والذين نصروه بقلوبهم وألسنتهم وأيديهم ابتغاء مرضات اللّه.

↑[١] . الأنعام/ ١٦٤
↑[٢] . يونس/ ١٠٨
↑[٣] . الأنعام/ ١٠٤
↑[٤] . الملك/ ٢٨
↑[٥] . النّساء/ ١١٢
↑[٦] . آل عمران/ ١٠٤
↑[٧] . الأعراف/ ١٦٤-١٦٥
↑[٨] . يوسف/ ١٠٨
↑[٩] . البقرة/ ٤٤
↑[١٠] . النّساء/ ٥٤
↑[١١] . ص/ ٢٠
↑[١٢] . لقمان/ ١٢
↑[١٣] . الزّخرف/ ٦٣
↑[١٤] . البقرة/ ١٥١
↑[١٥] . البقرة/ ٢٦٩
↑[١٦] . محمّد/ ٣٠
↑[١٧] . المائدة/ ٨٣
↑[١٨] . الفاضل للمبرّد، ص٦؛ البرهان في وجوه البيان لابن وهب الكاتب، ص٥٨؛ الأمالي لابن بابويه، ص٥٣٢؛ نهج البلاغة للشريف الرضي، ص٥٤٥؛ الإرشاد للمفيد، ج١، ص٣٠٠؛ الإعجاز والإيجاز لأبي منصور الثعالبي، ص٣٤؛ معدن الجواهر للكراجكي، ص٦٧؛ الأمالي للطوسي، ص٤٩٤؛ ترتيب الأمالي الخميسية للشجري، ج١، ص١٧٧
↑[١٩] . عيون الحكم والمواعظ للليثي الواسطي، ص٣٩٥
↑[٢٠] . عيون الحكم والمواعظ للليثي الواسطي، ص٥٥٠
↑[٢١] . عيون الحكم والمواعظ للليثي الواسطي، ص٤٧٣
↑[٢٢] . تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة، ص٨٥
↑[٢٣] . عيون الحكم والمواعظ للليثي الواسطي، ص١٠٠
↑[٢٤] . عيون الحكم والمواعظ للليثي الواسطي، ص٥٥٤
↑[٢٥] . الحجّ/ ٢٤
↑[٢٦] . المائدة/ ٢
↑[٢٧] . القول ١٠، الفقرة ١
↑[٢٩] . فاطر/ ٤٣
↑[٣٠] . غافر/ ٧٨
↑[٣١] . السّجدة/ ٢٤