ما حكم رئاسة المرأة ومديريّتها؟ هل يجب أن نعصي الرئيسة والمديرة؟
هل من الجائز مصافحة الزميلات وفقًا للقواعد والمعايير العرفيّة والإجتماعيّة، لا بشهوة؟
ما حكم رئاسة المرأة ومديريّتها؟ هل يجب أن نعصي الرئيسة والمديرة؟
هل من الجائز مصافحة الزميلات وفقًا للقواعد والمعايير العرفيّة والإجتماعيّة، لا بشهوة؟
من المكروه اشتغال المرأة بعمل يتطلّب منها المعاشرة المستمرّة لغير محرم، وإن كان مستلزمًا لوقوعها في الحرام فهو حرام دون أدنى شكّ، ولكن بغضّ النظر عن هذا الجانب، ليس هناك أيّ منع من رئاستها إذا كانت مسلمة عاقلة رشيدة، وطاعتها جائزة في إطار الشريعة؛ كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قبل نبوّته يعمل في قافلة تجاريّة لخديجة رضي اللّه عنها.
نعم، روى أبو بكرة: «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[١]، وهذا -إن ثبت- يدلّ على كراهية رئاسة المرأة، لا سيّما فيما يتعلّق بالملك، ولكنّه يقصر عن إثبات حرمتها لما في كتاب اللّه تعالى من قصّة بلقيس؛ فإنّه تعالى ذكر ملكها ووصفه بالحسن والإنتظام إذ قال: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾[٢] وقال: ﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾[٣]، وأشار إلى حسن عقلها وتدبيرها في أربعة مواضع: الأول أنّها أكرمت كتاب سليمان عليه السلام: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾[٤]، وكان هذا من عقلها، والثاني أنّها لم تكن مستبدّة وكانت تستشير ملأها: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾[٥]، وكان هذا من عقلها، والثالث أنّها لم تقبل ما أشاروا به من محاربة سليمان عليه السلام، بل اختارت الصلح والتودّد بإرسال هديّة نظرًا إلى عاقبة الأمر ومصلحة العامّة: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾[٦]، وكان هذا من حسن تدبيرها، والرابع أنّها أجابت دعوة سليمان عليه السلام وأتته مسلمة بعد أن عرفت أنّه نبيّ لا يريد الدنيا: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[٧]، وكان هذا من عقلها، ولا شكّ أنّ القوم الذي ولّوها أمرهم أفلحوا؛ لأنّها أسلمت وأدخلتهم في الإسلام، ولو أنّهم ولّوا أمرهم إلى رجل من الملأ لهلكوا؛ لأنّهم أشاروا بمحاربة سليمان عليه السلام، وهذا دليل على أنّ الحديث غير ثابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما قال أبو بكر البزار: «لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرُ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٨]، ولو كان ثابتًا فإنّه خرج مخرج الغالب وليس على إطلاقه وبالتالي، لو وجدت امرأة مسلمة لديها ما يكفي من العقل والتدبير فلا مانع من رئاستها، إن لم يكن هناك مانع آخر.
أمّا مصافحة المسلمة الأجنبيّة فلا تجوز وإن كانت بدون ريبة وتلذّذ، إلا أن تكون من وراء حائل مثل القفّاز، فإن كانت من وراء حائل مثل القفّاز فلا بأس بها إذا لم يكن معها ريبة أو تلذّذ أو غمز؛ لأنّها لا تعتبر لمس جسدها، ولكن لمس الحائل؛ كما روى سماعة بن مهران قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مُصَافَحَةِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَافِحَ الْمَرْأَةَ إِلَّا امْرَأَةً يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، أُخْتٌ أَوْ بِنْتٌ أَوْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوِ ابْنَةُ أُخْتٍ أَوْ نَحْوُهَا، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَا يُصَافِحْهَا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ وَلَا يَغْمِزْ كَفَّهَا»[٩]، وروى أبو بصير قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَلْ يُصَافِحُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ بِذِي مَحْرَمٍ؟ فَقَالَ: لَا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ»[١٠]، وروت سعيدة وأيمنة أختا محمّد بن أبي عمير، قالتا: «دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْنَا: تَعُودُ الْمَرْأَةُ أَخَاهَا فِي اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: فَتُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ مِنْ وَرَاءِ ثَوْبٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الصُّوفَ يَوْمَ بَايَعَ النِّسَاءَ، فَكَانَتْ يَدُهُ فِي كُمِّهِ وَهُنَّ يَمْسَحْنَ أَيْدِيَهُنَّ عَلَيْهِ»[١١]، والأحوط ترك مصافحة الكتابيّة الأجنبيّة، وإن احتمل جوازها بدون ريبة وتلذّذ؛ لأنّ أدلّة المنع منصرفة إلى المسلمة، وليست للكافرة حرمة، ولذلك يجوز النظر إليها بدون ريبة وتلذّذ؛ كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا حُرْمَةَ لِنِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى شُعُورِهِنَّ وَأَيْدِيهِنَّ»[١٢]، وفي رواية أخرى: «لَيْسَ لِنِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ حُرْمَةٌ، لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِنَّ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ»[١٣] يعني ما لم يتلذّد بذلك، وروي عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى رُؤُوسِ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ»[١٤]، وروي عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى رُؤُوسِ أَهْلِ التِّهَامَةِ وَالْأَعْرَابِ وَأَهْلِ السَّوَادِ وَالْعُلُوجِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا نُهُوا لَا يَنْتَهُونَ، وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمَغْلُوبَةِ عَلَى عَقْلِهَا، وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شَعْرِهَا وَجَسَدِهَا مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ»[١٥] يعني ما لم يتلذّد بذلك؛ لأنّ جواز ذلك مع عدم التعمّد لا يختصّ بهذه الأصناف، وبهذا قال سفيان الثوريّ فيما حكي عنه[١٦]، إذ قال: «لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى زِينَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إِنَّمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، لَا لِحُرْمَتِهِنَّ» واستدلّ بقوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[١٧]، وروي عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «إِنَّمَا كُرِهَ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ، فَأَمَّا النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ مِثْلُ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْحِمَارِ»[١٨] يعني أنّه جائز بدون ريبة وتلذّذ؛ لأنّهم ﴿كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾[١٩]، وإن خاف المسلم ضررًا مهمًّا على نفسه في ترك مصافحة الكتابيّة الأجنبيّة، كما يحدث أحيانًا في بعض بلاد الكافرين، فلا جناح عليه أن يصافحها بدون ريبة وتلذّذ؛ لأنّ ذلك تقيّة يدفع بها حرجًا، وقد قال اللّه تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ﴾[٢٠] وقال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾[٢١].