كاتب السؤال: أمير محمّد تاريخ السؤال: ١٤٣٦/٣/١٦

ما هو دور العلماء وواجبهم عند العلامة المنصور الهاشمي الخراساني؟ هل يعتقد أنّ علماء المسلمين ليس لهم أيّ دور أو واجب خاصّ بالنظر إلى أنّه لا يرى تقليدهم مجزيًا؟!

الاجابة على السؤال: ١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٦/٣/١٦

العلامة المنصور الهاشمي الخراساني هو نفسه واحد من علماء المسلمين، وبالتالي يرى لهم نفس الدّور الذي يراه لنفسه، وذلك هو التمهيد لإقامة الإسلام الخالص والكامل في العالم من خلال الإنشاء والحفظ لحكومة خليفة اللّه في الأرض على النحو الذي بيّنه في كتاب «العودة إلى الإسلام». لذلك، فإنّه يرى أنّ واجب علماء المسلمين هو الدعوة إلى خليفة اللّه في الأرض بدلًا من الدعوة إلى أنفسهم، والإنشاء والحفظ لحكومته بدلًا من الإنشاء والحفظ لحكومتهم؛ لأنّ ذلك أمر ممكن إذا استوفى المسلمون شروطه المسبّقة، وشروطه المسبّقة هي نفس الشروط المسبّقة لإنشاء الحكومات الأخرى وحفظها.

من هنا يعلم أنّ ما يدّعيه بعض علماء المسلمين في بلاد مثل إيران من الولاية المطلقة الشرعيّة باطل لا أصل له في العقل والشرع؛ لأنّ العقل والشرع لا يسمحان بالطاعة المطلقة من كلّ قيد وشرط لغير المعصوم، حتّى لو كان عالمًا عظيمًا، ولا يدعوان إلى حكومته بأيّ وجه من الوجوه، بل يدعوان فقطّ إلى حكومة من أذهب اللّه عنه الرّجس وطهّره تطهيرًا، وجعل حكومته ممكنة في كلّ زمان، وذلك لأنّه موجود في الأرض دائمًا، بمقتضى قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[١]، ووجوده في الأرض يستلزم إمكان حكومته إذا أرادها الناس وأعدّوا لها، فلا يصحّ القول بعدم إمكان حكومته في هذا الزمان حتّى يكون أساسًا لشرعيّة حكومة غيره فيه. بعبارة أخرى، إنّ عدم إمكان حكومته في هذا الزمان هو أمر عارضيّ قد نشأ من اهتمام الناس بالإنشاء والحفظ للحكومات الأخرى بدلًا من الإنشاء والحفظ لحكومته، وبالتالى يزول بزواله، ومن الواضح أنّه لا يمكن إزالته بالإنشاء والحفظ للحكومات الأخرى؛ لأنّها تستلزم الدّور والتناقض، وهما مستحيلان. ثمّ إنّ حكومة خليفة اللّه في الأرض لا تختلف عن الحكومات الأخرى من حيث أنّها حكومة، وبالتالي إذا كان إنشاء الحكومات الأخرى وحفظها ممكنين، فإنّ إنشاء حكومته وحفظها ممكنان أيضًا، وإذا كان إنشاء حكومته وحفظها ممكنين فلا داعي إلى إنشاء الحكومات الأخرى وحفظها. هذا يعني أنّه لا شرعيّة للحكومات الأخرى، مهما كانت أسماؤها وأهدافها، ولا بدّ لأصحابها من الإنسحاب من السلطة وتسليمها إلى خليفة اللّه في الأرض في زمانهم، وهو المهديّ الذي بشّر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا شكّ أنّهم إذا أظهروا اهتمامهم بذلك عن جدّيّة وصدق، وقدّموا إليه السلطة بغير ريبة، كما فعل الأنصار مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في العقبة الثانية، حين بايعوه على أن يمنعوه ممّا يمنعون منه أنفسهم وأهليهم[٢]، لا عن رياء وخدعة كما فعل المأمون العبّاسيّ مع عليّ بن موسى الرّضا، حين عرض عليه الخلافة مكرًا وامتحانًا[٣]، سيقبلها منهم ويقوم بأمرهم، كما فعل عليّ بن أبي طالب بعد مقتل عثمان، حين انثال عليه النّاس من كلّ جانب حتّى وُطئ الحسنان وشُقّ عطفاه[٤]، ثمّ يملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، كما وعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الأخبار المتواترة، لكنّ الواقع أنّه لم يوجد حتّى الآن في حكّام المسلمين أحد له اعتقاد واهتمام بهذا الأمر. إنّهم يرون الحكومة حقًّا أبديًّا لهم، ولا يدّخرون أيّ جهد في حفظ سلطتهم، ويعارضون كلّ من نازعهم فيها، وإن كان هو المهديّ! لذلك حتّى حكّام إيران الذين يظهرون التشيّع ويدّعون الإعتقاد بالمهديّ، قد وقفوا في وجه العلامة المنصور الهاشمي الخراساني الذي يدعوهم إلى حكومة المهديّ، ولا يكتمون بغضهم وعداوتهم له!

من أجل ذلك، يجب على علماء المسلمين أن يخرجوا من صفوف هؤلاء الحكّام وصفوف أعوانهم، ويدخلوا في صفوف الممهّدين لحكومة المهديّ، صابرين على ما ينالهم لذلك في الحياة الدنيا، ولا يكونوا كعلماء الأمم السابقة الذين ذمّهم اللّه في كتابه فقال: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[٥]، وقال: ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[٦]. بناء على هذا، فإنّ كلّ عالم يأمر المسلمين بمبايعة المهديّ وينهاهم عن مبايعة غيره، يؤدّي واجبه الإسلاميّ، ويجب على المسلمين إجابة دعوته ومساعدته على هذا العمل، وكلّ عالم لا يأمر المسلمين بمبايعة المهديّ ولا ينهاهم عن مبايعة غيره، لا يؤدّي واجبه الإسلاميّ، ويجب على المسلمين أن يحذروه؛ كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه بيّن ذلك فقال: «الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يُخَالِطُوا السُّلْطَانَ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا خَالَطُوا السُّلْطَانَ وَدَخَلُوا فِي الدُّنْيَا، فَقَدْ خَانُوا الرُّسُلَ، فَاعْتَزِلُوهُمْ وَاحْذَرُوهُمْ»، وفي رواية أخرى: «الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى دِينِكُمْ»[٧].

ثمّ يرى العلامة المنصور الهاشميّ الخراساني أنّ العلماء ليسوا مراجع المسلمين للتقليد، ولا يجوز اتّباع فتاويهم بغير علم بأدلّتهم؛ كما لا يجوز ذلك إذا كانت أدلّتهم غير مفيدة للعلم مثل خبر الواحد وادّعاء الإجماع. لذلك، يجب على المسلمين مطالبة العلماء بأدلّة فتاويهم، ويجب على العلماء أيضًا إخبارهم عن أدلّة فتاويهم تفصيلًا، بأن يقولوا مثلًا أنّ دليل فتوانا الفلانيّة هو الآية الفلانية، أو الحديث المتواتر الفلانيّ، أو السماع المباشر الفلانيّ من خليفة اللّه في الأرض إذا لم يكن ذلك متعذّرًا، وفي هذه الحالة يجوز للمسلمين اتّباع فتاويهم؛ لأنّ ذلك لا يعتبر تقليدهم، بل هو اتّباع أدلّتهم اليقينيّة، ويعتبر في الحقيقة اتّباع القرآن والسنّة. أمّا إذا لم يخبروا عن أدلّة فتاويهم تفصيلًا، أو كانت أدلّة فتاويهم غير مفيدة للعلم مثل خبر الواحد وادّعاء الإجماع، فلا يجزي العمل بفتاويهم، بل يجب الفحص عن الأدلّة اليقينيّة، ثمّ الإحتياط إذا أمكن ذلك، ثمّ التوقّف حتّى الوصول إلى خليفة اللّه في الأرض؛ كما جاء في رواية عن أهل البيت: «إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَرْجِهْ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ، فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الْإِقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَاتِ»[٨]، وبالطبع يجب التمهيد للوصول إلى خليفة اللّه في الأرض في أقرب وقت ممكن، كما يجب التمهيد للوصول إلى مسجد الحرام على من وجب عليه الحجّ، وهذه هي الحقيقة التي ينادي بها العلامة المنصور الهاشمي الخراساني بصوت عالٍ، لعلّ أصحاب الأذن الواعية في شرق الأرض وغربها يسمعونها ولعلّهم يرشدون.

↑[١] . البقرة/ ٣٠
↑[٢] . انظر: مغازي الواقدي، ج١، ص٤٨؛ سيرة ابن هشام، ج١، ص٤٤٢؛ مسند أحمد، ج٢٥، ص٩٢؛ أنساب الأشراف للبلاذري، ج١، ص٢٥٢؛ أخبار مكة للفاكهي، ج٤، ص٢٦؛ تاريخ الطبري، ج٢، ص٣٦٢؛ دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ص٣٠٦؛ دلائل النبوة للبيهقي، ج٢، ص٤٤٢.
↑[٣] . انظر: عيون أخبار الرضا لابن بابويه، ج٢، ص١٥٠.
↑[٤] . انظر: علل الشرائع لابن بابويه، ج١، ص١٥١؛ نهج البلاغة للشريف الرضي، ص٤٩؛ الإرشاد للمفيد، ج١، ص٢٨٩؛ الأمالي للطوسي، ص٣٧٣.
↑[٥] . المائدة/ ٦٣
↑[٦] . التّوبة/ ٩
↑[٧] . العلل لابن أبي حاتم، ج٥، ص١٨٦؛ الكافي للكليني، ج١، ص٤٦؛ دعائم الإسلام لابن حيّون، ج١، ص٨١؛ تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي، ص٤٣٣ و٥٢٤؛ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج٣، ص١٩٤؛ التعليقة للقاضي حسين، ج١، ص٨٠؛ إحياء علوم الدين للغزالي، ج١، ص٦٨؛ الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي، ج٣، ص٧٥؛ التدوين في أخبار قزوين للرافعي، ج٢، ص٤٤٥؛ المنتقى من مسموعات مرو للضياء المقدسي، ص٣٠٧.
↑[٨] . الكافي للكليني، ج٢، ص٦٨؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٣، ص١١؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٦، ص٣٠٣