كاتب السؤال: حبيب الرحمن باركزي تاريخ السؤال: ١٤٣٦/٣/١٠

هل المنصور الهاشمي الخراساني يقدّم العقل على الشرع، ويعتقد بأنّ علينا أن نتّبع العقل إذا تعارض مع الشرع؟

الاجابة على السؤال: ١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٦/٣/١٠

هذا سؤال شائع يأتي من الإعتقاد بأنّ العقل والشرع قد يتعارضان، وبالتالي قد يكون اتّباع أحدهما بمعنى عدم اتّباع الآخر، لكنّ هذا الإعتقاد باطل؛ لأنّ العقل والشرع حجّتان من عند اللّه تعالى، وحججه لا تتعارض مع بعضها البعض، وبالتالي لا معنى ولا حاجة لتقديم بعضها على بعض. نعم، العقل مقدّم على الشرع من حيث أنّ الشرع يُعرف بالعقل، وهذا تقدّم قهريّ يرجع إلى أنّ العقل حجّة داخليّة وأنّ الشرع حجّة خارجيّة، ولا يُدرك ما في الخارج إلّا بما في الداخل، ومن الواضح أنّ هذا التقدّم للعقل لا يستلزم تعارضه مع الشرع، ولكن يستلزم أن يُحكم على ما يتعارض معه بأنّه ليس من الشرع، وإن كان منسوبًا إليه؛ إذ من الواضح أنّه ليس من الشرع كلّ ما يُنسب إليه، ولمعرفة حقيقة الشرع لا بدّ من استخدام العقل؛ كما أنّ العقل لا يعرف حقيقة الشرع إلّا إذا كان سالمًا من الجهل والتقليد والأهواء والدنيويّة والتعصّب والتكبّر والخرافة، ولذلك ترى الكفّار والفسّاق يحسبون أوضح العقائد والأحكام الشرعيّة غير معقولة، مع أنّها معقولة تمامًا، ولكنّهم جاهلون بدليلها وحكمتها، أو يتّبعون أهواءهم النفسانيّة، أو ينظرون بعين التعصّب والتكبّر.

ثمّ هذا لا يعني أنّ العقل يعرف جميع الأحكام الشرعيّة رأسًا؛ لأنّ كثيرًا من الأحكام الشرعيّة، لا سيّما العبادات، هي مجرّد اعتبارات الشارع، ولا يمكن معرفة اعتبارات شخص إلّا بالسماع منه؛ لأنّ هناك أعمالًا كثيرة يجوز له اعتبارها، ولا مانع لشيء منها عقلًا؛ كما كان جائزًا للّه تعالى أن يعتبر صلاة الفجر ركعتين أو ثلاث ركعات أو أربع ركعات، ولم يكن لشيء من ذلك مانع عقليّ، ولذلك لا بدّ لمعرفة ركعات صلاة الفجر من الرجوع إلى رسوله ليخبر عنها. بناء على هذا، فإنّ العقل والشرع كلاهما ضروريّان، ولا غنى عن أيّ منهما، ولكلّ منهما دور في المعرفة، وهذا ما بيّنه السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتابه «العودة إلى الإسلام»، وفي كثير من أقواله الطيّبة؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: الْعَقْلُ مَاٰلُ الْمَعْرِفَةِ، وَكُلُّ مَعْرِفَةٍ لَا تَؤُولُ إِلَى الْعَقْلِ فَجَهْلٌ عَلَى جَهْلٍ، قُلْتُ: عِنْدَنَا قَوْمٌ يَتَبَرَّؤُونَ مِنَ الْعَقْلِ! قَالَ: وَهَلْ يَتَبَرَّءُ مِنَ الْعَقْلِ إِلَّا مَجْنُونٌ؟! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَاٰلُ الْمَعْرِفَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ! قَالَ: وَهَلْ يُعْرَفُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إِلَّا بِالْعَقْلِ؟! الْعَقْلُ أَصْلُ الْمَعْرِفَةِ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ سُوقُهَا، وَالْخُلَفَاءُ فِي الْأَرْضِ أَغْصَانُهَا، فَمَنْ تَرَكَ الْعَقْلَ فَقَدْ قَطَعَ أَصْلَ الْمَعْرِفَةِ، وَمَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَدْ قَطَعَ سُوقَهَا، وَمَنْ تَرَكَ الْخُلَفَاءَ فِي الْأَرْضِ فَقَدْ قَطَعَ أَغْصَانَهَا، وَكُلٌّ مَحْرُومُونَ مِنْ أُكُلِهَا وَثَمَرَتِهَا.[١]