هل تصحّ زيارة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من بعيد؟
إنّما أمر اللّه بزيارة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من قريب؛ كما قال: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾[١] وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾[٢] وقال: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾[٣] حيث أنّه أمر بزيارته بعد المجيء إليه وأمّا زيارته من بعيد فلم يأمر بها والعبادة تحتاج إلى أمره لكيلا تكون بدعة؛ كما قال: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾[٤] وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[٥] وكان صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذا أراد التسليم على الموتى يأتي قبورهم ولا يخاطبهم من بعيد؛ كما روي عن عائشة قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ»[٦] وقالت: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ، إِذْ قَامَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَأَنَا مُسْتَيْقِظَةٌ، فَأَرْسَلْتُ جَارِيَتِي بَرِيرَةَ فِي أَثَرِهِ لِتَنْظُرَ أَيْنَ يَذْهَبُ، قَالَتْ: فَسَلَكَ نَحْوَ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَوَقَفَ فِي أَدْنَى الْبَقِيعِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَأَقْبَلَتِ الْجَارِيَةُ إِلَيَّ فَأَخْبَرَتْنِي، فَسَكَتُّ عَنْهُ فَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَسَأَلْتُهُ حِينَ أَصْبَحْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ خَرَجْتَ الْبَارِحَةَ؟ فَقَالَ: بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ»[٧] وروي عن محمد بن قيس بن مخرمة قال: «قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ، فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ: أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟ قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ»[٨] وروي عن أبي مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «أَهَبَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ طَوِيلًا»[٩] ولم يخبر أحد بأنّه نادى ميّتًا من بعيد، بل ربما يكون نداء النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من بعيد منهيًّا عنه في قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾[١٠]؛ مضافًا إلى أنّ الغائب لا يسمع ولذلك لا يدعوه عاقل؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾[١١] ولذلك «نَهَى الْمَنْصُورُ عَنْ مُخَاطَبَةِ الْأَمْوَاتِ إِلَّا عِنْدَ قُبُورِهِمْ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَ الزَّائِرِينَ»[١٢] ويؤيّد ذلك ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا أُبْلِغْتُهُ»[١٣] وروي عنه في سيرة عيسى بن مريم عليه السلام بعد نزوله: «لَئِنْ قَامَ عَلَى قَبْرِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَأُجِيبَنَّهُ»[١٤] وروي عن أبي بكر الحضرمي قال: «أَمَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ أُكْثِرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَا اسْتَطَعْتُ وَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلَّمَا شِئْتَ وَقَالَ لِي: تَأْتِي قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَسْمَعُكَ مِنْ قَرِيبٍ وَيَبْلُغُهُ عَنْكَ إِذَا كُنْتَ نَائِيًا»[١٥] وروي عن عامر بن عبد اللّه قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي زِدْتُ جَمَّالِي دِينَارَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ عَلَى أَنْ يَمُرَّ بِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: قَدْ أَحْسَنْتَ، مَا أَيْسَرَ هَذَا، تَأْتِي قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ، أَمَا إِنَّهُ يَسْمَعُكَ مِنْ قَرِيبٍ وَيَبْلُغُهُ عَنْكَ مِنْ بَعِيدٍ»[١٦] وروي عن إسحاق بن عمار «أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ: مُرُّوا بِالْمَدِينَةِ فَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَرِيبٍ وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ تَبْلُغُهُ مِنْ بَعِيدٍ»[١٧] وروي عن معاوية بن وهب قال: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: صَلُّوا إِلَى جَانِبِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ تَبْلُغُهُ أَيْنَمَا كَانُوا»[١٨] والصلاة التي تبلغه من بعيد هي الصلاة عليه بصيغة الغائب وهي الصلاة المناسبة للبعيد؛ كما علّمها اللّه تعالى فقال: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾[١٩] وقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾[٢٠] وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾[٢١] وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[٢٢] وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾[٢٣] وقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾[٢٤] وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾[٢٥] وعلّمها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»[٢٦] وهذا كقول الرّجل لصاحبه: «أبلغ فلانًا منّي السلام» إذا كان الفلان غائبًا وفي رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام: «إِنَّ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعْطِيَهُ سَمْعَ الْعِبَادِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ، فَذَلِكَ الْمَلَكُ قَائِمٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ثُمَّ يَقُولُ الْمَلَكُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانًا يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ»[٢٧].
فللإنسان إذا كان قريبًا من قبر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يخاطبه بالصلاة والتسليم وطلب الإستغفار معتقدًا بأنّه حاضر يسمع ذلك ولكنّه إذا كان بعيدًا من قبره فليس له أن يخاطبه معتقدًا بحضوره وسماعه وإن يفعل فإنّه غلوّ؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال: «كَانَ الْمَنْصُورُ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: يَا عَلِيُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ قَبْرِهِ وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّهُ غُلُوٌّ»، بل يصلّي عليه ويسلّم بصيغة الغائب، إلا أن يخاطبه بالصلاة والتسليم تنزيلًا للغائب منزلة الحاضر على سبيل التجوّز؛ كما في تسليم الصلاة حيث يقول: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» وإن كان قد روي: «أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»[٢٨] كما في رواية ابن مسعود: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ»[٢٩].