ما رأي العلامة الخراسانيّ حول الأبدال؟
المراد بـ«الأبدال» عدد من أولياء اللّه وعباده الصالحين، وإنّما سمّوا بذلك لأنّه كلّما مات منهم واحد أبدل اللّه مكانه آخر كي لا تخلو الأرض منهم أبدًا، أو لأنّهم أبدال الأنبياء، والقول بوجودهم كان مشهورًا بين السلف، ولم يرد من أحدهم إنكار ذلك مع شهرته بينهم، وهذا ما يعتبره البعض إجماع السلف، ولكنّ المتأخّرين اختلفوا في وجودهم، فأنكره بعض وأثبته بعض، وممّن أنكره ابن الجوزي؛ فإنّه أورد ما جاء في ذلك من الروايات في الموضوعات وطعن فيها واحدًا واحدًا[١]، وكذلك ابن تيميّة؛ فإنّه نفى ورود لفظ الأبدال في خبر صحيح أو ضعيف محتمل إلا في خبر منقطع[٢]، وشنّع عليه المناوي فقال: «قد أبانت هذه الدعوى عن تهوّره ومجازفته، وليته نفى الرؤية، بل نفى الوجود وكذّب من ادّعى الورود»[٣]، وممّن أثبته السيوطي؛ فإنّه قال في النكت البديعات: «خبر الأبدال صحيح فضلًا عمّا دون ذلك، وإن شئت قلت: متواتر، وقد أفردته بتأليف استوعبت فيه طرق الأحاديث الواردة في ذلك، والحاصل أنّه ورد من حديث عمر أخرجه ابن عساكر من طريقين، وعليّ أخرجه أحمد والطبرانيّ والحاكم وغيرهم من طرق أكثر من عشرة بعضها على شرط الصحيح، وأنس وله ستّ طرق منها طريق في معجم الطبرانيّ الأوسط حسّنه الهيثميّ في مجمع الزوائد، وعبادة بن الصامت أخرجه أحمد بسند صحيح، وابن عبّاس أخرجه أحمد في الزهد بسند صحيح، وابن عمر وله ثلاث طرق في المعجم الكبير للطبرانيّ وكرامات الأولياء للخلال والحلية لأبي نعيم، وابن مسعود وله طريقان في المعجم الكبير والحلية، وعوف بن مالك أخرجه الطبرانيّ بسند حسن، ومعاذ بن جبل أخرجه الديلميّ، وأبي سعيد الخدريّ أخرجه البيهقيّ في الشعب، وأبي هريرة وله طريق أخرى غير التي أوردها ابن الجوزيّ أخرجها الخلال في كرامات الأولياء، وأمّ سلمة أخرجه أحمد وأبو داود في سننه والحاكم والبيهقيّ وغيرهم، ومن مرسل الحسن أخرجه ابن أبي الدنيا في السخاء والبيهقيّ في الشعب، ومن مرسل عطاء أخرجه أبو داود في مراسيله، ومن مرسل بكر بن خنيس أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء، ومن مرسل شهر بن حوشب أخرجه ابن جرير في تفسيره، وأمّا الآثار عن الحسن البصريّ وقتادة وخالد بن معدان وأبي الزاهرية وابن شوذب وعطاء وغيرهم من التابعين فمن بعدهم فكثيرة جدًّا، ومثل ذلك بالغ حدّ التواتر المعنويّ لا محالة بحيث يقطع بصحّة وجود الأبدال ضرورة».
وكيفما كان، فلا ينبغي الشكّ في أنّ الأرض لا تخلو من أولياء اللّه وعباده الصالحين، سواء كانت هذه الروايات ثابتة أم لا؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾[٤]، والمتيقّن منهم خلفاء اللّه في الأرض؛ فإنّهم أبدال الأنبياء، وكلّما مات منهم واحد أبدل اللّه مكانه آخر كي لا تخلو الأرض منهم أبدًا، وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[٥]؛ كما جاء في رواية عن خالد بن الهيثم الفارسيّ أنّه قال: «قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ أَبْدَالًا فَمَنْ هَؤُلَاءِ الْأَبْدَالُ؟ قَالَ: صَدَقُوا، الْأَبْدَالُ هُمُ الْأَوْصِيَاءُ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ بَدَلَ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا رُفِعَ الْأَنْبِيَاءُ وَخُتِمُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٦].