إنّ قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ﴾ إلى آخره مبيّن لكيفيّة صلاة الخوف ولا تعلّق له بالصلاة في غير الخوف كما هو ظاهر من ذكر الحذر والأسلحة. نعم، يظهر منه أنّ صلاة الخوف ركعة واحدة؛ كما روي عن ابن عباس أنّه قال: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» وروي عن يزيد بن صهيب أنّه قال: «سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَقْصُرُهُمَا؟ قَالَ جَابِرٌ: إِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ لَيْسَتَا بِقَصْرٍ، إِنَّمَا الْقَصْرُ رَكْعَةٌ عِنْدَ الْقِتَالُ، قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْقِتَالِ إِذْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَصَفَّ طَائِفَةً خَلْفَهُ وَقَامَتْ طَائِفَةٌ وُجُوهُهَا قِبَلَ وُجُوهِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ إِنَّ الَّذِينَ صَلَّوْا خَلْفَهُ انْطَلَقُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ، فَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَفُّوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ، فَسَلَّمَ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَلْفَهُ وَسَلَّمُوا أُولَئِكَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً» وبه قال الحسن البصري وطاوس ومجاهد وأصحاب الظاهر وهو رواية عن أهل البيت وقال ابن الجنيد: إن كانت الحالة مصافة الحرب والمواقفة والتعبئة والتهيؤ للمناوشة من غير بداية، صلّى الإمام بالفرقة الأولى ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا وسلّم القوم بعضهم على بعض في مصافهم وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم صلّى كذلك بعسفان وقال بعض الرواة: فكانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ركعتان ولكلّ طائفة ركعة وقال جمهور العلماء: لكلّ طائفة ركعتان وهو الرواية المشهورة عن أهل البيت ويمكن جمعه مع قول اللّه تعالى؛ لأنّ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَجَدُوا﴾ غير صريح بالسجود في الركعة الأولى، فلعلّ المراد به السجود في الركعة الثانية.
أمّا قولك بأنّ صلاة الخوف قيام وسجود فهو وهم؛ لأنّ اللّه تعالى لم يكن في مقام بيان أعمال صلاة الخوف كلّها، بل كان في مقام بيان أوّلها وآخرها، لتعلّق الحكم بهما؛ فذكر أوّلها فقال: ﴿فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ﴾ وذكر آخرها فقال: ﴿فَإِذَا سَجَدُوا﴾ ولا شكّ أنّ إثبات الشيء لا ينفي ماعداه والأمر لا يخصّص بالسكوت وقد أمر اللّه تعالى بالركوع في آيات أخرى فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ وقال: ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ وعليه، فإنّ الركوع واجب في كلّ صلاة والركعة لا يقال لها ركعة إلا باعتبار الركوع.
نعيذك باللّه -يا أخانا- من تفسير القرآن بالرأي والقول فيه بغير علم واتّباع ما تشابه منه؛ فإنّما يفعل ذلك الذين في قلوبهم زيغ ويبتغون الفتنة وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «مَا عَلِمْتُمْ فَقُولُوا وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَقُولُوا اللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِعُ الْآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فِيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة