كاتب الشبهة: باقر الإسكندري تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٤/١٤

إن كان المنصور صادقًا في نيّته، فليعثر وليجب على السؤال الذي أنوي طرحه على الإمام المهديّ بأيّ طريقة ممكنة.

الاجابة على الشبهة: ٠ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٤/١٥

أيّها الأخ الكريم!

يبدو أنّك لم تقرأ بعد كتاب «العودة إلى الإسلام» وسائر آثار المنصور الهاشمي الخراساني، ولم تطّلع بعد على فكره وهدفه ودعوته ومن ثمّ، تكلّمت تكلّم الذي سقط فجأة من السماء إلى وسط ميدان ولا يدري أيًّا من أيّ! لذلك، من الضروريّ أن تنتبه إلى النقاط التالية:

أولًا لا يستلزم صدق المرء في نيّته أن يكون على علم بأفكار الآخرين؛ لأنّه من المسلّم به أنّ كثيرًا من الناس صادقون في نيّاتهم، لكنّهم ليسوا على علم بأفكار الآخرين ولذلك، فإنّ تعيين مثل هذا المعيار للتعرّف على صدق المنصور الهاشمي الخراساني في نيّته، هو عمل غير عقلانيّ ولا معنى له.

ثانيًا لا يستلزم مجرّد اطّلاع المرء على أفكار الآخرين أن يكون صادقًا في نيّته؛ لأنّ العديد من الكهنة والعرّافين باستخدام الحيل والأدوات الخبيثة، يطّلعون على أفكار الآخرين ويمارسون التنبّأ، في حين أنّهم بالتأكيد ليسوا صادقين في نيّاتهم، ويسعون فقطّ إلى خداع الناس وأكل أموالهم بالباطل.

ثالثًا إذا كنت تبحث عن علم المنصور الهاشمي الخراساني بالغيب، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني لا يدّعي علم الغيب؛ لأنّ علم الغيب للّه وحده؛ كما قال: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ[١] وأنّه يوحيه فقطّ إلى أنبيائه عند الضرورة؛ كما قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ۝ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ[٢] وقال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ۖ[٣]. لذلك، فإنّ أنبيائه أيضًا لا يُعتبرون عالمين بالغيب، والأصل فيهم عدم العلم بالغيب؛ كما قال: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ[٤] وقال: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[٥]. لهذا السبب، قد جاء في كتاب اللّه أنّ يعقوب عليه السلام لم يكن على علم بيوسف عليه السلام، ولم يكن يعرف مكانه لسنوات عديدة[٦] وأنّ لوطًا عليه السلام لم يكن يعرف ملائكة اللّه حتّى سحر اليوم التالي، وكان يخاف عليهم من قومه[٧] وأنّ أيّوب عليه السلام لم يكن على علم بأنّ زوجته لم تأت بفاحشة، لدرجة أنّه حلف أن يجلدها مائة جلدة[٨] وأنّ سليمان عليه السلام لم يكن على علم بمكان الهدهد وما يجري في أرض سبأ، حتّى جاءه الهدهد فأخبره بذلك ومع هذا، لم يستيقن حتّى تبيّن[٩] وأنّ أفضل الأنبياء محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يكن على علم ببعض المنافقين؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ[١٠]. مع ذلك، من الواضح أنّ كلّ هؤلاء الكرام كانوا صادقين في نيّاتهم، بل كان يوحى إليهم بكرة وعشيًّا! هذا في حين أنّ المنصور الهاشمي الخراساني ليس نبيًّا؛ كما أنّه ليس كاهنًا ولا عرّافًا، بل هو بشر مثلك وعالم من علماء الدين، يدعو إلى الإسلام الخالص والكامل بالحجج والبراهين العقليّة والشرعيّة، ويمهّد لظهور خليفة اللّه في الأرض، وقد جاء ليخبرك عن أفكارك الخاطئة، ولم يجئ ليخبرك عن أفكارك الخفيّة؛ لأنّك على علم بأفكارك الخفيّة، ولكنّك جاهل بأفكارك الخاطئة ومن الضروريّ إخبارك عنها!

من هذا يعلم أنّ تصوّرك عن المنصور الهاشمي الخراساني تبعًا لتصوّرك عن المهديّ عليه السلام، هو تصوّر خرافيّ ومبتذل نشأ من الدعايات الخرافيّة والمبتذلة للذين يدّعون العلم في مجتمعك وهم غريبون عنه؛ لأنّ هؤلاء العلماء الجاهلين الذين ترصّدوا في كلّ مسجد ونادي، بمساعدة المدّاحين الثرثارين الذين عشّشوا في كلّ حيّ ومعبر، منذ العصر الصفوي على أقلّ تقدير، قد استبدلوا الأوهام بالعقلانيّة والخرافات بالواقعيّة، وقدّموا صورة خياليّة وأسطوريّة عن أئمّة المسلمين، انتشرت كفيروس سامّ بين أمثالك، وجعلت أذهانكم مريضة تمامًا؛ لدرجة أنّكم اتّخذتم العواطف أساسًا لتديّنكم، وانغمستم في أمواج الأشعار والشعارات؛ غافلين عن حقيقة أنّ الإسلام هو دين العقلانيّة والواقعيّة، ولا يتّبع أمانيّكم بأيّ وجه من الوجوه؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ[١١]. هذا هو السّبب في أنّكم قد جعلتم الحقّ تابعًا لأهوائكم، وتتّخذون لمعرفته أيّ معيار يخطر ببالكم فتستحسنونه؛ غافلين عن حقيقة أنّ الحقّ ليس تابعًا لأهوائكم؛ لأنّه لو كان تابعًا لأهوائكم لم يبق شيء من السماوات والأرض؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ[١٢].

من الواضح أنّ ما يكشف عن صدق المنصور الهاشمي الخراساني في نيّته، ليس تطابق أفكاره وتعاليمه ومثله مع أهوائك، لكن تطابقها مع كتاب اللّه وسنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة وحكم العقل السليم ممّا قد ظهر جليًّا في آثاره المنيرة. بغضّ النظر عن أنّ صدقه في نيّته لا يعنيك حقًّا، وما يعنيك هو تطابق دعوته مع الإسلام؛ لأنّه إذا كانت دعوته متطابقة مع الإسلام، وجب عليك إجابتها، حتى لو لم يكن هو نفسه صادقًا في نيّته؛ لأنّك بإجابتك دعوته، في الحقيقة تجيب الإسلام ولا تجيب شخصه، وذنبه في حالة عدم الصّدق في نيّته يكون على نفسه؛ كمن يدعوك إلى الصلاة والزكاة والصوم والحجّ وهو غير صادق في نيّته؛ فإنّه لا يضرّك عدم صدقه في نيّته بعد صدقه في دعوته، ولعلّ اللّه قد أشار إلى هذا إذ قال لنبيّه: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[١٣].

أخيرًا، ندعوك لقراءة مبحث «النّزعة الخرافيّة في المسلمين الشّيعة» من كتاب «العودة إلى الإسلام»[١٤] الذي يبيّن أسباب هذه الإتّجاهات الخاطئة وأبعادها وآثارها.

نسأل اللّه تعالى أن يوفّق جميع المسلمين، وخاصّة الشيعة، لمعرفة الدّين الخالص، بالإعتماد على العقلانيّة والواقعيّة، والإبتعاد عن الأهواء والأوهام التي لا أساس لها، حتّى لا يجعلوا الظهور أكثر صعوبة على المهديّ عليه السلام ولا يطيلوا ذلّتهم ومسكنتهم أكثر من هذا بتصوّراتهم الخرافيّة والمبتذلة، وشرطهم على الحقّ شروطًا اعتباطيّة. حقًّا قد وصلت الروح إلى الحلقوم والسكّين إلى العظم، ولكن لم تتوفّر الظروف لظهور المهديّ عليه السلام؛ لأنّ معظم المسلمين يريدون أن يتّبعهم الحقّ، ولا يريدون أن يتّبعوا الحقّ، وهم غريبون عن المعرفة والتمييز!

↑[١] . النّمل/ ٦٥
↑[٢] . الجنّ/ ٢٦ و٢٧
↑[٣] . آل عمران/ ١٧٩
↑[٤] . الأنعام/ ٥٠
↑[٥] . الأعراف/ ١٨٨
↑[٦] . يوسف/ ٨٤-٨٨
↑[٧] . هود/ ٧٧
↑[٨] . ص/ ٤٤
↑[٩] . النّمل/ ٢٠-٢٧
↑[١٠] . التّوبة/ ١٠١
↑[١١] . النّساء/ ١٢٣
↑[١٢] . المؤمنون/ ٧١
↑[١٣] . النّور/ ٥٤