١ . أَخْبَرَنَا أَتَابَكُ بْنُ جَمْشِيدَ السُّغْدِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ وَعِنْدَهُ رِجَالٌ، فَمَكَثْتُ حَتَّى خَرَجَ الرِّجَالُ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: أَلَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَسْأَلَةٌ، وَأَخَذْتُ أَرْتَعِدُ مِنْ مَهَابَتِهِ، فَقَالَ: سَلْ وَهَوِّنْ عَلَيْكَ! قُلْتُ: أَنْتَ الْخُرَاسَانِيُّ؟! قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ! قُلْتُ: لَا أُرِيدُ هَذَا، وَلَكِنْ أُرِيدُ الَّذِي يُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ! قَالَ: أَنَا أُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ! قُلْتُ: لَا أُرِيدُ هَذَا، وَلَكِنْ أُرِيدُ الَّذِي يُؤَدِّي الرَّايَةَ إِلَى الْمَهْدِيِّ! قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟! فَدَخَلَ رَجُلَانِ فَقَطَعَا عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَقَضَى حَاجَتَهُمَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ أُوتِيَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ، فَنَظَرَ فِيهِ، فَوَجَدَ فِيهِ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ أَكُنْ عِنْدَهُ مَنْسِيًّا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَثْبَتَنِي عِنْدَهُ فِي صَحِيفَةِ الْأَبْرَارِ! فَلَمْ يَزِدْ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ شَيْئًا وَلَمْ يُجَادِلْ فِي ذَلِكَ أَحَدًا!

٢ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: رَبِّ أَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنِي عُلُوَّ خَلِيفَتِكَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَتَدْعُو بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَدْفَعُ الرَّايَةَ إِلَيْهِ وَتَكُونُ مَعَهُ فِي جَمِيعِ مَوَاطِنِهِ؟! قَالَ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتَ، وَلَكِنْ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ فَرِغَ مِنَ الْأَمْرِ فَقَدْ كَذَبَ، لِأَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَشِيئَةَ فِي خَلْقِهِ، يُحْدِثُ مَا يَشَاءُ وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ! ثُمَّ قَالَ الْمَنْصُورُ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَءً مِنْكُمْ يَفْعَلُ مَا يُؤْمَرُ وَلَا يَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ!

٣ . أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: سَأَلَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لَهُ عَلَى الْمَنْصُورِ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قُلْتُ لَهُ: مَا وَرَاءَكَ؟! قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ لَا يُفَارِقُ الْقُرْآنَ وَلَا يُفَارِقُهُ، يُجْرِي اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ، يُلْهِمُهُ إِلْهَامًا، فَلَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا يُجِيبُ، يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْعِلْمُ! قُلْتُ: أَمَا سَأَلْتَهُ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَرَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُوَطِّئُ لِرَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِهِ يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ، وَحَسْبُكَ هَذَا! قُلْتُ: إِنَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ أَنَّكَ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ! قَالَ: وَتَجِدُونَ ذَلِكَ؟! قُلْتُ: نَعَمْ وَاللَّهِ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَثَوْبَانٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ! قَالَ: أَمَّا أَنَا فَرَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُوَطِّئُ لِرَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِهِ يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ، وَحَسْبُكَ هَذَا! قُلْتُ: إِنَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ أَنَّكَ وَزِيرُ الْمَهْدِيِّ وَوَصِيُّهُ الَّذِي يُوصِي إِلَيْكَ! قَالَ: وَتَجِدُونَ ذَلِكَ؟! قُلْتُ: نَعَمْ وَاللَّهِ، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَجَابِرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَرَوَى النَّاسُ عَنْ عَلِيٍّ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ وَسَائِرَ صِفَتِكَ! قَالَ: أَمَّا أَنَا فَرَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُوَطِّئُ لِرَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِهِ يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ، وَحَسْبُكَ هَذَا! قَالَ: فَمَا سَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ إِلَّا أَجَابَنِي بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ!

٤ . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُودَ الْفَيْض‌آبَادِيُّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ الْمَنْصُورَ وَمَعَهُ غَنَمٌ يَرْعَاهَا وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ لَمْ يُجِبْنِي فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَلَا يُجِيبُنِي أَبَدًا، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَنْتَ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟! قَالَ: إِنْ أَدْرَكْتَهُ قَرَّتْ عَيْنَاكَ! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَبْهَمْتُ فَأَبْهَمَ! ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: يَسْأَلُ النَّاسُ هَلْ أَنْتَ الْمَنْصُورُ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ؟! قَالَ: دَعْهُمْ يَابْنَ دَاوُودَ! فَوَاللَّهِ لَوْ قُلْتُ لَهُمْ نَعَمْ، فَيَقُولُونَ يَدَّعِي، وَلَوْ قُلْتُ لَهُمْ لَا، فَيَقُولُونَ يَتَّقِي! فَدَعْهُمْ حَتَّى يَهْدِيَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ يَشَاءُ! إِنَّهُ بِكَيْدِهِمْ عَلِيمٌ! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَنَا عَنْ ذَلِكَ، فَمَاذَا نَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: لَا يَسْأَلُونَكُمْ عَنْهُ إِلَّا ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ! فَإِذَا سَأَلُوكُمْ عَنْهُ فَقُولُوا: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ[١] وَلَا تُجَادِلُوهُمْ فِيهِ، وَلَا تَجْزِمُوا عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِرَجُلٍ يُخْبِرُهُمْ عَنِّي كَمَا أَخْبَرْتُهُمْ عَنْهُ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ!

٥ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الْمَنْصُورِ فِي مَجْلِسٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَيُجِيبُهُمْ، فَلَمَّا فَرِغُوا مِنْ أَسْئِلَتِهِمْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ آتَاكَ عِلْمًا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ وَعَدَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ رَجُلًا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ يُقَالُ لَهُ الْمَنْصُورُ، يُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ، وَأَنْتَ مَعَ عِلْمِكَ هَذَا وَدَعْوَتِكَ إِلَى الْمَهْدِيِّ يُقَالُ لَكَ الْمَنْصُورُ، فَهَلْ أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ! فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ قَالَ: لَوْ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ مَا قُلْنَا وَسَكَتُّمْ عَمَّا سَكَتْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَكُمْ! فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ وَيَقُولُونَ: لَوْ جَاءَ ذَلِكَ الَّذِي وُعِدْنَا لَتَظَاهَرَ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَسْتَتِرْ عَنْهُمْ! قَالَ: كَذَبُوا! أَمَا بَلَغَهُمْ قَوْلُ عَلِيٍّ فِيهِ: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقًا، وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقًّا، وَيَصْدَعَ شَعْبًا، وَيَشْعَبَ صَدْعًا، فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ، لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ»؟! قَالَ الرَّجُلُ: إِنَّا نَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ وَرُبَّمَا نُخَاصِمُهُمْ! قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْخُصُومَةَ، فَإِنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ، وَتُورِثُ النِّفَاقَ، وَتَكْسِبُ الضَّغَائِنَ! إِنَّمَا عَلَيْكُمُ الدَّعْوَةُ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمُ الْخُصُومَةُ! قَالَ الرَّجُلُ: كَيْفَ لَا نُخَاصِمُهُمْ وَهُمْ يَسْأَلُونَنَا؟! قَالَ: إِذَا سَأَلُوكُمْ لِيُخَاصِمُوكُمْ فَلَا تُجِيبُوهُمْ، وَقُولُوا لَهُمْ: ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ![٢]

٦ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: أَسْأَلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَنْتَ كَنْزُ الطَّالَقَانِ الَّذِي وُعِدْنَا؟ قَالَ: وَمَنْ وَعَدَكُمْ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَاسْأَلُوهُمَا عَمَّا وَعَدَاكُمْ وَاسْأَلُونِي عَمَّا وَعَدْتُكُمْ! قُلْتُ: إِذًا أَنْتَ هُوَ! قَالَ: لَمْ أَقُلْ هَذَا! قُلْتُ: أَتَتَّقِينِي؟! قَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا أُعْطِيكَ جِرَابَ النُّورَةِ! قُلْتُ: إِذًا تُبْهِمُ فِي قَوْلِكَ، وَالنَّاسُ لَا يَرْضَوْنَ مِنْكَ بِالْإِبْهَامِ! قَالَ: مَاذَا تُرِيدُ مِنِّي يَا شِيرَازِيُّ؟! أَتُرِيدُ أَنْ أَكُونَ كَالْحِمَارِ، يَحْمِلُ كُلَّ مَا يُحَمِّلُونَهُ؟! قُلْتُ: لَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَّهِمُونَكَ وَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ هَذَا صَادِقًا لَتَكَلَّمَ بِصَرَاحَةٍ وَمَا أَبْهَمَ! قَالَ: إِنْ أَبْهَمْتُ فَقَدْ أَبْهَمَ اللَّهُ إِذْ أَنْزَلَ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَإِذْ قَالَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[٣] وَقَالَ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[٤] وَقَالَ: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا[٥] وَإِبْرَاهِيمُ إِذْ قَالَ: ﴿هَذَا رَبِّي[٦] وَإِذْ نَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ۝ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ[٧] وَإِذْ قَالَ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ[٨] وَيُوسُفُ إِذْ ﴿جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ[٩] وَإِذْ قَالَ: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ[١٠] وَسُلَيْمَانُ إِذْ قَالَ: ﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ۝ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ![١١]

٧ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْمَنْصُورِ فِي مَسْجِدٍ، نَسْأَلُهُ عَنِ الْعَقِيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ فَيُجِيبُنَا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ لَا نَعْرِفُهُمْ، فَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْمَنْصُورُ؟! فَسَكَتْنَا وَلَمْ نَرُدَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى قَالَ لَهُمُ الْمَنْصُورُ: نَعَمْ، أَنَا هُوَ! فَالْتَفَتُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: هَلْ أَنْتَ خَلِيفَةُ الْمَهْدِيِّ؟! قَالَ: وَهَلْ جَاءَ الْمَهْدِيُّ حَتَّى يَكُونَ لَهُ خَلِيفَةٌ؟! قَالُوا: لَا نَدْرِي، وَلَكِنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا مِنْ أَصْحَابِكَ أَخْبَرُونَا بِأَنَّكَ خَلِيفَةُ الْمَهْدِيِّ! قَالَ: مَا أَنَا أَمَرْتُهُمْ بِذَلِكَ! قَالُوا: أَلَيْسُوا هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِكَ يَدْخُلُونَ عَلَيْكَ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟! فَظَهَرَ فِي وَجْهِ الْمَنْصُورِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَصْحَابِي لَاتَّبَعُونِي! فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أَغْضَبُوهُ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَأَقْبَلَ الْمَنْصُورُ عَلَيْنَا وَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَحْمِلُونَ النَّاسَ عَلَى أَكْتَافِنَا؟! أَلَا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ؟! حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَلَا تُحَدِّثُوهُمْ بِمَا لَا يَعْرِفُونَ، فَتُغْرُونَهُمْ بِنَا!

شرح القول:

يُفهم من هذه الأقوال أنّ أنصار المنصور -وفّقهم اللّه تعالى- إذا تبيّن لهم بأيّ سبب من الأسباب أنّ هذا العالم الجليل هو الممهّد الموعود لظهور المهدي عليه السلام وله منزلة خاصّة عند اللّه وخليفته، فلا ينبغي لهم فرض اعتقادهم هذا على الآخرين، أو إظهاره للذين بسبب جهلهم وقصر نظرهم لا يرجون رحمة اللّه على هذا العبد الصالح ويزعمون أنّه من المستحيل أن يكون فضل اللّه قد شمله. بدلًا من ذلك، ينبغي لهم أن يؤكّدوا على اليقينيّات والمسلّمات الإسلاميّة المذكورة في كتاب «العودة إلى الإسلام» ويتجنّبوا التأكيد على القضايا الأخرى التي لم يرد ذكرها في هذا الكتاب القيّم؛ لأنّ تأكيدهم على مثل هذه القضايا الفرعيّة والهامشيّة، يلقي بظلالها على اليقينيّات والمسلّمات الإسلاميّة المذكورة في كتاب «العودة إلى الإسلام» ويثير أعداء كتاب اللّه وخليفته في الأرض ليزيدوا في عداوتهم مع هذا الداعي إليهما، ويتمكّنوا من تهييج العوامّ عليه ونشر الشكّ والخوف والتشاؤم والمقت بينهم تجاهه من خلال استغلال جهلهم وعواطفهم، ويشغلوهم عن الإلتفات إلى تعاليمه الصحيحة وأهدافه المقدّسة.

لا شكّ أنّ دعم هذا العالم الناطق بالحقّ واجب على كلّ مسلم بالنظر إلى دعوته النقيّة إلى الإسلام الخالص والكامل ومبادرته إلى التمهيد العمليّ لظهور المهديّ عليه السلام التي يمكن رؤيتها بالعين وسمعها بالأذن كحقيقة خارجيّة ومع ذلك، ليس من الضروريّ التأكيد على الجوانب الخفيّة والإستثنائيّة لشخصيّته، وإن كان من الممكن إثباتها بطرق عقليّة وشرعيّة معتبرة.

↑[١] . النّمل/ ٧٢
↑[٢] . الشّورى/ ١٥
↑[٣] . الأعراف/ ١٨٧
↑[٤] . الإسراء/ ٨٥
↑[٥] . الكهف/ ٢٢
↑[٦] . الأنعام/ ٧٦
↑[٧] . الصّافّات/ ٨٩-٩٠
↑[٨] . الأنبياء/ ٦٣
↑[٩] . يوسف/ ٧٠
↑[١٠] . يوسف/ ٨٩
↑[١١] . النّمل/ ٤١-٤٢