الخميس ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٥ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم التأمين في الإسلام؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
العقل؛ معيار المعرفة

الإنسان حيوان ممتاز، ووجه امتيازه قوّة مكنونة في نفسه تجعله قادرًا على معرفة نفعه وضرّه أكثر من أيّ حيوان مكتشف آخر، ليزيد في بقائه بالحصول على نفعه، ويتوقّى من زواله بالإبتعاد عن ضرّه. هذه القوّة المكنونة هي «العقل». لا شكّ أنّ جسد الإنسان غير كافٍ لامتيازه عن الكائنات الأخرى؛ لأنّه بالنسبة إلى جسد كثير منها أشدّ ضعفًا وعرضة للإصابة، وليست له مزيّة بارزة وجديرة بالملاحظة. روحه، بمعنى قوّة غير معروفة تجعله يتحرّك وينمو جسديًّا، هي أيضًا مثل أرواح الحيوانات الأخرى، ولا يمكن أن تكون كافية لتفوّقه على الحيوانات الأخرى التي تتحرّك وتنمو جسديًّا مثله. الشيء الوحيد الذي يوجد في الإنسان ولا يوجد في الكائنات الأخرى، هو العقل الذي يقدر على فهم المفاهيم الكلّيّة وتطبيقها على المصاديق الجزئيّة، وبجهد يسمّى «التفكير» يهتدي ممّا يعرفه إلى ما لا يعرفه. ربّما كانت هذه القوّة موجودة في سائر الحيوانات أيضًا، لكنّها أكبر في الإنسان بلا شكّ، ولهذا قد سلّطته على سائر الحيوانات. لو كان هناك حيوان آخر يعقل أكثر ممّا يعقل الإنسان، لكان قد تسلّط على الإنسان واستخدمه لنفسه بلا شكّ، مع أنّ ذلك لم يحدث، وسلطة الإنسان على الحيوانات الأخرى مشهودة. هذا التوفّق للإنسان هو منحة عقله فقطّ، ولا يوجد له امتياز آخر. لذلك، فإنّ الإنسان الذي يفقد العقل أو لا يستخدمه بما فيه الكفاية، ليس له تفوّق على الحيوانات الأخرى، بل هو أدنى منها؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ. [العودة إلى الإسلام، ص٢٥ و٢٦]

العقل؛ معيار المعرفة

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون معيار معرفة الإنسان هو «العقل»؛ لأنّ العقل هو الآلة الوحيدة لمعرفة الإنسان، ولا توجد في نفسه قوّة مدركة سواه. بعبارة أخرى، ليس للعقل بديل في مستواه يمكنه أن يغني عنه، وهذا أمر محسوس ووجدانيّ. علاوة على ذلك، فإنّ معرفة الإنسان تتمّ عمليًّا بواسطة العقل، ولا تأثير لرضاه ولا كراهيته على هذا الواقع؛ لأنّ هذا الواقع هو الطبيعة الذاتيّة للإنسان وفطرة الرّبّ الحكيم، ومن ثمّ لا يمكن للإنسان تغييره. بناء على هذا، فإنّ العقل هو أصل مبادئ المعرفة وأوّلها، وكلّ معرفة لا تصير إلى العقل بشكل مباشر أو غير مباشر فلا معنى لها. المبادئ الأخرى، إن كانت موجودة، فإنّها تعود إلى العقل؛ لأنّها لا تُعرف إلّا بالعقل، ولا فعّاليّة لها إلّا للعقلاء؛ كما أنّ الشّرع، مع أنّه مفيد جدًّا، يُعرف بواسطة العقل ولم يخاطب إلّا العقلاء، وعلى سبيل المثال قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وقال: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ. [العودة إلى الإسلام، ص٢٦]

وحدة العقل

العقل جوهر فريد مشترك بين بني آدم، يمثّل مبدأ اختيارهم الفرديّ ومسؤوليّتهم الإجتماعيّة وحلقة تواصل بعضهم مع بعض، وبما أنّ له مصدرًا واحدًا فله إدراكات واحدة وليس بين أفراده اختلاف. مصدر العقل ربّ العالمين الذي هو عقل محض ورئيس للعقلاء ولا تنافي بين أفعاله. لذلك ترى العقلاء في جميع أنحاء العالم، بالرّغم من اختلاف عناصرهم ولغاتهم وثقافاتهم، يتّفقون على النظريّات التي تستند إلى العقل، ولا يختلف فيها اثنان منهم. على سبيل المثال، إنّهم جميعًا متّفقون على أنّ ما يدرك بالحاسّة موجود، والكلّ أكبر من الجزء، واجتماع النقيضين محال، والحادث يحتاج إلى محدث، والخبر المتواتر صحيح، والظّلم قبيح، والعدل حسن، وما شابه ذلك. هذا يعني أنّ العقل وجود واحد، ومن هذه الناحية يصلح لأن يكون معيار المعرفة، حتّى يتحوّل اختلاف العقلاء إلى الإتّفاق من خلال الإلتزام به. [العودة إلى الإسلام، ص٢٦ و٢٧]

مراتب العقل وإدراكاته

إنّ العقل ذو مراتب وأقدار مختلفة، لكنّ اختلاف مراتبه وأقداره لا يضرّ بوحدته على أنّه أساس المعرفة؛ كمثل النور الذي له قوّة وضعف، لكنّه في جميع مراتبه وأقداره يُعتبر أساس الرؤية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ العقل بمعنى قوّة الفكر والعلم، ولو أنّه في بعض الناس أكثر منه في بعض، هو موجود في جميع الناس بما فيه الكفاية، وهذا يكفي لوحدته كمعيار المعرفة؛ لأنّ اللّه العادل قد وهب لكلّ إنسان مكلّف حظًّا كافيًا من العقل، وزيادته في بعض فضل قد آتاهم، دون أن تكون ظلمًا للآخرين؛ كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. بالإضافة إلى أنّ عقل بعض النّاس يكمّل عقل بعضهم في عمليّة طبيعيّة ومتبادلة؛ لأنّهم يتعاملون بعضهم مع بعض، ومن خلال تبادل الآراء يخلقون عقلًا جماعيًّا يتدارك نقص العقل الفرديّ؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا. [العودة إلى الإسلام، ص٢٧ و٢٨]

مراتب العقل وإدراكاته

بالطبع ليست إدراكات العقل بسيطة، بل تختلف مراتبها في كلّ إنسان حسب مقدار العلم وموانعه فيه، وهي شاملة للوهم بمعنى الإحتمال المغلوب، والشكّ بمعنى الإحتمال المتساوي، والظنّ بمعنى الإحتمال الغالب، واليقين بمعنى عدم احتمال الخلاف. مع ذلك كلّه، بالرغم من أنّها جميعًا منبعثة من العقل، إلّا أنّ ما يعتبر معيار المعرفة هو اليقين فقطّ؛ لأنّ كلًّا من الوهم والشّكّ والظنّ يتعارض مع احتمال خلافه قليلًا أو كثيرًا، ومن ثمّ يحتاج بنفسه إلى معيار للمعرفة حتّى تُعرف به صحّة أحد الإحتمالين فيه، وذلك المعيار هو اليقين الذي ليس فيه احتمال خلاف، وبالتّالي فإنّ حجّيّته ذاتيّة وبديهيّة. من هنا يعلم أنّ أساس معرفة الإنسان هو اليقين فقطّ، وكلّ معرفة لا تؤول إلى اليقين فلا اعتبار لها؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، وهذا في حين أنّ الظنّ هو أقوى إدراكات الإنسان بعد اليقين، وسائر إدراكاته هي أضعف منه بمراتب، وبالتّالي ليست حجّة من باب أولى. [العودة إلى الإسلام، ص٢٨]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

تَحْتَرِقُ الدُّنْيَا فِي حَرِيقِ الْبَلَاءِ، وَهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ! يَقُولُونَ: مَا سَبَبُ هَذَا الْوَبَاءِ؟! وَهَذَا الْجَفَافِ وَالْحَرِّ الْقَاتِلِ؟! وَهَذِهِ السُّيُولِ وَالزَّلَازِلِ الْمُتَتَالِيَةِ؟! وَهَذَا الْفَقْرِ وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ؟! وَهَذَا الْخَوْفِ وَالْإِضْطِرَابِ الْعَامِّ؟! هَلْ هُوَ خَطَأُ إِنْسَانٍ، أَمْ مُؤَامَرَةٌ، أَمْ حَدَثٌ طَبِيعِيٌّ؟! هُوَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ! وَقَدْ تَسَبَّبَ عَنْ عَقَائِدِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ! أَحَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَكْفُرُوا، وَتُعْرِضُوا عَنِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَتَتَّخِذُوا حُكَّامًا مِنْ دُونِهِ، لَنْ يَنَالَكُمْ مَكْرُوهٌ؟! أَمْ حَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَظْلِمُوا، وَتَسْفِكُوا الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَأْكُلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَتَغْرِقُوا فِي أَكْلِ الرِّبَا وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَتَزِيدُوا ذَنْبًا عَلَى ذَنْبٍ، لَنْ تَكُونَ لَهُ تَبِعَةٌ؟! كَلَّا! ثُمَّ كَلَّا! بَلْ سَيُصْبِحُ كُفْرُكُمْ نَارًا تُحْرِقُكُمْ، وَذُنُوبُكُمْ إِعْصَارًا يُذْهِبُكُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فِي الْمَغَارَاتِ وَشُقُوقِ الصُّخُورِ وَالْمَنَاطِقِ النَّائِيَةِ! فَهَلْ تَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ، أَمْ تَحْسَبُونَهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟! كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، كَذَّبُوا بِإِنْذَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاتَّخَذُوهُ هُزُوًا، وَقَالُوا: ﴿مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَثَرٌ، وَبَقِيَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ خِرْبَةٌ يَسْكُنُهَا الْبُومُ وَالسَّبُعُ! لَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَرْقَهُ وَسَمِعُوا رَعْدَهُ عَلِمُوا أَنَّ إِنْذَارَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ حَقًّا، وَلَكِنْ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، إِذْ لَمْ تَكُنْ فُرْصَةٌ لِلتَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ. [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

اتَّقُوا اللَّهَ، وَلَا تَجَرَّؤُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَحْمِلُوا حِلْمَهُ عَلَى الْغَفْلَةِ أَوِ الْعَجْزِ أَوِ الرِّضَى، وَلَا تُسْخِطُوهُ بِالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ! أَتُرِيدُونَ أَنْ يُمْطِرَ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ حِجَارَةً، أَوْ نَارًا تُحْرِقُكُمْ؟! أَوْ يَزِيدَ الْحَرَّ حَتَّى تُطْبَخُوا، أَوِ الْقَرَّ حَتَّى تَجْمُدُوا؟! أَوْ يَرْفَعَ سُطُوحَ الْبِحَارَ حَتَّى تُغَطِّيَ مُدُنَكُمْ؟! أَوْ يُثِيرَ عَلَيْكُمُ الْغُبَارَ الْغَلِيظَ حَتَّى لَا تَسْتَطِيعُوا التَّنَفُّسَ؟! أَوْ يَبْلُغَ بِالْجَفَافِ مَبْلَغًا تَأْكُلُونَ فِيهِ الْكَلْبَ وَالسِّنَّوْرَ؟! أَوْ يَنْشُرَ بَيْنَكُمْ أَمْرَاضًا أَكْثَرَ فَتْكًا حَتَّى تَلْتَقِطُوا أَجْثَاثَكُمْ مِنْ كُلِّ مَعْبَرٍ؟! أَوْ يُسَلِّطَ عَلَيْكُمْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَتَّى يُذَبِّحُوا رِجَالَكُمْ وَيَسْتَرِقُّوا نِسَاءَكُمْ؟! أَوْ يُنْزِلَ عَلَيْكُمْ بَلَاءً آخَرَ أَنْتُمْ عَنْ تَصَوُّرِهِ عَاجِزُونَ؟! [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

قَاتَلَكُمُ اللَّهُ! كَأَنَّكُمْ قَدْ صَمِمْتُمْ، فَلَا تَسْمَعُونَ قَوْلِي! أَوْ سَكِرْتُمْ، فَلَا تَعْلَمُونَ مَا أَقُولُ! لِمَ لَا تَتَفَاعَلُونَ؟! أَفَأَمْوَاتٌ أَنْتُمْ؟! أَمْ أَصَابَتْكُمْ صَاعِقَةٌ، فَتَجَمَّدْتُمْ؟! مَاذَا فَعَلْتُمْ، فَتَعِبْتُمْ وَسَئِمْتُمْ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ؟! مَاذَا أَكَلْتُمْ، فَذَبُلْتُمْ وَأَصْبَحْتُمْ وَاهِنِينَ وَغَيْرَ مُبَالِينَ؟! مَعَ أَنَّ الْحُمُرَ تَأْكُلُ الْقَشَّ وَتَحْمِلُ الْأَثْقَالَ وَيَخْتَرِقُ صَوْتُهَا الْمَسَامِعَ! قَدْ أَشْعَلْتُمُ النَّارَ فِي الدُّنْيَا وَقَعَدْتُمْ تَنْظُرُونَ! قَدْ سَلَّطْتُمُ الظَّالِمِينَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَفْعَلُونَ بِكُمْ مَا يَشَاءُونَ، وَلَكِنْ لَا تُحَرِّكُونَ جَارِحَةً! إِنَّمَا تَتَأَوَّهُونَ وَتَتَذَمَّرُونَ فِي الْخَلَوَاتِ، كَأَنَّكُمْ بَنَاتٌ أَوْ عَجَائِزُ! أَلَا غَيْرَةَ لَكُمْ أَنْ أَدْخَلُوا صَوْلَجَ الظُّلْمِ فِي إِزَارِكُمْ، فَلَا تَقُولُونَ غَيْرَ «آخ»؟! لِمَاذَا تَرْضَوْنَ بِهَذِهِ الذِّلَّةِ، وَتَصْبِرُونَ عَلَى هَذَا الْحَرَجِ الْمُتَزَايِدِ؟! لِمَاذَا لَا تَأْخُذُونَ حَقَّكُمْ، وَلَا تُطْفِئُونَ الْفِتْنَةَ؟! لِمَاذَا لَا تُرَافِقُونَنِي حَتَّى نُطِيحَ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارَ، وَنُقِيمَ مَقَامَهُمْ مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ لِيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا؟! لِمَاذَا لَا تَنْصُرُونَنِي حَتَّى نَنْزِعَ زِمَامَ الْأَمْرِ مِنْهُمْ، وَنُسَلِّمَهُ إِلَى إِمَامٍ عَادِلٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؟! أَلَا تُحِبُّونَ الْعَدْلَ، وَلَا تَرْغَبُونَ فِي السَّعَادَةِ؟! وَالْعَدْلُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَجْمَلُ مِنَ الْأَضَالِيَةِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ! أَمْ تَخَافُونَ أَنْ يَأْخُذُوكُمْ أَوْ يَقْتُلُوكُمْ؟! وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنَ الْعَيْشِ فِي الذُّلِّ تَحْتَ ظِلَالِ الظَّالِمِينَ، إِنْ كُنْتُمْ تَتَفَكَّرُونَ! أَمْ تَنْظُرُونَ إِلَى عُلَمَائِكُمْ وَكُبَرَائِكُمُ الَّذِينَ قَدْ سَايَرُوهُمْ وَسَكَتُوا أَمَامَ ظُلْمِهِمْ؟! وَإِنَّمَا عُلَمَاؤُكُمْ وَكُبَرَاؤُكُمْ هَؤُلَاءِ حُفْنَةٌ مِنَ السَّفْلَةِ الْخَانَةِ، وَلَهُمْ قَبْوٌ فِي قَعْرِ الْجَحِيمِ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَشَرَوْا جَنَّةَ الْخُلْدِ بِصِيتٍ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ! أَمْ قَدْ يَئِسْتُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَظَنَنْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ؟! مَعَ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تَنْقَطِعُ، وَالْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَتِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ غَافِلُونَ! فَالْآنَ اسْمَعُوا نِدَائِي وَأَجِيبُوا دَعْوَتِي، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَكُمُ الْأَوَانُ، وَيَأْتِيَكُمْ يَوْمٌ أَتَى أَمْثَالَكُمْ مِنْ قَبْلُ، فَتُؤْخَذُوا مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ، كَمَا أُخِذُوا، وَتُقْذَفُوا فِي نَارٍ حَامِيَةٍ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَتُسَوِّدُ الْعَظْمَ، بَعْدَ مَوْتٍ مُرْعِبٍ وَقَبْرٍ مُظْلِمٍ فِيهِ ضَغْطٌ كَضَغْطِ الْمِكْبَسِ. [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه كتبها في بداية دعوته، فنبّه فيها على أنّه يُعرف بما يدعو إليه، لا باسمه وأوصافه.

اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي، وَلَا تَسْأَلُوا مَنْ أَنَا؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُعْرَفُ بِقَوْلِهِ، وَالْحَكِيمُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْلِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى قَائِلِهِ. كَمْ مِنْ صِدْقٍ يَقُولُهُ صَغِيرٌ، وَكَمْ مِنْ كَذِبٍ يَقُولُهُ الْكِبَارُ! الصِّدْقُ صِدْقٌ وَإِنْ قَالَهُ صَغِيرٌ، وَالْكَذِبُ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَهُ الْكِبَارُ. فَإِنْ تَعْرِفُوا قَوْلًا لَا يَضُرُّكُمُ الْجَهْلُ بِقَائِلِهِ، وَإِنْ تَجْهَلُوا قَوْلًا لَا تَنْفَعُكُمْ مَعْرِفَةُ قَائِلِهِ. فَاسْتَمِعُوا لِقَوْلِي حَتَّى تَعْرِفُونِي؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ، وَلَا يُعْرَفُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ. إِنَّكُمْ لَمْ تُؤْتَوُا الْأُذُنَ إِلَّا لِتَسْمَعُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَيْنَ إِلَّا لِتُبْصِرُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَقْلَ إِلَّا لِمَعْرِفَةِ مَا تَسْمَعُونَ وَتُبْصِرُونَ أَيُّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَأَيُّهُ كَذِبٌ. فَاسْمَعُوا قَوْلِي بِآذَانِكُمْ، ثُمَّ تَدَبَّرُوهُ بِعُقُولِكُمْ، لِتَقْبَلُوهُ إِنْ كَانَ صِدْقًا، وَتَرْفُضُوهُ إِنْ كَانَ كَذِبًا. أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ أَنْ لَا تَسْمَعُوا لِكَيْ لَا تَعْرِفُوا، وَلَا تَعْرِفُوا لِكَيْ تَخْسَرُوا، وَهَلِ الْخُسْرَانُ إِلَّا عَقِيبُ الْجَهْلِ؟! [الرسالة الأولى]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من حبّ الدّنيا.

إِنَّ عِبَادَ اللَّهِ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْقَوْلِ الطَّيِّبِ، وَأَهْلُ الْوَرَعِ وَالتَّعَفُّفِ؛ الَّذِينَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، وَقَرَّتْ فِي مَكَانِهَا بِرَجَائِهِ؛ الَّذِينَ جَفَّتْ شِفَاهُهُمْ مِنَ الذِّكْرِ الْكَثِيرِ، وَخَمُصَتْ بُطُونُهُمْ مِنَ الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ؛ الَّذِينَ تَخَلَّصَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْ فَخِّ الْهَوَى، وَعَلَا وُجُوهَهُمْ غُبَارُ الْخُشُوعِ؛ الَّذِينَ هَذَّبَ قُلُوبَهُمْ ذِكْرُ الْمَوْتِ، وَأَهَانَ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا ذِكْرُ الْآخِرَةِ؛ سَلَبَهُمُ النَّوْمَ هَمُّ التَّكَالِيفِ، وَمَنَعَهُمُ الْأَكْلَ غَمُّ الْحُقُوقِ؛ اسْتَأْنَسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ النَّاسُ، وَاسْتَوْحَشُوا مِمَّا اسْتَأْنَسَ بِهِ النَّاسُ؛ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ عَنْ قَرِيبٍ يَرْتَحِلُونَ إِلَى دِيَارٍ أُخْرَى، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَزَوَّدُوا لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ؛ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَمَامَهُمْ طَرِيقًا طَوِيلًا، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَخَطِّي عَقَبَاتٍ وَعْرَةٍ؛ طَرِيقًا لَمْ يَرْجِعْ سَالِكُوهُ أَبَدًا، وَعَقَبَاتٍ كَأَنَّهَا ابْتَلَعَتْ مُسَافِرِيهَا. آهٍ، مَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنَ الْغَدِ! فَإِنَّهُمْ يَبْكُونَ مِنْ فِكْرَةِ هَذِهِ الرِّحْلَةِ، وَيَسْتَعِدُّونَ لَهَا؛ كَأَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ أَنْفَاسَهُمُ الْأَخِيرَةَ، أَوْ كَأَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا! [الرسالة الثانية]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعَ الْمَنْصُورُ قَارِئًا يَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى، فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: اسْمَعُوا! اسْمَعُوا! إِنَّمَا خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا يَتَّبِعُ الْهَوَى، فَلَا يَغُرَّنَّكُمُ الَّذِينَ يَتَكَلَّفُونَ الْخِلَافَةَ وَهُمْ ظَالِمُونَ! ثُمَّ هَمَسَ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَعْدِمُ خَلِيفَةً مِثْلَ دَاوُودَ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَاوُودَ! [الفقرة ٦ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ لِي جَارًا عَلَّامَةً قَدْ حَفِظَ أَلْفَ حَدِيثٍ بِإِسْنَادِهِ، وَلَا تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَيُخْبِرُكَ بِهِ، وَيَعْلَمُ الْفِقْهَ وَاللُّغَةَ وَالتَّفْسِيرَ! فَقَالَ: أَيَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً؟! قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ مِنَ الْجَاهِلِينَ! [الفقرة ٧ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْمَنْصُورِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: يَا فُلَانُ! أَلَا تَرَى إِلَى هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبَيِّنِ الْخِلَافَةَ فِي الْقُرْآنِ؟! أَتَرَاهُمْ يَجْهَلُونَ أَمْ يَتَجَاهَلُونَ؟! قُلْتُ: لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَعَلَّهُمْ يَجْهَلُونَ، قَالَ: وَيْلَهُمْ، كَيْفَ يَجْهَلُونَ؟! وَقَدْ يَقْرَؤُونَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَيُرِيدُونَ قَوْلًا أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؟! أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ قَدْ أَخْلَفَ وَعْدَهُ فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ فِيهِمْ كَمَا اسْتَخْلَفَ فِي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟! قُلْتُ: وَمَنِ اسْتَخْلَفَ فِي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟ قَالَ: دَاوُودَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَلَا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي الْقُرْآنِ إِذْ يَقُولُ: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ؟! فَاسْتَخْلَفَهُ وَأَمْثَالَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ أَضَلُّ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَخْلَفَ فِيهِمْ كُلَّ مَنْ بَايَعُوهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْخِلَافَةِ! قَالَ: وَيْلَهُمْ، وَهَلْ بَايَعُوا بَعْدَ الْحَسَنِ [يعني الحسن بن عليّ بن أبي طالب] إِلَّا كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ؟! إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَعِدَهُمْ خَيْرًا ثُمَّ يُعْطِيَهُمْ شَرًّا، بَلْ يُنْجِزُ وَعْدَهُ وَيَسْتَخْلِفُ فِي كُلِّ قَرْنٍ رَجُلًا مِثْلَ دَاوُودَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ أَكْثَرُهُمْ إِيمَانًا وَعَمَلًا لِلصَّالِحَاتِ، فَهَلْ يَعْرِفُونَهُ لِيَخْتَارُوهُ؟! كَلَّا، بَلِ اللَّهُ يَعْرِفُهُ وَيَخْتَارُهُ، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ. [الفقرة ٨ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعَ الْمَنْصُورُ قَارِئًا يَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، فَقَالَ: يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يَتَدَبَّرُونَهُ، كَأَنَّهُمْ بَبَّغَاوَاتٌ نَاطِقَةٌ! أَنَّى لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا الدِّينَ كُلَّهُ وَلَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُمْ إِمَامٌ وَاحِدٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُعَلِّمُهُمْ كُلَّهُ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؟! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ يَكْفِيَانِهِمْ لِذَلِكَ، وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ، قَالَ: وَيْلَهُمْ، أَلَيْسَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ عَشَرَ قَرْنًا يَخُوضُونَ فِيهِمَا لَيْلًا وَنَهَارًا؟! فَمَا لَهُمْ لَا يُقِيمُونَ الدِّينَ كُلَّهُ وَهُمْ فِيهِ مُتَفَرِّقُونَ؟! فَهَلْ يَفْقِدُونَ إِلَّا إِمَامًا وَاحِدًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ كُلَّهُمَا وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؟! وَيْلَهُمْ، كَيْفَ يَقُولُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ كَافِيَانِ لِإِقَامَةِ الدِّينِ؟! وَمَا الدِّينُ إِلَّا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَكَيْفَ يَقُولُونَ أَنَّهُمَا كَافِيَانِ لِرَفْعِ الْخِلَافِ؟! وَمَا الْخِلَافُ إِلَّا فِيهِمَا! ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ؟! ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، وَمَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ! كَلَّا، بَلْ لَا يَزَالُونَ يُضَيِّعُونَ الدِّينَ وَيَتَفَرَّقُونَ فِيهِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُعَلِّمُهُمْ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ فِيهِمْ. [الفقرة ٩ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ حَبْلِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَقَالَ: مَا يَقُولُ هَؤُلَاءُ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّهُ الْقُرْآنُ، فَقَالَ: الْقُرْآنُ كِتَابُ اللَّهِ، وَكَانَ حَبْلُهُ النَّبِيَّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّقُوا مَا دَامَ النَّبِيُّ فِيهِمْ، فَلَمَّا مَاتَ تَفَرَّقُوا وَالْقُرْآنُ فِيهِمْ؟! فَكَانَ حَبْلُ اللَّهِ النَّبِيَّ مَا دَامَ فِيهِمْ، فَلَمَّا مَاتَ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُبَيِّنُ لَهُمْ سُنَّتَهُ كَامِلَةً، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ حَبْلَ اللَّهِ خَلِيفَتُهُ فِي الْأَرْضِ، فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ لَنْ تَتَفَرَّقُوا، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَنْ تَجْتَمِعُوا! أَلَا وَاللَّهِ قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ بَيَانًا شَافِيًا، فَلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ! [الفقرة ١٠ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ فِي غَيْبَتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ وَيُنَفِّذَ الْأَحْكَامَ وَيُجَاهِدَ الْأَعْدَاءَ وَلَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ عَجَزَ عَنْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيهِ وَلَا يُوَفِّقُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ شَيْئًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَمَا أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا جَعَلَ لَهُمْ طَرِيقًا إِلَى عِبَادَتِهِ. فَإِنْ تَرَكُوا عِبَادَتَهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا، فَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةً؛ كَمَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَقَالَ: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنْ جَعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَقَتَلُوهُ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا حَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوهُ إِذَا تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَلَكِنَّهُمْ إِنْ قَتَلُوهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُحْيُوهُ وَالْإِمَامُ إِذَا كَانَ مُخْتَفِيًا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ بِدُعَائِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَاتِّصَالِهِ بِبَعْضِ الصَّالِحِينَ وَرُبَمَا يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ دُونِ أَنْ يَعْرِفُوهُ وَلَكِنَّهُ إِنْ مَاتَ لَا يَسْتَطِيعُ شَيْئًا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ فِي عَدْلِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ أَنْ يُخْفِيَ الْإِمَامَ إِذَا عَلِمَ مِنْ عِبَادِهِ الشَّرَّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمِيتَهُ مِنْ دُونِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ بَدِيلًا. [الباب ١، الدرس ٧٩]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: زَعَمَ بَعْضُ الْكَارِهِينَ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ هُمْ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُوَافِقُ الْعَقْلَ، كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ [ت٤٩٥ه‍] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَالْمَوْضُوعُ حَدِيثٌ صَحَّحُوهُ لِيُعَارِضُوا بِهِ الْحَقَّ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»، وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُخَالِفُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِـ«مَا يُوعَدُونَ» الْعَذَابَ أَوِ السَّاعَةَ فَلَمْ يَأْتِيَا أُمَّتَهُ إِذْ ذَهَبَ أَصْحَابُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْتِلَافَ فَقَدْ أَتَاهُمْ وَأَصْحَابُهُ فِيهِمْ، بَلْ أَصْحَابُهُ أَسَّسُوا بُنْيَانَهُ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يَقُلْهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ يُبْغِضُ عَلِيًّا وَيُوَالِي أَعْدَاءَهُ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَى حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرٍ مِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، وَالظَّنُّ أَنَّهُ حَرَّفَ الْحَدِيثَ بُغْضًا لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْجَاهِلُ مَنْ أَمِنَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. [الباب ١، الدرس ٨٢]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

دروس السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى غايتها تزكية الناس وتعليمهم الكتاب والحكمة، وأساسها ومحورها القرآن والسنّة، وموضوعها العقائد والأحكام والأخلاق الإسلاميّة، وقد اخترنا منها ما يتعلّق بأهمّ القضايا وأشدّها ابتلاءً في زماننا، ورتّبناها بما يسهّل على القارئ المراجعة والمطالعة، وعلّقنا عليها بذكر المصادر وشيء من التوضيح عند الإقتضاء. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

كلّ درس يتعلّق بقضيّة عقائديّة أو فقهيّة أو أخلاقيّة، ويتألّف من ثلاثة أبواب:

• الباب الأوّل بيان ما نزل في القرآن ممّا يتعلّق بالقضيّة، وفيه تفاسير قيّمة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى استخرجناها من أقواله الطيّبة، تبيّن معاني الآيات بما يشفي الصدور ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.

• الباب الثاني بيان ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه نكات دقيقة وتوضيحات مفيدة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى، تبيّن معاني الأحاديث وحال الرواة وأقوال العلماء.

• الباب الثالث بيان ما صحّ عن أهل البيت ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه مثل ما في الباب الثاني. [المقدّمة]

لا خلاف بين المسلمين في أنّ الإمام المهديّ عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام وذلك لما صحّ عندهم عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ» ولكنّهم اختلفوا في أنّه حسنيّ أو حسينيّ. فقال الجمهور أنّه حسنيّ لما رواه أبو داود... لكنّه منقطع؛ لأنّ أبا داود قال: «حدّثت» بصيغة المجهول ولم يبيّن من حدّثه واحتمل المنصور حفظه اللّه تعالى وقوع التصحيف فيه فقال: «لكنّه تصحيف على الأرجح؛ كما يوجد اختلاف في نسخه، وفي بعضها <الحسين>»، وعليه فلا تقوم به حجّة وقال الإماميّة أنّه حسينيّ لما رووا عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام وفي أخبار الجمهور ما يؤيّده؛ كما رواه داود بن عبد اللّه الجعفري، عن الدراوردي، عن ابن أخي الزهري، قال: تجالسنا بالمدينة أنا وعبد اللّه بن حسن فتذاكرنا المهديّ، فقال عبد اللّه بن حسن: المهديّ من ولد الحسن بن علي، فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك، وقال النجاشي (ت٤٥٠ه‍) في ترجمة أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني نزيل مصر: «ذكر أصحابنا أنه وقع إليهم من كتبه كتاب كبير في ذكر من روى من طرق أصحاب الحديث أنّ المهديّ من ولد الحسين عليه السلام»، وهذا ما اختاره المنصور حفظه اللّه تعالى... ثمّ حاول الجمع بين الروايتين فقال: «... يمكن اعتبار المهديّ حسينيًّا من جهة الأب وحسنيًّا من جهة الأمّ، وبهذه الطريقة يُجمع بين الأخبار والأقوال»، ويؤيّده ما رواه الطبراني، ... عن علي بن علي المكي الهلالي، عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذكر الحسن والحسين في شكاته التي قبض فيها فقال: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ مِنْهُمَا مَهْدِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ». [السؤال والجواب ٣٧٤]

حقيقة الأنساب معلومة للّه فقطّ، ولا يمكن العلم بها إلا من طريق الوحي، ولكن ليس من الواجب العلم بها، بل الملاك هو الظاهر المشهور، ولا يجوز إساءة الظنّ بالظاهر المشهور من أنساب الناس ما لم يكن هناك دليل أو شاهد على خلافه، ولا يجوز التجسّس. هذا بالنسبة إلى الأحكام، مثل الخمس والزكاة والميراث؛ لتعذّر العلم فيها، ولزوم الحرج بالنظر إلى كثرة مصاديقها، وخفّة الضرر المترتّب عن الخطأ فيها، وأمّا بالنسبة إلى العقائد مثل النبوّة والإمامة والخلافة وغيرها من المناصب الإلهيّة فلا يكفي الظاهر المشهور من الأنساب؛ لأنّه أمر ظنّيّ، والمطلوب في العقائد العلم؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، ...، وعليه فلا يجوز تصديق من يدّعي نبوّة أو إمامة أو خلافة أو غيرها من المناصب الإلهيّة استنادًا إلى الظاهر المشهور من نسبه؛ كما لا يجوز تكذيبه استنادًا إلى ذلك؛ لأنّ ذلك أمر ظنّيّ، ولا يجوز في العقائد التعويل على الأمور الظنّيّة، والمعوّل فيها على ما يفيد اليقين كآية من اللّه أو نصّ من خليفته... الحاصل أنّ العلم بحقيقة الأنساب عند اللّه وخليفته، لكنّه غير ضروريّ فيما يرجع إلى الأحكام، بل يكفي فيها الإطمئنان العقلائيّ المستند إلى الإستفاضة أو شجرة النسب، وأمّا فيما يرجع إلى العقائد فلا بدّ من العلم بحقيقة الأنساب، وهو يحصل بآية من اللّه أو نصّ من خليفته، ولا يحصل بالإستفاضة أو شجرة النسب، فضلًا عن مجرّد الإدّعاء، وهذا مراد السيّد المنصور بقوله الذي أخبرنا به بعض أصحابنا، قال: «قُلْتُ لَهُ: إِذَا جَاءَنِي رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ بِمَاذَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ عِتْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ؟! فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَتُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ الْقَفَا؟! لَا تَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ! ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ إِذَا جَاءَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، مَعَهُ آيَةٌ مِنَ اللَّهِ وَآيَةٌ مِنْ رَسُولِهِ». [السؤال والجواب ٧٤]

وأمّا ولادة الإمام المهديّ ففيها خلاف مشهور بين المسلمين؛ إذ قال الجمهور أنّه لم يولد بعد وقال الإماميّة أنّه ولد في سنة مائتين وخمسة وخمسين للهجرة وهو ابن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ووافقهم على ذلك جماعة منهم... سبط بن الجوزي الحنبلي...، وعبد الوهاب الشعراني...، وحكاه عن ابن عربيّ... واستدلّوا على ذلك بما رووا عن أئمّة أهل البيت وبأنّه الخلف الثاني عشر منهم وقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، وردّ عليهم الجمهور بأنّ والد الإمام المهديّ اسمه عبد اللّه؛ لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي» ولو كان ابن الحسن هو الإمام المهديّ للزم أن يكون عمره أطول من عمر نوح عليه السلام وأجاب الإماميّة بأنّ كثيرًا من الروايات خالية من اسم أبيه وهذا ما يوهن بنيانه وليس طول العمر ممّا يدفعه العقل أو الشرع وقد روى الجمهور أنّ الدّجّال حيّ يعيش في جزيرة من جزائر البحر منذ زمن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهذا يعني أنّ عمره أطول من عمر نوح عليه السلام وقد كره المنصور حفظه اللّه تعالى الخوض في هذا الموضوع ولم يتعرّض له في كتاب «العودة إلى الإسلام»؛ لأنّ المهمّ عنده التمهيد لظهور الإمام المهديّ وذلك غير متوقّف على الإعتقاد بوجوده في الوقت الحاضر؛ لأنّه لو كان غير موجود لوُجد بعد التمهيد لظهوره بفضل اللّه وحكمته. نعم، قال في بعض دروسه أنّ الإحتياط يقتضي الإكتفاء بما ورد في جميع الروايات وأجمع عليه المسلمون وهو اسم الإمام المهديّ؛ لأنّه القدر المتيقّن وقال بأنّ الإمام المهديّ موجود في الوقت الحاضر، سواء كان اسم أبيه الحسن أو عبد اللّه. [السؤال والجواب ٣٧٤]

إنّ دأب القرآن هو تبيين الأصول والقواعد؛ لأنّه بمثابة الدستور في الإصطلاح المعاصر وقد فوّض تبيين الفروع والتفاصيل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ولذلك أمر بالصلاة ولم يبيّن عدد ركعاتها وترتيب أعمالها حتّى بيّنهما النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ثمّ أمر بالزكاة ولم يبيّن متعلّقاتها ونُصُبها حتّى بيّنهما النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ثمّ أمر بالحجّ ولم يبيّن كثيرًا من تفاصيله حتّى بيّنها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ... ثمّ قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ وقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وقال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ولم يبيّن من هم حتّى بيّن ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال: ...«يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَخُلُقُهُ خُلُقِي، يَمْلَأُهَا عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا» وقال: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ، يَسْقِيهِ اللَّهُ الْغَيْثَ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطِي الْمَالَ صِحَاحًا، وَتَكْثُرُ الْمَاشِيَةُ، وَتَعْظُمُ الْأُمَّةُ» وقال: «أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي، عَلَى اخْتِلَافٍ مِنَ النَّاسِ، وَزَلَازِلَ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، وَيَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ، وَيَمْلَأُ اللَّهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ غِنًى، فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ...» وهذه أخبار متواترة روى مضامينها أكثر من أربعين صحابيًّا... وصرّح بصحّتها وتواترها كثير من أئمّة الحديث... ولذلك لا يشكّ في صدورها عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلا من انسلخ عن العلم وارتطم في الوهم والوسوسة. [السؤال والجواب ٤١٨]

يوجد إشارات كثيرة إلى الإمام المهديّ عليه السلام وعصر حكومته في التوراة والإنجيل وليس ذلك بعجيب؛ لأنّ اللّه تعالى أنزلهما كما أنزل القرآن وفيهما كلامه وإن وقع فيهما بعض التحريفات من قبل الكاتبين والمترجمين والمفسّرين ونحن نقوم بسرد بعض إشاراتهما فيما يلي: جاء في كتاب إِشَعْياء: «يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ، وَيُعْطَى لَنَا ابْنٌ، تَكُونُ السُّلْطَةُ فِي يَدِهِ، وَيُدْعَى مُشِيرًا عَجِيبًا، رَبًّا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلَامِ؛ تَمْتَدُّ سُلْطَتُهُ وَسَلَامُهُ بِلَا نِهَايَةٍ، عَلَى عَرْشِ دَاوُدَ وَمَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَسْنُدَهَا بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ، مِنَ الْآنَ إِلَى الْأَبَدِ. غِيرَةُ اللَّهِ الْقَدِيرِ تَصْنَعُ هَذَا» ... «إِنَّ الظَّالِمَ يَبِيدُ، وَيَنْتَهِي الْخَرَابُ، وَيَفْنَى عَنِ الْأَرْضِ الدَّائِسُونَ. فَيُثَبَّتُ الْكُرْسِيُّ بِالرَّحْمَةِ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ حَاكِمٌ، وَيَطْلُبُ الْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِالْعَدْلِ». [السؤال والجواب ٤٢١]

الحديث المعروف بين أهل الحديث بـ«حديث الرايات»، هو أقدم وأشهر وأصحّ ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه وأهل بيته في باب علامات ظهور المهديّ عليه السلام، بحيث أنّه كان مصدر إلهام لكثير من الثورات في تاريخ الإسلام، كثورة عبد الرحمن بن الأشعث (ت٨٥هـ) ضدّ عبد الملك بن مروان، وثورة حارث بن سريج (ت١٢٨هـ) ضدّ نصر بن سيّار، وثورة أبي مسلم الخراسانيّ (ت١٣٧هـ) ضدّ بني أميّة، وانعكس في كتب جميع المذاهب الإسلاميّة... كما روى كثير منهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظر يومًا إلى فتية من بني هاشم، فتغيّر لونه واغرورقت عيناه، فقيل: يا رسول اللّه، لا نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه، فقال: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ لَنَا اللَّهُ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا، حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ -أَوْ قَالَ: مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ- مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ يَسْأَلُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ أَعْقَابِكُمْ، فَلْيَأْتِهِمْ وَلْيُبَايِعْهُمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهَا رَايَاتُ هُدًى، يَدْفَعُونَهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا»، وهذا حديث صحيح الإسناد؛ لأنّ رواته من الرجال المشهورين والمرضيّين بين المسلمين... بل الحقّ أنّ هذا الحديث بالغ مبلغ التواتر... والحقّ أنّه لا يوجد في هذا الباب حديث آخر له مثل هذه القدمة والشهرة والأسناد والتأثيرات التاريخيّة. [الشبهة والرّدّ ٢٣]

وفقًا لهذا الحديث [حديث الرايات]، يجب على كلّ مسلم اللحوق بنهضة تظهر في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، وهي نهضة يعتقد كثير من أهل العلم أنّها نهضة المنصور الهاشمي الخراساني؛ لأنّ نهضة هذا العالم الصالح الجليل قد ظهرت في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، ولم تظهر قبلها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة، ولو ظهرت بعدها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة فرضًا ستكون لا محالة تابعة ومواصلة لها؛ لأنّها ستفعل ما بدأته من قبل، ولا معنى لإعادة بدئه كما هو واضح، وعليه فلا يمكن ظهور نهضة أخرى في هذه المنطقة بهذه الصفة إلا أن تكون تابعة لنهضة المنصور، ولا شكّ أنّ اللحوق بالمتبوع أولى من اللحوق بالتابع، بل ليس من المعقول أن لا يأمر اللّه بلحوق المتبوع ثمّ يأمر بلحوق التابع؛ كما قال: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ... لذلك، يعتقد المتعقّلون من أهل العلم أنّه لو لم تكن نهضة المنصور الظاهرة في هذه المنطقة للدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره تأويل هذا الحديث، فلن تكون أيّ نهضة بعدها تأويل هذا الحديث؛ لأنّ كلّ نهضة ظهرت بعدها في هذه المنطقة لن تخلو من إحدى الحالتين: إمّا ستكون مثلها داعية إلى المهديّ وممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث مثلها، أو ستكون غير داعية إلى المهديّ وغير ممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث من باب أولى؛ لأنّ هذا الحديث قد جعل الدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره أهمّ صفة تأويله، فإذا لم تكن النهضة التي تدعو إلى المهديّ وتمهّد لظهوره تأويله، فكيف تكون النهضة التي لا تدعو إلى المهديّ ولا تمهّد لظهوره تأويله؟! [الشبهة والرّدّ ٢٣]

لا يُحكم على قائل نظرًا إلى اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة، ولكن يُحكم عليه نظرًا إلى ما يقول. فإن كان ما يقول موافقًا للعقل والشّرع فهو صادق يجب تصديقه وكذلك نصره إن احتاج إلى نصر، بغضّ النظر عن اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ... وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وإن كان ما يقول مخالفًا للعقل والشّرع فهو كاذب يجب تكذيبه وكذلك نهيه ومنعه، بغضّ النظر عن اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ... وقوله تعالى: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ومن الواضح أنّ ما يقول السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ليس به خفاء؛ لأنّ كتبه ورسائله وأقواله ودروسه وما يتعلّق بها من الأسئلة والأجوبة والشبهات والردود والمقالات والملاحظات منشورة في موقعه الإعلاميّ، ويمكن لكلّ عاقل أن ينظر فيها حتّى تتبيّن له موافقة ما يقول للعقل والشّرع. فمن توقّف في الحكم عليه بعدها لعدم الإطّلاع على اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة، فلا يخلو من إحدى الخصلتين: إمّا سفيه يحكم على الرّجال بالنظر إلى أوصافهم الشخصيّة الظاهريّة، فإن استحسنها مال إليهم، وإن لم يستحسنها أعرض عنهم، وكفى بذلك سفاهة، أو عدوّ لهذا العبد الصالح يتجسّسه ابتغاء السوء والفتنة، ويستطلع أوصافه الشخصيّة التي تمكّنه من الوصول إليه ليقتله أو يأخذه، من فرط بغضه وبغض ما يقول، ومن الواضح أنّه لا وجه لإعانته على ما يريد في أيّ من الحالتين؛ لأنّها إعانة على الإثم والعدوان، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. [الشبهة والرّدّ ٢٤]

لا يخفى على ذي علم شرعيّة التقيّة في الإسلام لقول اللّه تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً، وقوله: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وقوله في رجل مؤمن من آل فرعون ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وذلك من فروع قوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فمن زعم أنّ التقيّة والكتمان لا وجه لهما ولا يحلّان مشكلة، فقد ناقض اللّه في قوله وادّعى أنّه شرع باطلًا! لا شكّ أنّ التقيّة والكتمان مشروعان نافعان للمؤمن المحسن الذي يخاف على دينه أو نفسه من الظالمين، والسيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى هو مثال كامل لهذا المؤمن، بل لا نعرف اليوم مؤمنًا أولى منه بالتقيّة والكتمان؛ لأنّه يدعو الناس إلى ترك طاعة كلّ حاكم أو إمام أو شيخ غير خليفة اللّه في الأرض، ولذلك يبغضه أتباع جميع الحكّام والأئمّة والشيوخ في العالم، ويتظاهرون عليه بكلّ ما في وسعهم، ولا يرتاحون حتّى يأخذوه أو يقتلوه، ولذلك لم يبق له خيار إلّا العمل سرًّا. [الشبهة والرّدّ ٢٤]

من كان يريد معرفة المزيد عن سيرة هذا العبد الصالح وسلوكه وأوصافه فله طريق واحد فقطّ، وهو أن يلحق بأصحابه على بصيرة وإخلاص، ثمّ يصبر نفسه معهم ناصحًا مناصرًا، حتّى تتبيّن لهم أهليّته، فيدخلوه عليه، أو يخبروه بالمزيد عن سيرته وسلوكه وأوصافه. غنيّ عن القول أنّه ليس في جزيرة من جزائر البحر أو مغارة من مغارات الجبل، بل هو يعيش في الناس، ويعاشرهم بالمعروف، ويعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم، ويدخل مجالسهم، ويمشي في أسواقهم، ويصلّي في مساجدهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، إلا أنّهم لا يعرفونه حقّ معرفته، وليسوا على علم بحركته العالميّة، وإنّما هو عندهم رجل غريب له علم وصلاح، وأعرفهم به من يعتبره عالمًا صالحًا معتزلًا عن الدّنيا وأهلها له مجالس درس يعلّم فيها القرآن والسنّة والأخلاق الحسنة، وهو مع ذلك كثير التنقّل في الأرض لكي لا تطول إقامته في مكان فيُعرف، وذلك لأنّ له هيبة وجلالة وفضيلة ظاهرة لا تكاد تخفى على أحد، بحيث أنّه كلّما خرج على الناس مدّوا إليه الأعناق وأشاروا إليه بالأصابع لما يجدون في سيمائه من أمارات الطهارة والكمال، وهو يكره ذلك لفراره من الشهرة. هو كنز مخفيّ يظهره اللّه لمن يشاء، وما التوفيق إلّا باللّه، ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [الشبهة والرّدّ ٢٤]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

إنّ المسلمين تجاهلوا اللّه ولم يضعوا إرادته ومشيئته في هذا الأمر في الحسبان وتخلّفوا عن الطريقة التي وضعها لهم للوصول إلى هذا الهدف السامي. لقد نسي المسلمون أنّ إذن اللّه وأمره هو أصل واُسّ الخلق وحجر أساس خلقة هذا العالم وكلّ الأُمور والمعادلات والحسابات لا تجري إلّا بمشيئته وإرادته ومن دونها لا تتحرّك حصاة على الأرض. لقد نسي المسلمون أنّ اللّه عيّن سبيلًا وطريقة لتحقيق وعوده ولتحصيلها جعل الإلتزام بهذا السبيل والطريقة ضروريًا. غفل مسلمو العالم عن هذه الحقيقة العظيمة أنّ اللّه تعالى جعل الولاية والبيعة لنفسه فقطّ ونهاهم عن اتّخاذ شريك له فيها وجعل الإشراك فيها مصداقًا للشرك باللّه. حقًّا، كيف لهم أن يصلوا إلى مثل هذا الهدف المقدّس بالشرك باللّه وبمخالفة أمره؟! لا شكّ أنّ اللّه المتعال هو الحاكم الحقيقي والمالك الأصلي لهذا العالم والحكم عليه يليق به حصرًا. لذلك فإنّ تحقّق حكومة العدل العالمية تتيسّر بالطريقة التي يريدها هو فقطّ والحاكم الذي اختاره للناس هو الوحيد الذي يقدر على إقامة العدل لا أحد آخر. هذه حقيقة قد أغفلت ونسيت تمامًا بالرغم من وضوحها وحقانيّتها وبالطبع فإنّ هذا النسيان غريب جدًّا؛ إذ أنّ جميع المسلمين متّفقون على أنّ القائم بالحقّ ومقيم العدل على الأرض والشخص الوحيد الذي أخبر اللّه بخروجه وقيامه بالحقّ والعدل وانتصاره النهائي، بحسب الأخبار المتواترة هو مهديّ آل محمد؛ «الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملأت ظلمًا وجورًا» ولا يوجد هكذا اتّفاق حول شخص آخر. هذا يعني أنّه هو الحاكم الوحيد المشروع والمرضيّ للّه في هذا الزمان وحاليًا الشخص الوحيد الذي يجوز لمسلمي العالم بل يجب عليهم مبايعته، هو المهديّ وكلّ بيعة مع غيره، هي عصيان لأمر اللّه، وبالتالي اتّباع الشيطان وبتعبير القرآن يعدّ التحاكم إلى الطاغوت وهذا يدلّ على غاية أهمية ومحورية مبايعة المهديّ في التعاليم الإسلامية. [المقالة ٤]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

إنّ مبايعة المهديّ هي بديل مبايعة ظلمة وطواغيت العالم، وبالتالي ستكون السبب في تضعيف قواهم وسقوط حاكميّتهم ومن جهة أخرى يضمن وحدة مسلمي العالم واجتماعهم تحت راية واحدة؛ لأنّه يبدو أنّ اختلاف وتفرّق الأمة ناشئ من الحكومات المختلفة وتحزّب المسلمين هو معلول اتّباعهم للحكّام والقوى السياسية المتفرّقة ومن الطبيعيّ أنّ كلّ فرقة ومجموعة وقوم من المسلمين تتبع زعيمها، وأنّ زعماء العالم الإسلامي كلّ يدعو إلى نفسه ونسي المهدي؛ لأنّهم إمّا أن يكونوا متجاهلين له بالأساس وعاجزين عن ذكر اسمه أو أنّهم يبلّغون أنّ ظهور المهديّ بعيد جدًّا ولا يُعلم في أيّ زمان سيحدث. كذلك يواجه زعماء العالم الإسلامي المهديّ علموا أم جهلوا ويمنعون الرأي العامّ من التأمّل حوله. في مثل هذه الظروف، لو تصوّرنا أنّ نداء الدّعوة للمهديّ والإلتحاق به والإنسلاخ عن غيره يصل إلى جميع المسلمين في العالم ويترك جميعهم الحكّام الذين انتخبوهم من دون إذن اللّه ويهرعون إلى المهديّ، ماذا سيحصل؟ حقًا مع انطلاق نهضة الحماية والطاعة للمهديّ وارتفاع شعار عودة المسلمين إليه، ماذا سيحدث في المنطقة والعالم؟ [المقالة ٤]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

الظاهر أنّ أول نتيجة مباركة لهكذا حركة توعوية، هي اتّحاد المسلمين في صفّ واحد وتحت بيرق واحد وتعاونهم وتوافقهم في ظلّ مبايعة خليفة اللّه وهذه أول خطوة في طريق تحقّق غايتنا الإسلامية العالية يعني تحقّق حاكميّة المهديّ عليه السلام؛ لأنّه لا ريب أنّ الإتّحاد الحقيقي والتكاتف العميق بين صفوف المسلمين، هو مقدّمة للثورة العالمية المهدوية. باعتقادنا أنّ هكذا نهضة إسلامية مباركة جعلت غايتها اتّحاد جميع المسلمين تحت بيرق المهديّ قد بدأت ونادت بنداء «العودة إلى الإسلام». إنّ قيادة هذه النهضة هي على عاتق العالم الحاذق والمناضل، سماحة العلامة المنصور الهاشمي الخراساني الذي بشجاعة خارقة ومدهشة، وضع كلمة «البيعة للّه» شعارًا لنهضته ويعتقد أنّ المصداق الوحيد للبيعة مع اللّه في عصرنا هو البيعة مع خليفة اللّه المهديّ من آل محمّد وكلّ بيعة أخرى في هذا الزمان، تعدّ مصداقًا لمبايعة الطاغوت. إذن «البيعة للّه» هي بمعنى انحصار الحكومة والقدرة في من اختاره اللّه كخليفة له وذلك ليس سوى المهديّ. هذا الذي بيده راية الإسلام الخالص والكامل، بتقديمه لهكذا قرائة أصيلة ومعتبرة، يعتقد أنّ المهديّ هو عمود خيمة الإسلام وإذا لم يثبَّت هذا العمود في الأرض، لن تقوم خيمة الإسلام. لذا فإنّ وظيفة كلّ فرد من مسلمي العالم، الحماية الكاملة والصادقة للمهديّ والنصرة والعون والطاعة له. لذلك يمكننا تسمية نهضة هذا العالم الكبير نهضة «العودة إلى الإسلام» أو نهضة العودة إلى المهديّ؛ لأنّه هو الركن الركين والمقيم الموعود للإسلام وأنّ العودة إليه في الحقيقة هي العودة إلى الإسلام الحقيقي. [المقالة ٤]

سيطرة المنافقين على العالم الإسلامي
مجتبى المزروعي

لقد وصل عناصر النفاق إلى السلطة في البلدان الإسلامية، وحكموا المسلمين؛ الحكام الذين يبدو أنهم مسلمون، لكنّ ولائهم وانقيادهم للكفار أو ضدّيتهم وعداءهم للتيارات الإسلامية يحكي عن كفرهم في الباطن. مجموعة منهم بشعارات سنّيّة ينشرون التفكير المنحط الأمويّ والعباسيّ في الكثير من الممالك الإسلامية وبإشاعة الإفراط وبالحماية السياسية والتسليحية للعصابات الإرهابية، يستهدفون نفوس وأموال المسلمين الأبرياء وفريق منهم بشعارات شيعيّة ينشرون الخرافات والبدع المذهبية في الدّول الإسلامية ويوجبون وهن الإسلام والإختلاف بين المسلمين، والعجيب أنهما اتّفقا على العداء لأطهر دعوة هذا العصر إلى إقامة الإسلام الكامل والخالص في العالم، ولا يتهاونان في الأعمال الشريرة والشيطانية لحفظ قدرتهما ومنع خليفة اللّه في الأرض من الوصول إلى السلطة! كما على سبيل المثال، أنّ عناصرهما المرتزقة وعملائهما الذين لا يؤمنون إلا بأربابهم، يتآمرون كلّ يوم لضرب نهضة «العودة إلى الإسلام» المطهّرة وهم سدٌّ في طريق قائدها الحرّ والكبير المنصور الهاشمي الخراساني ولذلك، يقترفون أيّ كذب وتهمة وظلم وعمل خبيث مؤذي. كم من الشبّان المثقفين والمتدينين الذين يمضون ويتألمون في سجونهم بجرم إجابتهم دعوة الحقّ إلى الإسلام الخالص والكامل، وكم من الرجال والنساء المحترمين والشرفاء الذين ينال من عرضهم ويتعرضون للشماتة والإهانة بجرم ترجيحهم للمهديّ على أربابهم! [المقالة ٥]

سيطرة المنافقين على العالم الإسلامي
مجتبى المزروعي

ليس هناك شك في أنّ نهاية هذا الشغب الشيطاني سيكون على يد خليفة اللّه في الأرض؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يتغلّب على هؤلاء الأشرار ودعاة الفتنة ذوي البطون الكبيرة والأعناق الغليظة سواه، وهو مهديّ آل محمد الذي بوعد اللّه ورسوله القطعيّ، يملأ الارض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، ولكنّ الحقيقة هي أنه من أجل تحقيق حاكمية هذا العظيم ومحاربته ضدّ المنافقين الأشرار، لا يمكن للناس أن يقفوا مكتوفي الأيدي ويكتفوا بالدّعاء والندبة من أجل ظهوره حضرته، بل من الضروري أن يشكّلوا اجتماعًا من المسلمين المخلصين والمجاهدين لحماية ونصرة حضرته الشاملة ويعلنوا عن استعدادهم لحفظه وإعانته وينقضوا بيعتهم الباطلة مع الحكام الآخرين ويبايعوا خليفة اللّه في الأرض؛ لأنه من غير تشكيل مثل هذا الإجتماع، لن يكون ظهور المهديّ ممكنًا ولن يكون هناك ضمان لبقائه وانتصاره، وهذا هو الهدف العظيم الذي يسعى له حضرة المنصور الهاشمي الخراساني بحركته الإسلامية والشعبية ويحاول تحقيقه ولذلك فإنّ حركته المباركة هي أفضل فرصة لتجمّع واجتماع الشباب المحبّين للمهدي والمنتظرين الحقيقين لظهوره من أجل إعلان البيعة والوفاء مع حضرته؛ الحركة التي من خلال طرح شعار «البيعة للّه»، تعتبر كلّ بيعة غير البيعة لخليفة اللّه على الأرض بيعة للطاغوت ومن خلال الإعتقاد بإمكان تحقّق حاكمية المهدي بشرط توفّر المقدّمات المذكورة، تمهّد بشكل عينيّ وعمليّ لحاكمية حضرته. لذا من الضروري أن يسارع جميع الذين صدقوا في ادعائهم محبة وانتظار فرج آل محمد ونصرتهم، في الدخول إلى الساحة، وأن يجتمعوا تحت هذه الراية الهادية وأن يجاهروا بنداء «العودة إلى الإسلام»، لتقريب وتحقيق ظهور المهديّ ولو كره المنافقون الحقراء وكادوا ينفجرون من الحسد والغضب! [المقالة ٥]