الثلاثاء ٨ رمضان ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ١٩ مارس/ آذار ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢٠. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم صيام شهر رمضان بالنسبة للحامل؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
إقامة كلّ الإسلام

من الضروريّ إقامة كلّه كاملة وبعيدة عن التبعيض والإختيار؛ لأنّ الإسلام هو مجموعة مترابطة ومتشابكة مثل نظام دقيق وسلسلة متّصلة الحلقات، قد تمّ تشريع كلّ جزء منها اعتبارًا لأجزائها الأخرى، بحيث أنّه لولا الأجزاء الأخرى لما كان قابلًا للتشريع، وربما كان تشريعه ناقضًا للغرض؛ كحبّات المسبحة، التي كلّ منها مصنوعة على أنّها جزء من الكلّ، وليس لها قيمة بمفردها، ولا تنفع إلّا في ضمن الكلّ، ولذلك يعتمد وجود أجزائها على وجود كلّها، وبزوال كلّها تزول أجزاؤها أيضًا. هكذا قد تمّ تشريع أجزاء الإسلام بالنّظر إلى كلّه، وهي غير نافعة إلّا في حالة إقامة كلّه، بل قد تكون إقامة بعضها بمفردها من دون إقامة كلّه ضارّة؛ كأدوية وصفها الطبيب بالنّظر إلى مجموعها معًا، ومن الخطير تناول بعضها بشكل منفصل عن بعضها الآخر. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٨]

إقامة كلّ الإسلام

إنّ الإلتزام بالإسلام النّاقص لا يقلّ خطورة من عدم الإلتزام بالإسلام، إن لم يكن أكثر خطورة منه؛ كما أنّ المسلمين لديهم مشاكل أكبر من غيرهم في نواحٍ عديدة، وهذا يرجع إلى التزامهم بالإسلام النّاقص. طبعًا هذا لا يعني ضرورة نبذ الإسلام، بل على العكس من ذلك يعني ضرورة إقامته بشكل كامل؛ لأنّ اللّه بمقتضى كماله قد أكمله وأخبر عن كماله، وإن كان قد ظهر فيه نقص تسبّب في عدم تكامل المسلمين، فذلك لم يكن من عند اللّه، ولكن كان من عند أنفسهم؛ لأنّهم قد أخذوا أجزاء من الإسلام وتركوا أجزاء منه ولم يقيموا كلّه بالكامل. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٩]

إقامة كلّ الإسلام

إنّ الإسلام يؤدّي إلى تحقّق السّعادة والخلاص من المشاكل إذا أقيم كلّه كحكم واحد؛ نظرًا لأنّ الإسلام هو في الحقيقة حكم واحد، والأجزاء الموجودة فيه تشبه أجزاء موجودة في جهاز تشكّل على تعدّدها جهازًا واحدًا، وعدم عمل كلّ منها يؤثّر على عمل سائر الأجزاء ويمنع الجهاز كلّه من العمل. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٩]

إمكان إقامة كلّ الإسلام

نظرًا لضرورة العمل بكلّ الإسلام وتوقّف ذلك على العلم بكلّه وانفراد اللّه بهذا العلم ذاتيًّا، لا بدّ أن يجعل اللّه هذا العلم ممكنًا للمسلمين بطريقة ما، لكي لا تكون لهم حجّة عليه في تركهم العمل بكلّ الإسلام وتبعًا لذلك وقوعهم في الشقاء والمشاكل. من الواضح أنّ هذا التعليم أمر حتميّ لا مردّ له، وهو ممكن بطريقتين: إمّا أن يعلّم اللّه الإسلام كلّه لجميع المسلمين بشكل مباشر، أو يختار لذلك بعضهم ليتلقّى الآخرون العلم بكلّ الإسلام منهم بشكل غير مباشر، ولكن بما أنّه من المسلّم به أنّ اللّه لم يعلّم الإسلام كلّه لجميع المسلمين بشكل مباشر، يتبيّن أنّه قد علّمه لبعضهم، وبالتّالي يجب على الآخرين معرفتهم والتعلّم منهم، وبما أنّ العلم بكلّ الإسلام عند اللّه وحده، فهم لا محالة إمّا أنبياء تلقّوا العلم بكلّ الإسلام من اللّه مباشرة، أو مرتبطون بالأنبياء تلقّوا العلم بكلّ الإسلام من اللّه بواسطة الأنبياء؛ كما أنّهم باعتبار نيابتهم عن اللّه في تعليم الإسلام كلّه، يُعتبرون خلفاء اللّه بين المسلمين. من هنا يعلم أنّ اللّه قد جعل في الأرض خليفة؛ كما أخبر عن ذلك كسنّة له فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. [العودة إلى الإسلام، ص١١٠ و١١١]

إمكان إقامة كلّ الإسلام

بالجملة إنّ إقامة كلّ الإسلام ممكنة بقدر ما هي ضروريّة؛ إلّا أنّها تتوقّف على العلم بكلّه، والعلم بكلّه ممكن لشارعه وحده، ويؤخذ عنه لا محالة، وهو إمّا قد أعطاه لجميع أهل الإسلام، ولم يفعل، أو أعطاه لبعضهم ليأخذ عنهم الآخرون، ولا شكّ أنّه قد فعل هذا؛ لأنّه لم يفعل الآخر، ولذلك فمعرفة هؤلاء ضروريّة للعلم بكلّ الإسلام، ولهذا السّبب فهي ممكنة؛ بمعنى أنّ الوسائل اللازمة لمعرفتهم موجودة من عند اللّه ويمكن تتبّعها لا محالة؛ كما أنّ الطرق اللازمة للوصول إليهم مجعولة من قبل اللّه ويمكن اتّباعها. [العودة إلى الإسلام، ص١١١]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

أَنْبِئُونِي عَنْ زُهُورِ الْأَرْضِ، هَلْ تَنْمُو إِذَا غَشِيَهَا الْأَشْوَاكُ وَالْأَعْشَابُ الضَّارَّةُ؟! كَذَلِكَ أَنْتُمْ لَا تَنْمُونَ مَا دُمْتُمْ مُبْتَلِينَ بِالنَّزَوَاتِ وَالتَّعَلُّقَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُوهِنُ قُوَّتَكُمْ، وَتُضِيعُ وَقْتَكُمْ... كَمَا لَا يُسْكَبُ اللَّبَنُ فِي الْأَوْعِيَةِ الْقَذِرَةِ، لَا تُوضَعُ الْمَعْرِفَةُ فِي الْقُلُوبِ الْمُلَوَّثَةِ، وَكَمَا لَا يُلْقَى الْجَوْهَرُ فِي مَلْقَى الزُّبَالَةِ، لَا تُودَعُ الْحِكْمَةُ فِي الصُّدُورِ الْمُدَنَّسَةِ؛ لِيَحْصُلَ الَّذِينَ نَبَذُوا الْفِكْرَ السَّيِّءَ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَيَصِلَ الَّذِينَ طَرَدُوا الشَّكَّ مِنْ صُدُورِهِمْ إِلَى الْحِكْمَةِ، وَيَبْقَى الَّذِينَ لَدَيْهِمْ شُكُوكٌ وَأَفْكَارٌ سَيِّئَةٌ فِي الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ. [الرسالة السادسة]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي لِتَكْسِبُوا الْمَعْرِفَةَ، وَتَدَبَّرُوا فِيهِ لِتُؤْتَوُا الْحِكْمَةَ؛ فَإِنِّي أُرَبِّيكُمْ بِهِ كَمَا يُرَبِّي الْبُسْتَانِيُّ أَشْجَارَ الْفَاكِهَةِ، حَتَّى أَجْعَلَكُمْ جَمْعًا كَافِيًا لِخَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ. إِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ، وَلَمْ تُخْلَقُوا لِلدُّنْيَا؛ فَاعْمَلُوا لِلْآخِرَةِ، وَلَا تَعَلَّقُوا بِالدُّنْيَا. إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَاكِبِ الْبَحْرِ، إِذْ حَطَمَ الطُّوفَانُ سَفِينَتَهُ؛ فَتَعَلَّقَ بِخَشَبَةٍ، حَتَّى نُبِذَ بِجَزِيرَةٍ مَجْهُولَةٍ. فَلَمَّا اسْتَعَادَ وَعْيَهُ وَسَارَ فِيهَا، عَلِمَ أَنَّ الْجَزِيرَةَ غَيْرُ مَسْكُونَةٍ، وَفِيهَا وُحُوشٌ ضَارِيَةٌ، وَلَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَاءُ وَالْغِذَاءُ إِلَّا نَزْرًا. أَتَرَوْنَهُ يَخْلُدُ إِلَى هَذِهِ الْجَزِيرَةِ وَيَتَلَهَّى بِتَشْيِيدِ الصُّرُوحِ كَأَنَّهُ سَيَبْقَى فِيهَا أَبَدًا، أَمْ يَكْتَفِي بِاتِّخَاذِ مَأْوًى وَيَشْتَغِلُ بِصُنْعِ السَّفِينَةِ وَجَمْعِ الزَّادِ لِيُنْجِيَ نَفْسَهُ؟! [الرسالة السادسة]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

إِنَّا نَعِيشُ فِي زَمَانٍ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِ زِينَةُ الدُّنْيَا وَعَمَّتْ فِيهِ الْفِتْنَةُ وَالْبَلْوَى. لَقَدْ نَسِيَ النَّاسُ اللَّهَ وَنَسِيَهُمْ. فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ الْكَلِبِ، إِنَّمَا يُغَيِّرُ الدُّنْيَا الَّذِينَ لَمْ تُغَيِّرْهُمُ الدُّنْيَا... إِذَا انْشَغَلَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، فَانْشَغِلُوا أَنْتُمْ بِالْآخِرَةِ لِتَمْتَازُوا عَنْهُمْ. لَا تَحْزَنُوا عَلَى الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَحْزَنُ عَلَيْكُمْ. دَعُوهَا لِتَكُونَ مَرْعَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَلَا يَفْرُقُونَ بَيْنَ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْبَهِيمِيَّةِ. هُمْ لَهَا وَهِيَ لَهُمْ. مَثَلُهُمْ فِيهَا كَمَثَلِ طِفْلٍ يَلْعَبُ فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَيَبْنِي لِنَفْسِهِ مِنَ الرِّمَالِ صُرُوحًا وَيَحْسَبُ أَنَّهَا سَتَبْقَى، فَيَأْتِيهَا مَوْجٌ بَغْتَةً وَيَهْدِمُهَا جَمِيعًا، فَيَأْسِفُ الطِّفْلُ وَيَنْظُرُ إِلَى الرِّمَالِ بِحَسْرَةٍ، كَمْ تَجَشَّمَ الْعَنَاءَ هَدَرًا! [الرسالة السادسة]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

أَيْنَ أَنْصَارِيَ الْحَقِيقِيُّونَ؟ أَيْنَ الَّذِينَ نَبَذُوا الدُّنْيَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَتَحَرَّرُوا مِنْ كُلِّ تَعَلُّقٍ بِهَا، عَلَى مِثَالِ الْمَسِيحِ؟ أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا رُفَقَاءَ الْمَوْتِ، وَيَرَوْنَ اللَّهَ حَاضِرًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ؟ يَبْكُونَ مِنْ هَوْلِ النَّارِ كَأَنَّهُمْ ثَكَالَى! يَنْظُرُونَ إِلَى أَطْرَافِ السَّمَاءِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ فِي أَرْجَائِهَا! يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَيَجْتَنِبُونَ الطَّاغُوتَ. يُطِيعُونَ إِمَامَهُمْ، وَيَتَسَابَقُونَ فِي نُصْرَتِهِ. إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ زُبَرَ الْحَدِيدِ أَوْ جِبَالًا رَاسِيَةً! إِذَا هَاجَمُوا الْعَدُوَّ فِي صُفُوفِهِمْ، كَادُوا يُثِيرُونَ إِعْصَارًا وَعَاصِفَةً رَمْلِيَّةً! كَانُوا يُرَاقِبُونَ سُلُوكَهُمْ، وَيَعْرِفُونَ مَقَامَ كُلِّ مَقَالٍ. مُتَحَلِّينَ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمُتَنَزِّهِينَ عَنْ كَبَائِرِ الرَّذَائِلِ. مَجْهُولِينَ فِي الْأَرْضِ، وَمَعْرُوفِينَ فِي السَّمَاءِ. شُعْثًا غُبْرًا صُفْرًا. لَهُمْ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ! يَقْضُونَ اللَّيْلَ بِالصَّلَاةِ وَالْإِسْتِغْفَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَيَقْضُونَ النَّهَارَ بِالتَّعَلُّمِ وَالْجِهَادِ وَالسَّعْيِ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ. لَا يَمُلُّونَ وَلَا يَرْتَابُونَ. رَحِمَهُمُ اللَّهُ. فَإِنَّهُمْ قَضَوْا نَحْبَهُمْ وَذَهَبُوا، وَأَنْتُمُ الْآنَ بَقِيتُمْ لَنَا. فَاجْتَهِدُوا أَنْ تَكُونُوا لَهُمْ خَلَائِفَ صَالِحِينَ، وَاقْتَدُوا بِهِمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تُدْرِكُوا الْفَرَجَ حَتَّى تَكُونُوا كَذَلِكَ. [الرسالة السادسة]

جزء من رسالة جنابه فيها ينبّه الناس على غربة الإسلام، ويدعوهم إلى معرفته وإقامته كما هي، ويوبّخهم على التهاون والتبديل فيه.

إِذَا جَاءَ الْحَقُّ أَهَمَّتِ الْأَثْرِيَاءَ ثَرْوَتُهُمْ، وَالْأَقْوِيَاءَ قُوَّتُهُمْ، وَالْمَشَاهِيرَ شُهْرَتُهُمْ، وَالتَّبَعَةَ رُؤَسَاؤُهُمْ، وَالْمُقَلِّدَةَ مَرَاجِعُ تَقْلِيدِهِمْ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْمَغْمُورِينَ وَالْأَحْرَارَ وَالْمُحَقِّقِينَ هُمُ الَّذِينَ يُجِيبُونَ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُونَهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ثَرْوَةٌ تُقْلِقُهُمْ، وَلَا قُوَّةٌ تُخِيفُهُمْ، وَلَا شُهْرَةٌ تُحْزِنُهُمْ، وَلَا رَئِيسٌ يُؤَاخِذُهُمْ، وَلَا مَرْجَعُ تَقْلِيدٍ يَحْمِلُهُمْ عَلَى اعْتِقَادِهِ بِاسْمِ الْفَتْوَى! لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ، أَجَابَهُ فُقَرَاؤُهَا وَأَنْكَرَهُ أَثْرِيَاؤُهَا، وَنَصَرَهُ مُسْتَضْعَفُوهَا وَعَادَاهُ أَقْوِيَاؤُهَا، وَأَحَبَّهُ مَغْمُورُوهَا وَأَبْغَضَهُ مَشَاهِيرُهَا، وَاتَّبَعَهُ أَحْرَارُهَا وَأَطَاعَ تَبَعَتُهَا رُؤَسَاءَهَا، وَدَرَسَهُ مُحَقِّقُوهَا وَقَلَّدَ مُقَلِّدَتُهَا آبَاءَهَا! أَلَا إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَقَدْ عَادَ الْآنَ إِلَى غُرْبَتِهِ الْأُولَى؛ غَيْرَ أَنَّ الْغُرْبَةَ الْآخِرَةَ أَكْبَرُ مِنَ الْغُرْبَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْغُرْبَةِ الْأُولَى، كَانُوا يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا مِنَ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ، وَهُمْ فِي الْغُرْبَةِ الْآخِرَةِ يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ! [الرسالة الثامنة]

في وصف الجنّة وأهلها

هُنَاكَ بُيُوتٌ مَبْنِيَّةٌ مِنْ لَبِنَاتِ الذَّهَبِ، وَمُزَيَّنَةٌ بِصَفَائِحِ الْفِضَّةِ، لَهَا أَبْوَابٌ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ، وَنَوَافِذُ مِنْ بُرُنْزٍ مُتَآلِفٍ، وَزُجَاجٌ مِنْ بِلَّوْرٍ شَفَّافٍ. يُوجَدُ فِي غُرُفَاتِهَا، وَعَلَى ضِفَافِ الْأَنْهَارِ، وَبَيْنَ الرِّيَاضِ، وَتَحْتَ أَشْجَارِ الْفَاكِهَةِ، سُرُرٌ مِنْ خَشَبِ الْبَلُّوطِ وَالْجُوزِ، مَنْحُوتَةٌ عَلَيْهَا زَخَارِفُ جَمِيلَةٌ، وَعَلَى تِلْكَ السُّرُرِ بُسُطٌ مَحْبُوكَةٌ مِنَ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ، وَعَلَى تِلْكَ الْبُسُطِ زَرَابِيٌّ مَنْسُوجَةٌ مِنَ الْمُخْمَلِ الْأَخْضَرِ، وَعَلَى تِلْكَ الزَّرَابِيِّ وَسَائِدُ مَصْنُوعَةٌ مِنَ الْإِسْتَبْرَقِ الْأَزْرَقِ، وَعَلَى كُلِّ سَرِيرٍ مَائِدَةٌ عَرِيضَةٌ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنْ فَوَاكِهِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، مِثْلِ التُّفَّاحِ وَالْعِنَبِ وَالْمَوْزِ وَالْإِجَّاصِ وَالتِّينِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُرْقُوقِ وَالْبُرْتُقَالِ وَالْخَوْخِ، وَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي الدُّنْيَا، وَأَطْعِمَةٌ بَهِيجَةٌ عَطِرَةٌ لَذِيذَةٌ، وَأَطْبَاقٌ مِنْ بِلَّوْرٍ، وَأَقْدَاحٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَلَاعِقُ مِنْ فِضَّةٍ، وَبِجَانِبِ كُلِّ مَائِدَةٍ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ مُتَلَهِّفَةٌ إِلَى بَعْلِهَا، وَعَلَيْهَا لِبَاسٌ مِنْ شُفٍّ أَزْرَقَ وَدِيبَاجٍ أَبْيَضَ، وَقَدْ تَزَيَّنَتْ بِالْجَوَاهِرِ وَتَطَيَّبَتْ بِالْبَخُورِ. لِذَوَائِبِهِنَّ سَوَادٌ كَسَوَادِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ، وَلِوُجُوهِهِنَّ ضِيَاءٌ كَضِيَاءِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَلِأَبْدَانِهِنَّ رَشَاقَةٌ كَرَشَاقَةِ أَزْهَارِ الرَّبِيعِ، وَلَوْنُ ذَوَائِبِ بَعْضِهِنَّ ذَهَبِيٌّ، وَبَعْضِهِنَّ تَمْرِيٌّ، وَلَهُنَّ أَعْيُنٌ سَوْدَاءُ وَزَرْقَاءُ وَخَضْرَاءُ، وَشِفَاهٌ ظَرِيفَةٌ، وَحَوَاجِبُ مُمْتَدَّةٌ لَا يُدْرِكُ الْخِيَالُ جَمَالَهَا، وَفِي أَيْدِيهِنَّ أَبَارِيقُ مُفَضَّضَةٌ مِنَ الْخَمْرِ وَشَرَابِ الْعَسَلِ، يُقَدِّمْنَهَا إِلَى بَعْلِهِنَّ، عِنْدَمَا يَتَنَافَسْنَ فِي صُحْبَتِهِ، وَيَتَسَابَقْنَ فِي جَلْبِ انْتِبَاهِهِ. [القول ٢١]

في بيان أنّ الولاية للمهديّ وحده ولا يجوز اتّخاذ أولياء من دونه، بل يُعتبر ذلك شركًا.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمُ الْمَهْدِيَّ وَلِيًّا، فَاتَّخِذُوهُ وَلِيًّا، وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ! فَقَامَ رَجُلٌ أَحْوَلُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَقَالَ: وَهَلْ خَلَقَ اللَّهُ الْمَهْدِيَّ؟! قَالَ: نَعَمْ، وَإِنَّهُ لَيَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ! قَالَ الرَّجُلُ: وَهَلْ رَأَيْتَهُ أَنْتَ بِعَيْنَيْكَ؟! فَسَكَتَ الْمَنْصُورُ وَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى سَأَلَهُ الرَّجُلُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدْعُوَكُمْ إِلَى مَنْ لَمْ أَرَهُ! قَالَ الرَّجُلُ: فَلِمَ لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا لِنَتَّبِعَهُ؟! قَالَ: يَخَافُ! قَالَ الرَّجُلُ: مِمَّ؟! قَالَ: مِنَ الْقَتْلِ -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ! [الفقرة ١ من القول ٢٢]

في بيان أنّ الولاية للمهديّ وحده ولا يجوز اتّخاذ أولياء من دونه، بل يُعتبر ذلك شركًا.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كُنْتُ بِبَابِ الْمَنْصُورِ أَنْتَظِرُهُ، فَسَمِعْتُهُ يُكَلِّمُ رِجَالًا فِي الْبَيْتِ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ يَخْشَى أَنْ لَا يُطَاعَ، وَلَوْ أَنَّهُ ثَبَتَتْ لَهُ قَدَمَاهُ لَأَقَامَ كِتَابَ اللَّهِ وَالْحَقَّ كُلَّهُ! أَمَا وَاللَّهِ لَا خَيْرَ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُمَا فَلَا! قَالَ: فَخَطَرَ بِبَالِي كَيْفَ يَتَجَرَّأُ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَالْمَهْدِيُّ غَائِبٌ؟! فَمَا لَبِثَ أَنْ خَرَجَ إِلَيَّ مِنَ الْبَيْتِ وَقَالَ: يَا فُلَانُ! كَانَ الْمَهْدِيُّ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ مُنْذُ غَابَ عَنْهُمْ! -ثَلَاثًا. [الفقرة ٢ من القول ٢٢]

في بيان أنّ الولاية للمهديّ وحده ولا يجوز اتّخاذ أولياء من دونه، بل يُعتبر ذلك شركًا.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: أُمِرَ النَّاسُ بِمَعْرِفَةِ الْمَهْدِيِّ وَالرَّدِّ إِلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ لَهُ، فَإِنْ صَلُّوا وَصَامُوا وَجَعَلُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنْ لَا يَرُدُّوا إِلَى الْمَهْدِيِّ كَمَا أُمِرُوا، كَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ! ثُمَّ سَكَتَ حَتَّى قُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَنَادَانِي: يَا فُلَانُ! لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ أَنَّهُ مَنْ سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَلَمْ يُجِبْهَا أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى مِنْخَرَيْهِ فِي النَّارِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ! [الفقرة ٨ من القول ٢٢]

في بيان أنّ أحسن الحديث كتاب اللّه وكلّ حديث يخالف كتاب اللّه فهو زخرف.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ مَا بَالُ الْمَنْصُورِ يُكْثِرُ التَّمَسُّكَ بِالْقُرْآنِ وَلَا يُكْثِرُ التَّمَسُّكَ بِالْحَدِيثِ؟! قَالَ: مَا بَالُهُمْ يُكْثِرُونَ التَّمَسُّكَ بِالْحَدِيثِ وَلَا يُكْثِرُونَ التَّمَسُّكَ بِالْقُرْآنِ؟! أَمَا بَلَغَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ»؟! أَلَا إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الْقُرْآنُ وَكُلَّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ زُخْرُفٌ ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُّقْتَرِفُونَ! ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مُصْحَفًا وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ فَاسْتَنْطِقُوهُ! قُلْتُ: أَفَيَنْطِقُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟! قَالَ: نَعَمْ، يُنْطِقُهُ اللَّهُ الَّذِي يُنْطِقُ كُلَّ شَيْءٍ! قُلْتُ: وَكَيْفَ يُنْطِقُهُ؟! قَالَ: يُنْطِقُهُ عَلَى لِسَانِ خَلِيفَتِهِ! أَمَا بَلَغَكُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»؟! قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ خَلِيفَتِهِ مَتَى يَنْطِقُ بِالْقُرْآنِ؟! قَالَ: إِذَا أَعْطَيْتُمُوهُ صَفْقَةَ أَيْدِيكُمْ وَثَمَرَةَ قُلُوبِكُمْ! [الفقرة ١ من القول ٢٣]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ فِي غَيْبَتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ وَيُنَفِّذَ الْأَحْكَامَ وَيُجَاهِدَ الْأَعْدَاءَ وَلَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ عَجَزَ عَنْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيهِ وَلَا يُوَفِّقُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ شَيْئًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَمَا أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا جَعَلَ لَهُمْ طَرِيقًا إِلَى عِبَادَتِهِ. فَإِنْ تَرَكُوا عِبَادَتَهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا، فَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةً؛ كَمَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَقَالَ: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنْ جَعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَقَتَلُوهُ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا حَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوهُ إِذَا تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَلَكِنَّهُمْ إِنْ قَتَلُوهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُحْيُوهُ وَالْإِمَامُ إِذَا كَانَ مُخْتَفِيًا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ بِدُعَائِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَاتِّصَالِهِ بِبَعْضِ الصَّالِحِينَ وَرُبَمَا يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ دُونِ أَنْ يَعْرِفُوهُ وَلَكِنَّهُ إِنْ مَاتَ لَا يَسْتَطِيعُ شَيْئًا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ فِي عَدْلِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ أَنْ يُخْفِيَ الْإِمَامَ إِذَا عَلِمَ مِنْ عِبَادِهِ الشَّرَّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمِيتَهُ مِنْ دُونِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ بَدِيلًا. [الباب ١، الدرس ٧٩]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: زَعَمَ بَعْضُ الْكَارِهِينَ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ هُمْ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُوَافِقُ الْعَقْلَ، كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ [ت٤٩٥ه‍] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَالْمَوْضُوعُ حَدِيثٌ صَحَّحُوهُ لِيُعَارِضُوا بِهِ الْحَقَّ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»، وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُخَالِفُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِـ«مَا يُوعَدُونَ» الْعَذَابَ أَوِ السَّاعَةَ فَلَمْ يَأْتِيَا أُمَّتَهُ إِذْ ذَهَبَ أَصْحَابُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْتِلَافَ فَقَدْ أَتَاهُمْ وَأَصْحَابُهُ فِيهِمْ، بَلْ أَصْحَابُهُ أَسَّسُوا بُنْيَانَهُ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يَقُلْهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ يُبْغِضُ عَلِيًّا وَيُوَالِي أَعْدَاءَهُ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَى حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرٍ مِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، وَالظَّنُّ أَنَّهُ حَرَّفَ الْحَدِيثَ بُغْضًا لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْجَاهِلُ مَنْ أَمِنَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. [الباب ١، الدرس ٨٢]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

دروس السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى غايتها تزكية الناس وتعليمهم الكتاب والحكمة، وأساسها ومحورها القرآن والسنّة، وموضوعها العقائد والأحكام والأخلاق الإسلاميّة، وقد اخترنا منها ما يتعلّق بأهمّ القضايا وأشدّها ابتلاءً في زماننا، ورتّبناها بما يسهّل على القارئ المراجعة والمطالعة، وعلّقنا عليها بذكر المصادر وشيء من التوضيح عند الإقتضاء. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

كلّ درس يتعلّق بقضيّة عقائديّة أو فقهيّة أو أخلاقيّة، ويتألّف من ثلاثة أبواب:

• الباب الأوّل بيان ما نزل في القرآن ممّا يتعلّق بالقضيّة، وفيه تفاسير قيّمة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى استخرجناها من أقواله الطيّبة، تبيّن معاني الآيات بما يشفي الصدور ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.

• الباب الثاني بيان ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه نكات دقيقة وتوضيحات مفيدة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى، تبيّن معاني الأحاديث وحال الرواة وأقوال العلماء.

• الباب الثالث بيان ما صحّ عن أهل البيت ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه مثل ما في الباب الثاني. [المقدّمة]

الإدّعاء بأنّ الإسلام قد تمّ تقديمه إلى العالمين بالسّيف ليس ادّعاء صحيحًا؛ لأنّ الإسلام قد تمّ تقديمه إليهم أوّلًا وقبل كلّ شيء، بالكتب التي كتبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى الملوك بعد صلح الحديبيّة، ودعاهم فيها إلى دين الحقّ. بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أيضًا لم ينتصر المسلمون على إيران والروم بالإعتماد على قوّة سيوفهم فقطّ؛ لأنّ قوّة سيوفهم لم تكن أشدّ من قوّة سيوف تلك القوى العملاقة وبطبيعة الحال، لم يكن من الممكن أن تؤدّي إلى انتصارهم على كسرى وقيصر بمفردها. لذلك، فمن الإنصاف أنّ العامل الأكثر أهمّيّة في تأثير الإسلام وانتشاره وبقائه في مختلف البلدان، كان تعاليمه الجذّابة والبديعة والمنمّية للبشر، التي لا تزال تسبّب تأثيره وانتشاره وبقاءه في مختلف البلدان؛ كما نبّه العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في مبحث «الطريقة المناسبة لمواجهة الكافرين» من كتاب «العودة إلى الإسلام» على هذه النقطة المهمّة... لذلك، يبدو أنّ ادّعاء تأثير الإسلام وانتشاره وبقائه في مختلف البلدان اعتمادًا على السيف هو إغراق وتعسّف واضح، قد نشأ من إيحاءات أعداء الإسلام فحسب. بالطبع، ليس هناك شكّ في أنّ المسلمين قاموا بحروب في بلدان مختلفة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، لكنّ هذه الحروب لم تكن مع شعوب هذه البلدان في الغالب، بل كانت مع حكّامها الكافرين والظالمين الذين غالبًا ما كانوا هم أنفسهم قد استولوا على هذه البلدان من خلال الحروب واضطهدوا أهلها، وعليه ينبغي اعتبار حروب المسلمين جهادًا منهم في سبيل تحرير هذه البلدان من احتلال الكافرين والظالمين. [السؤال والجواب ٦٨]

إنّ أمر اللّه تعالى بقتال الكافرين والظالمين، هو فقط لغرض القضاء على الكفر والظلم وإنقاذ المستضعفين والمظلومين في العالم، لا النهب والاعتداء وغزو البلدان؛ كما قال بصراحة: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ؛ لأنّ اللّه تعالى لا يحتاج إلى نهب واعتداء وغزو للبلدان، لكنّه لا يقرّ الكفر والظلم في العالم؛ كما قال: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وقال: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ. من الغريب أنّ الكافرين والظالمين طوال تاريخهم، قد حاربوا المستضعفين والمظلومين دائمًا ولم يألوا أيّ نهب واعتداء وغزو للبلدان لغرض نشر الكفر والظلم في العالم، ولكنّهم يعتبرون حروب المسلمين لغرض نشر التوحيد والعدل في جميع أرجاء العالم وإنقاذ المستضعفين والمظلومين مثالًا على النهب والاعتداء وغزو البلدان! من الواضح أنّ هذا كيد شيطانيّ منهم لأجل السيطرة على العالم؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا. [السؤال والجواب ٦٨]

من الممكن أن يكون المنصور الهاشميّ الخراسانيّ المنصور الخراسانيّ الموعود صاحب الرايات السود الموعودة في الروايات الإسلاميّة؛ إذ ليس هناك ما يمنع ذلك عقلًا أو شرعًا، ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، لكنّه لا يدّعي ذلك، ولا يجادل فيه أحدًا، وينهى أصحابه عن الجدال فيه. الأمر القطعيّ الذي هو واقع عينيّ ويكفي العلم به أنّ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ هو عبد من عباد اللّه وأمّة نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يتّبع القرآن الكريم والسنّة النبويّة المتواترة في ضوء العقل السليم، ولا يدّعي نبوّة ولا إمامة من عند اللّه، ولا يرتبط بأيّ دولة أو مذهب أو فرقة في العالم، وإنّما يدعو إلى خليفة اللّه المهديّ ويمهّد لظهوره من خلال الأنشطة الثقافيّة مثل تأليف الكتاب ومحادثة المسلمين، وفي مقابل هذا العمل الصالح والشاقّ لا يسأل الناس أجرًا وإنّما يحتسب أجره عند اللّه، ولا يأكل شيئًا من أموالهم بالباطل، ولا يقتل منهم نفسًا بغير حقّ، ولا يظلم نملة صغيرة ولا دابّة أكبر منها ولذلك، إذا أجاب شخص دعوته ونصَره، فإنّما فعل ذلك بالنظر إلى صدق قوله وصحّة عمله على أساس الأدلّة العقليّة والشرعيّة وبدافع التمهيد لظهور المهديّ، وإذا لم يفعل ذلك شخص أو نصب له العداوة بدلًا من ذلك، فإنّه لا يضرّه شيئًا، ولكنّه فقط يحرم نفسه من خير أو يوقعها في شرّ ﴿وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ. بناءً على هذا، فإنّ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ هو مجرّد مسلم عالم تقيّ، يمنع المسلمين من اتّباع الحكّام الظالمين والمستبدّين، ويدعوهم إلى اتّباع المهديّ، وينهاهم عن اتّباع الظنون والأوهام، ويأمرهم باتّباع العلم واليقين، ويحذّرهم من الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدنيويّة والتعصّب والتكبّر والنزعة الخرافيّة، ويحرّضهم على إقامة الإسلام الخالص والكامل في ضوء القرآن والسنّة والعقل السليم ولذلك، فإنّ الذين يتّخذونه عدوًّا لا عذر لهم عند اللّه، وليتبوّؤوا مقعدهم من النار؛ لأنّه من الواضح أنّه لا يجوز معاداة مثل هذا الرجل الصالح، بل يجب موالاته، ومن يعاديه فهو ظالم منحرف؛ كمن يحاول قتله، أو يكفّره، أو يسبّه، أو يستهزئ به، أو يبهته، أو يؤذيه، أو يغري الناس عليه، ومن الواضح أنّ هؤلاء كلّهم في ضلال مبين. [السؤال والجواب ٨]

السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى ليس من المتكلّفين، ويكره التشبّه بالمدّعين الكاذبين، وإنّما يسير بمنأى عن أيّ قول زائد عن الحاجة في طريقه المستقيم، ويؤدّي واجبه العقليّ والشرعيّ، ويقوم بتعليم الإسلام الحقيقيّ وإصلاح عقائد وأعمال المسلمين، اعتمادًا على كتاب اللّه وسنّة نبيّه المتواترة وما يقتضيه العقل السليم، وإنّما يفعل ذلك عمليًّا وبدون أيّ ادّعاء؛ لأنّه لا يحتاج مع العمل إلى الإدّعاء، ويترك الإدّعاء لمن لا عمل له، على الرغم من أنّه يرجو فضل اللّه عليه ولا يقنط من رحمته؛ لأنّ اللّه ذو فضل عظيم ويختصّ برحمته من يشاء، ولا يقنط من رحمته إلّا الضّالّون، ولكنّه حفظه اللّه تعالى لا يخوض في ذلك؛ على عكس الذين أصمّ طبل ادّعاءاتهم آذان العالمين، ولكنّهم لا يمهّدون لظهور المهديّ عليه السّلام بشكل عمليّ، وما هم إلا بهالين متجوّلون يجمعون حولهم حفنة من الجهلة وأهل الخرافات، وينفقون عمرهم ومالهم وعرضهم على أوهامهم وأباطيلهم؛ الذين بادّعاءاتهم المفرطة وألقابهم الغريبة وكراماتهم الموهومة وأحلامهم الملقّنة ورواياتهم الموضوعة، قصموا ظهر المهديّ عليه السلام وحوّلوا يوم المنصور حفظه اللّه تعالى -هذا الممهّد الصدّيق لظهوره- إلى ليلة باردة ومظلمة. [السؤال والجواب ١١]

السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني أيّده اللّه تعالى هو الممهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام، وليس له ادّعاء آخر. إنّ التمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام أيضًا ليس مقامًا خاصًّا له، بل هو عمل صالح منه يتمثّل في دعوة المسلمين إلى الإمام المهديّ عليه السلام، وتوفير ما يلزم لظهوره من العِدّة والعُدّة، كأمر واقع ملموس، ولا شكّ أنّه كافٍ لوجوب إعانته؛ لأنّ اللّه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، والتمهيد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام هو رأس البرّ والتقوى؛ لأنّ ظهوره سبب لإقامة الدّين كلّه، فمن بلغه أنّ هذا العالم الصالح قد تصدّى لذلك وجب عليه إعانته بكلّ ما في وسعه، إن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ. [السؤال والجواب ٢٧]

حقيقة أنّك لم تكن تعرف العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ولم تسمع باسمه من قبل، لا تعني أنه غير موجود؛ كما قال العقلاء: «عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود»، وكما أنّك بالتأكيد لا تعرف الكثير من علماء العالم الإسلاميّ في بلاد مختلفة ولم تسمع بأسمائهم، ومع ذلك فإنّهم موجودون، وسواء كنت تعرف ذلك أم لا، فإنّهم يباشرون أنشطتهم العلميّة والثقافيّة. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أنّ «الإنترنت» ليست لوح اللّه المحفوظ حتّى تحتوي على السير والصور لجميع عباد اللّه، بل هي شبكة أنشأها الكفّار والظالمون لترويج ثقافتهم ونشرها في العالم ولذلك، فإنّ السير والصور الخاصّة بهم وأوليائهم وفيرة فيها، ولكنّ السير والصور للعديد من عباد اللّه الصالحين غير موجودة فيها! نعم، للأسف، أنت تحت تأثير إيحاءات الجهلة والمرضى وأصحاب الدعايات المغرضة، وإلا فإنّك تعلم أنّ أكثر عباد اللّه الصالحين هم الذين هم مجهولون ويهربون من الشهرة، وهذا لا يعني أنهم غير موجودين، بل ربما يكون وجود الآخرين بيُمن وجودهم، وببركة وجودهم يُمهَلون! أولئك الذين وصفتهم الروايات بأنّهم «فِي الْأَرْضِ مَجْهُولُونَ وَفِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ»... على أيّ حال، تذكّر أنّ الحكيم هو الذي لا يعرف الحقّ بالرجال، بل يعرف الرجال بالحقّ، في حين أنّ الجاهل يفعل عكس ذلك، فيحسب شهرة الرجال دليلًا على أنّهم حقّ، وعدم شهرتهم دليلًا على أنّهم باطل! هذا جهل واضح بالتأكيد! [الشبهة والرّدّ ٣]

الخبر المنسوب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ظهور ٧٣ فرقة بعده إحداها «ناجية» وسائرها أهل النار، هو خبر واحد وغير يقينيّ، وقد بيّن المنصور الهاشمي الخراساني بالتفصيل عدم حجّيّة مثل هذه الأخبار في مباحث من كتابه مثل مبحث «رواج النّزعة الحديثيّة». بغضّ النظر عن حقيقة أنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث، وأنّ ذيله المشهور الذي يقول أنّ الفرقة الناجية هي الجماعة وأنّ الجماعة هي ما كان عليه النبيّ وأصحابه، لا يمكن الإلتزام به، نظرًا للإختلاف الشديد في أقوال وأفعال أصحاب النبيّ، بل يشمّ منها رائحة الوضع. بالإضافة إلى أنّ صدره لا يتوافق مع الواقع المحسوس والخارجيّ؛ لأنّ ظهور ٧٣ فرقة بين المسلمين بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليس ثابتًا، بل لعلّ الثابت خلافه؛ بالنظر إلى أنّ فرق المسلمين المذكورة في كتب الملل والنحل هي أكثر أو أقلّ بكثير من هذا العدد، وحذف بعضها وإضافة بعضها لانطباقها على هذا العدد ليس ممكنًا إلا بتكلّف كثير، بل هو في الغالب ترجيح بلا مرجّح... إنّا لم نضعّف جميع أسانيد هذا الحديث، بل قلنا بصراحة: «إنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث»، وهذا يعني أنّ بعض أسانيده صحيحة في رأيهم، وإن كان فيهم من يضعّف كلّها، مثل ابن حزم (ت٤٥٦هـ) إذ قال في هذا الحديث: «لَا يَصِحُّ أَصْلًا مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَكَيْفَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ؟!»، ومال إلى قوله ابن تيميّة (ت٧٢٨هـ) في منهاج السنّة النبويّة، وقال الشوكاني (ت١٢٥٠هـ) «أَنَّ زِيَادَةَ <كُلُّهَا فِي النَّارِ> لَمْ تَصِحَّ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً»، ولا خلاف بينهم في أنّ أكثر أسانيده ضعيفة. [الشبهة والرّدّ ٧]

إنّ الوجوب والحرمة لإقامة الحدود الإسلاميّة على المقصّرين ليسا من جهة واحدة حتّى يكونا متناقضين، ولكنّهما من جهتين مختلفتين؛ كما هو الحال في اجتماع الأمر والنهي الشرعيّين في موضوع واحد، إذ يجتمع عمل واجب مثل الصلاة مع عمل حرام مثل الغصب، كمن يغصب مكان رجل بالصلاة فيه؛ لأنّه من الواضح أنّ الصلاة في هذه الحالة محرّمة من جهة أنّها غصب وواجبة من جهة أنّها عبادة مفترضة، وليس هناك أيّ تناقض لاختلاف الجهتين، وهذه هي الحال في الوجوب والحرمة لإقامة الحدود الإسلاميّة على المقصّرين، والأشبه أنّها هي من باب حرمة القيام بذي المقدّمة قبل القيام بالمقدّمة؛ كما أنّ الصلاة واجبة ولكنّها غير جائزة لمن ليس على طهارة، بحيث أنّه إذا صلّى بغير طهارة فقد أثم، وليس في هذا أيّ تناقض؛ لأنّ حرمة الصلاة في نفس الوقت الذي هي واجبة فيه أمر حدث بسوء اختيار من المكلّف. [الشبهة والرّدّ ٨]

يعتقد السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني أنّ وجوب إقامة الحدود الإسلاميّة على المسلمين هو «وجوب ضمنيّ»؛ بمعنى أنّها واجبة في ضمن إقامة كلّ الإسلام وليست واجبة بمفردها؛ مثل الركوع الذي يجب إتيانه في ضمن الصلاة ولا يعتبر واجبًا في غير الصلاة، إلا أنّ الصلاة واجبة، وبالتالي فإنّ الركوع واجب. لذلك، لو أنّ رجلًا تاركًا للصلاة ركع، فإنّه لم يصلّ بقدر ركوعه ولم يحصل على ثواب الركوع، بل ركوعه باطل ولا يغني من الصلاة شيئًا؛ لأنّه قد تمّ تشريعه باعتباره جزءًا من الصلاة. هذه هي الحال في إقامة الحدود الإسلاميّة؛ فإنّها واجبة في ضمن إقامة كلّ الإسلام ولا تعتبر واجبة في غيرها، إلا أنّ إقامة كلّ الإسلام واجبة، وبالتالي فإنّ إقامة الحدود الإسلاميّة واجبة. لذلك، لو أنّ رجلًا أقام حدًّا قبل أن يقيم أحكام الإسلام التمهيديّة، فإنّه لم يعدل ولم يؤجر، بل ظلم وأثم؛ لأنّ الحدّ قد تمّ تشريعه باعتبار أنّه أحد أحكام الإسلام المتناسبة وأنّه سيتمّ إقامته مع إقامتها... الحاصل أنّه يجب على المسلمين إقامة الحدود الإسلاميّة بإظهار المهديّ عليه السلام وإيصاله إلى الحكومة، وإذا لم يفعلوا ذلك، فإنّ إقامة الحدود الإسلاميّة من قبلهم تشبه الصلاة بغير وضوء. [الشبهة والرّدّ ٨]

من الواضح أنّ كلّ من يؤمن بوحدانيّة اللّه في التكوين والتشريع والتحكيم، ويؤمن بنبيّه الخاتم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا ينكر شيئًا من أركان دينه مثل الكتاب والملائكة والقيامة والقبلة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد، هو مسلم وإن لم يكن في سائر عقائده يفكّر مثلك وكان لديه تفسير مختلف، وهذه حقيقة معلومة من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة واتّفق عليها السلف الصالح، لدرجة أنّها قد تعتبر من واضحات الإسلام وينسب منكرها إلى الجهل والضلال. لذلك، من الواضح أنّ «جميع الشيعة» لا يعتبرون كفّارًا ومشركين؛ لأنّ معظمهم يؤمنون بوحدانيّة اللّه ونبيّه الخاتم وأركان دينه، وعليه فإنّ اعتبار جميعهم كفّارًا ومشركين حتّى لو كان ذلك بسبب بعض انحرافاتهم وأخطائهم، هو تحكّم وتعسّف محض. [الشبهة والرّدّ ١١]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا للعجب أن تقول للعالم والعامّي، والصغير والكبير، والذكر والأنثى من هذه الأمّة: اقرؤوا، واعلموا، وتفكّروا، لكنّهم يتثاءبون في وجهك وينظرون إليك بعيون حمراء ومنتفخة، ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ! ما هذه البليّة التي نزلت بنا أن لا نسمع صوتًا بهذا الوضوح ولا نفهم قولًا بهذا السّداد؟! ما الذي أصابنا أن لا يدخل القول الصحيح والمنطقيّ تمامًا في آذاننا، ولكن نقبل بسهولة أقوالًا خاطئة وفارغة؟! إذا تكلّم أحد بكلام هراء وقال في خلاله كلامًا نصفه صحيح أحيانًا، نقول له: أحسنت وبارك اللّه فيك، ولكن لا نتفوّه بكلمة جميلة عن كتاب لم يأت في سطر من سطوره بما لا دليل عليه ولم يخالف في شيء من عباراته القرآن والسنّة والعقل، بل ننظر إليه بأعين مرتابة ووجه عابس، متّبعين لظنّ السوء، أن عسى أن يكون خداعًا!! ويلكم، كيف يمكن أن يكون القرآن خداعًا؟! ألا ترون أنّ هذا الكتاب قد ملئ بآيات القرآن؟! هل من الممكن أن يكون خداعًا ما ليس فيه إلا الحقّ؟! هل هو خداع لأنّه لا يتوافق بالكامل مع آرائكم؟! هل آراؤكم كلّها وحي منزل من عند اللّه ومن المستحيل أن يكون فيها شيء من الخطأ؟! السؤال المهمّ هو هذا: هل أنتم تخافون أن يكون هذا الكتاب باطلًا أم حقًّا؟! ما نراه اليوم في العالم الإسلاميّ قد جعل الإجابة على هذا السؤال صعبًا ومخيفًا للغاية!! هل لو كان هذا الكتاب مثل آلاف الكتب الأخرى التي تكرّر ما يقول الناس تمامًا بغير نقد ولا مراجعة ولا تدقيق، لكان كتابًا جيّدًا ومفيدًا، والآن بعد أن أعاد النظر في جميع ما يقول الناس وأمعن في ذلك، مجانبًا للتقليد الأعمى ومستندًا إلى ما لا يرقى إليه الشكّ من الأدلّة العقليّة والشرعيّة، قد أصبح كتاب سوء ولا ينبغي قراءته؟!! أين هذا من قول اللّه تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ ۝ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ؟! يا للعجب من هذا العصر المقلوب!! [الملاحظة ٧]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

في هذا الكتاب، يبيّن المؤلّف أولًا معيار المعرفة، ويعتبر الضرورة والوحدة والبداهة خصائصه الثلاث، وبعد العديد من الدراسات والمناقشات، يعتبر العقل مصداقًا له، ويؤكّد أنّ جميع المعارف لا بدّ أن تنتهي إلى العقل. بالطبع، إنّه يعتبر العقل مختلفًا عن الفلسفة، ويعتقد أنّ معيار المعرفة هو العقل العقلائيّ، وليس العقل الفلسفيّ. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر النزاع الذي مضى عليه ألف عام حول مبدأ الحسن والقبح بين الأشاعرة والعدليّة، نزاعًا لفظيًّا ناشئًا عن عدم انتباههم إلى الطبيعة التكوينيّة والتشريعيّة لأمر اللّه ونهيه، ويعتقد أنّ العقل والشرع كلاهما من أفعال اللّه، وهناك وحدة جوهريّة بين أفعال اللّه، ولا يوجد فيها تضادّ أو تناقض. ثمّ يمضي في تبيين موانع المعرفة، ويذكر الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدّنيويّة والتعصّب والتكبّر والنّزعة الخرافيّة كأهمّ مصاديقها، وتحت كلّ منها يتناول الباثولوجيا التاريخيّة لعقائد المسلمين وأعمالهم، ونقد أسسهم الفكريّة من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى الآن، ويشرح البدع والانحرافات الشائعة ويكتشف جذور مشاكل العالم الإسلاميّ. ويعتبر في جزء من كتابه أنّ عدم معرفة المسلمين الصحيحة والكاملة بالاسلام هو أهمّ سبب لاختلافهم وانحرافهم ويذكر عوامله وأصوله المختلفة؛ كما أنّه يعتبر عدم معرفتهم الصحيحة والكاملة ببعضهم البعض وبأعدائهم، سببين آخرين لذلك. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

من أهمّ القضايا التي تمّ تحدّيها في هذا الكتاب هي التقليد. يعتبر المؤلّف تقليد السلف وتقليد الحكّام الظالمين بمعنى اتّباعهم سببًا لانحطاط الثقافة الإسلاميّة، ويضفي الشرعيّة على انتفاضة المسلمين ضدّ الحكومات الإستبداديّة والتابعة، حتّى لو ادّعت أنّها إسلاميّة؛ كما أنّه لا يعتبر فقطّ أنّ تقليد الكفّار بمعنى اتّباع الأفكار والأنماط غير الإسلاميّة لا يؤدّي إلى التقدّم المادّي والدّنيويّ للمسلمين، بل يعتبر أيضًا أنّه يؤدّي إلى سقوط ثقافتهم وحضارتهم. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر تقليد أكثريّة الناس عملًا خاطئًا، وبعد رفض اعتبار الإجماع والشهرة كأدلّة شرعيّة بالنظر إلى طبيعتهما الظنّيّة، يوجّه انتقادات للدّيمقراطيّة من الناحية النظريّة، ويعتبرها غير ناجحة خاصّة في المجتمعات التي لم يحصل أكثريّة أهلها على ما يكفي من النموّ العقليّ. كما يرفض تقليد العلماء لأنّه مفيد للظنّ، والظنّ ليس حجّة في الإسلام، ويعتبره من أسباب الخلاف بين المسلمين منذ زمن قديم حتّى الآن. ثمّ يعتبر الإجتهاد بالمعنى المصطلح عليه وهو استنباط الحكم من الأدلّة الظنّيّة أيضًا غير مجزئ، ويرى من الضروريّ إيجاد طريقة أخرى للحصول على اليقين. فيما يلي، ينتقد المؤلّف نظريّة الولاية المطلقة للفقيه بشكل أساسيّ، ويعتبرها غلوًّا في العلماء، ويرفض إمكانها من الناحية العقلانيّة؛ لأنّه وفقًا للمؤلّف، الطاعة غير المشروطة لشخص قد يأمر عن قصد أو عن غير قصد بغير الحقّ، تتعارض مع حكم العقل والشرع. كما أنّه بالنظر إلى عواقب الإعتقاد بالولاية المطلقة للفقيه، يذكّر بأنّ الطاعة غير المشروطة لغير المعصوم وإعطاء سلطات المعصوم له هي عادة مصدر فتن مختلفة ومفاسد كبيرة مثل الإستبداد السياسيّ، وهذا سبب آخر لتجنّب هذا الإعتقاد. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

القضية الأساسيّة والمهمّة الأخرى التي تناولها المنصور الهاشمي الخراساني في كتابه «العودة إلى الإسلام»، هي قضيّة الحكومة الإسلاميّة. في رأيه، الحكم على الناس للّه وحده، ولا حقّ لأحد غيره في الحكم عليهم، وهو يمارس حكمه عليهم من خلال اتّخاذ نائب عنه يسمّى «خليفة». لذلك، فإنّ أساس تشكيل الحكومة الإسلاميّة وشرعيّتها السياسيّة هو إذن اللّه الخاصّ والمحقّق الذي لا يوجد لأيّ من الحكّام الحاليّين في العالم الإسلاميّ، وبالتالي فإنّ حكومة أيّ منهم لا تعتبر حاليًّا حكومة إسلاميّة. إنّه يعتبر أنّ احتياج الحكومة الإسلاميّة إلى تعيّن الحاكم من عند اللّه بشكل عينيّ وقطعيّ هو من القضايا الواضحة والضروريّة في الإسلام والأديان الإبراهيميّة الأخرى، بحيث أنّه لا مجال للجدال في ذلك. بالطبع، يعتقد المؤلّف، على عكس جميع علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلاميّة، أنّه من الممكن للناس الوصول إلى مثل هذا الحاكم؛ لأنّ سبب عدم تمكّنهم من الوصول إلى مثل هذا الحاكم، خلافًا لتصوّرهم، ليس حكمة اللّه، ولكن تقصيرهم في توفير الشروط اللازمة للوصول إليه، وكلّما استوفوا هذه الشروط في عمليّة عاديّة وطبيعيّة تمامًا، يتحقّق لهم الوصول إليه. لذلك، فإنّ عدم وصولهم إليه لا يعتبر عذرًا مبرّرًا لاختيار حاكم غيره من قبلهم؛ لأنّه، من ناحية، نظرًا لإمكانيّة وصولهم إلى حاكم عيّنه اللّه، لا توجد حاجة لاختيار حاكم غيره، ومن ناحية أخرى، فإنّ عدم وصولهم إلى هذا الحاكم يرجع إلى تقصيرهم، وبالتالي لا يمكن أن يكون عذرًا مبرّرًا لاختيار حاكم غيره من قبلهم، وإن كان الظاهر عدم محيص لهم من ذلك. بناء على هذا، لا يمكن الحكومة الإسلاميّة إلا بحكومة خليفة اللّه في الأرض، ولا يمكن حكومة خليفة اللّه في الأرض إلا بإرادة وفعل من الناس. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

في مكان آخر من كتاب «العودة إلى الإسلام»، يعتبر الخراسانيّ أنّ إقامة الإسلام مفيدة وفعّالة فقطّ في شكلها الخالص والكامل، ويعتقد أنّ إقامة جزء منه بمفرده أو مختلطًا مع غيره ليست فقطّ غير مفيدة وغير فعّالة، بل قد تكون ضارّة وخطيرة، وهذا مخالف لتصوّر معظم المسلمين الذين يحسبون أنّ إقامة جزء من الإسلام أيضًا مرغوب فيها. إنّه يشبّه الإسلام بنظام واحد ذي أجزاء مترابطة إذا لم يعمل أحد أجزاءها تفقد الأجزاء الأخرى كفاءتها ويفشل النظام بأكمله. لذلك، ليس أمام المسلمين خيار سوى إقامة الإسلام كلّه في شكله الخالص، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إلا في ظلّ تعليم خليفة اللّه في الأرض. القضيّة الأساسيّة والمهمّة الأخرى في هذا الكتاب هي أنّ المؤلّف يعتبر تطبيق الحدود والعقوبات الإسلاميّة مشروطًا بتطبيق جميع الأحكام العامّة والسياسيّة للإسلام، ويعتقد أنّ تشريع هذه الحدود والعقوبات تمّ بالنظر إلى حكومة خليفة اللّه في الأرض وبالتناسب مع الزمان والمكان الذي يتمّ فيه تطبيق سائر أحكام الإسلام كعوامل رادعة. لذلك، فإنّ تطبيق هذه الحدود والعقوبات في زمان ومكان آخر غير عادل وغير مناسب؛ خاصّة بالنظر إلى أنّ أحكام الإسلام، من وجهة نظر المؤلّف، مترابطة ومتشابكة وتؤثّر على بعضها البعض وتتأثّر ببعضها البعض. [المقالة ١]