يرجى الإنتباه إلى النقاط التالية:
١ . التواتر يفيد العلم والعلم حجّة بالضرورة وإنكار حجّيّته يؤدّي إلى السفسطة ولولا حجّيّة ما تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم تكن ألفاظ القرآن حجّة؛ لأنّها ممّا تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. فمن المستحيل أن يكون ما تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مخالفًا للقرآن أو يكون المخالف للقرآن متواترًا عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما أنّ الروايات الواردة في تحريف القرآن ليست متواترة؛ لأنّ أكثرها ظاهرة في تفسير القرآن وتأويله والصريح منها قليل جدًّا وليست فيها رواية واحدة صحيحة السند والروايات الناهية عن الأطعمة ليست عندنا مخالفة للقرآن؛ لأنّ النهي أعمّ من التحريم، فهي محمولة على الكراهة جمعًا بينها وبين القرآن؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال: «سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهاشِمِيَّ الْخُراسانِيَّ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعالَى يَقُولُ: إِنَّكُمْ لَتُحَرِّمُونَ أَشْياءَ ما جَعَلَهَا اللَّهُ إِلّا مَكْرُوهَةً فَكُلُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلّا ما حَرَّمَ كِتابُ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ﴾» وأخبرنا بعض أصحابنا، قال: «دَخَلَ الْمَنْصُورُ سُوقًا وَأَنا مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى دُكّانٍ فِيهِ الْحِيتانُ فَرَأَى فِيهِ السِّلَوْرَ وَالْمارْماهِيَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَقالَ: أُفٍّ! أُفٍّ! قُلْتُ: أَحَرامٌ هَذا؟ قالَ: لا، إِنَّمَا الْحَرامُ ما حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتابِهِ وَلَكِنَّهُمْ كانُوا يَعافُونَ الشَّيْءَ فَنَحْنُ نَعافُهُ» وكذلك كلّ رواية تخصّص القرآن أو تعمّمه؛ فإنّها إذا تواترت تحمل على الكراهة أو الإستحباب وأمّا روايات الرجم فليست مخالفة للقرآن عندنا؛ لأنّ الرجم ليس عقوبة الزنا، بل هو عقوبة الإفساد في الأرض؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال: «سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهاشِمِيَّ الْخُراسانِيَّ يَقُولُ: الْخَبِيثُ الْمُحْصَنُ مُحارِبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَوْ رُفِعَ إِلَى إِمامٍ عادِلٍ لَأَقامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ثُمَّ قَتَلَهُ، قُلْتُ: كَيْفَ يَقْتُلُهُ؟ قالَ: جَرَتْ سُنَّةُ الْأَنْبِياءِ بِالرَّجْمِ وَلَوْ شاءَ الْإِمامُ لَضَرَبَ عُنُقَهُ» وأخبرنا بعض أصحابنا، قال: «قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ الرَّجْمُ فِي كِتابِ اللَّهِ! قالَ: كَذَبُوا، أَما يَقْرَأُونَ قَوْلَهُ تَعالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا﴾؟! قُلْتُ: بَلَى، قالَ: إِنَّ رَجْمَهُمْ مِنَ التَّقْتِيلِ وَتَحْرِيقَهُمْ بِالنَّارِ مِنَ التَّقْتِيلِ وَهَدْمَ الْجِدارِ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّقْتِيلِ وَقَذْفَهُمْ مِنَ الْجَبَلِ مِنَ التَّقْتِيلِ وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي آثارِهِمْ فَأَخَذَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلافٍ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ تَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَقْضِمُونَ الْحَجَرَ حَتَّى يَهْلِكُوا» وقد صدق اللّه تعالى إذ قال: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ وقال: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾.
٢ . ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾. قلنا: ما تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في صلاة المسافر لا يتعارض مع القرآن أصلًا؛ لأنّ قول اللّه تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما أنّه يريد صلاة المسافر وقد ذكر الخوف من فتنة الكافرين لأنّه كان غالبًا وعلى هذا، فليست له دلالة التزاميّة ولو كانت له دلالة التزاميّة فإنّ علّة جواز القصر هي الخوف لا المخوف لعدم الخصوصيّة وخروج الحكم مخرج التمثيل والسفر لا ينفكّ عن الخوف كما بيّناه وعليه، فإنّ قول اللّه تعالى يدلّ بفحواه على جواز القصر في السفر سواء كانت له دلالة التزاميّة أو لم تكن والوجه الآخر أنّه لا يريد صلاة المسافر، بل يريد صلاة الخوف في القتال والركعتان في السفر ليستا بقصر أصلًا، بل هما فرض السفر؛ كما روي عن عمر أنّه قال: «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ» وهذا وجه يسقط الشبهة من أساسها وعليه، فإنّ قولك بعدم جواز قصر الصلاة من دون خوف مطلقًا لا ينقض قولنا بجواز قصر الصلاة في السفر مطلقًا؛ فتدبّر.
٣ . قلت: «إن كان قصر الصلاة ركعة واحدة وتنتهي بالسجود، فالصلاة الواحدة أساسًا ركعتان تنتهي بالسجود» وليس كما قلت؛ لعدم الملازمة.
٤ . الركوع والخضوع مترادفان. الركوع هو الإنحناء وإنّما يقال للخاضع راكعًا لأنّه يخفض رأسه والخَضَعُ تطامن في العنق ودنوّ من الرأس إِلى الأرض وخَضَع الإنسان خَضْعًا أي أمال رأسه إلى الأرض أو دنا منها وخَضَع هو وأَخْضَع أي انحنى وفي حديث الزبير: أنه كان أَخْضَع أي فيه انحناء قاله ابن منظور؛ كما في قول اللّه تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ وللركوع حقيقة شرعيّة عرفها الصحابة والتابعون وأتباع التابعين والذين من بعدهم إلى يومنا هذا ولم ينقل عنهم فيها خلاف وإنّما أنكرها طليحة بن خويلد الذي كان يدّعى النبوة وينسج للناس الأباطيل ويقول لهم: إن اللّه لا يصنع بقبح أدباركم شيئًا -يعني الركوع- واذكروا اللّه قعودًا وقيامًا وجعل يعيب الصلاة. فهل تريدون أن تتّبعوا طليحة الكذاب كما اتّبعتم مسيلمة الكذاب من قبل؟! ألا تريدون أن تتّبعوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الذي تظهرون الإيمان به؟! ثمّ زعمتم أنّ قول اللّه تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ يشير إلى غيرية الركوع عن الصلاة؛ لأنّ الركوع متحقّق في قوله: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ وإرادة الحاصل عبث! ثمّ رددتم على أنفسكم فقلتم: «إلا أن نقول يُراد من التكرار بيان الأهمّيّة» ثمّ أخذتم في المغالطة فقلتم: «فإن صحّ ذلك فيجوز قولنا أنّ قوله تعالى: ﴿آتُوا الزَّكَاةَ﴾ أيضًا جزء للصلاة لنفس الدليل السابق» وكذبتم؛ لأنّ الدليل السابق يجري بين العامّ والخاصّ وليس بين الصلاة والزكاة عموم وخصوص، بخلاف الصلاة والركوع.
نرجو أن يكون هذا آخر كلامنا معكم إلا أن تتوبوا إلى اللّه وتستغفروه؛ لأنّكم معاشر القرآنيّين تنكرون المعروف بين المسلمين وتجهلون ما يعلمه صبيانهم وعجائزهم وتنقضون الإسلام عروة عروة وتجادلون في آيات اللّه بغير سلطان أتاكم وتشاقّون الرّسول من بعد ما تبيّن لكم الهدى وتتّبعون غير سبيل المؤمنين وتتّبعون أهواءكم وتتّبعون ﴿أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ وتقولون على اللّه ما لا تعلمون وتفترون على اللّه الكذب وأنتم تعلمون و﴿قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ﴾ إذ قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال: «سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾، قالَ: إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلَى كِتابِ اللَّهِ وَإِلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ، رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سُنَّةِ الرَّسُولِ صُدُودًا، يَقُولُونَ: حَسْبُنا كِتابُ اللَّهِ» وأخبرنا بعض أصحابنا، قال: «قالَ الْمَنْصُورُ: مَنِ اسْتَغْنَى بِكِتابِ اللَّهِ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كافِرٌ حَقًّا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾! قُلْتُ: وَما يُرِيدُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾؟! قالَ: يُؤْمِنُونَ بِما جاءَهُمْ عَنِ اللَّهِ وَيَكْفُرُونَ بِما جاءَهُمْ عَنْ رُسُلِهِ».
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة