ما رأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في لعبة الشطرنج؟
كلّ لعبة فيها فائز وخاسر مكروهة، إلا ما يزيد بشكل مباشر من استعداد المسلمين للجهاد، والدليل على ذلك قول اللّه تعالى في الندب إلى التنافس والمسابقة في الخيرات ممّا يدلّ بفحواه على كراهية التنافس والمسابقة في غيرها، لا سيّما بالنظر إلى أنّ التنافس والمسابقة قد يؤدّي إلى العداوة والبغضاء، والمكروهة هي اللعبة التي لا يؤخذ فيها من الخاسر مال للفائز، وأمّا اللعبة التي يؤخذ فيها من الخاسر مال للفائز فإنّها حرام بلا خلاف؛ لأنّها ميسر. هذه هي القاعدة في اللعبات، ولكنّ الظاهر أنّ الشّطرنج حرام وإن لم تكن ميسرًا، وذلك لسببين: أحدهما أنّها اتّخاذ التماثيل وهو غير جائز؛ كما روي عن عليّ عليه السلام «أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشَّطْرَنْجِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟»[١] وهذا قول مشهور من عليّ عليه السلام؛ كما قال مهنّأ: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ اللَّعْبِ بِالشَّطْرَنْجِ، هَلْ تَعْرِفُ فِيهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا قَوْلَ عَلِيٍّ»[٢]، وقال البيهقيّ: «وَلِهَذَا شَوَاهِدُ عَنْ عَلِيٍّ»[٣]، وروي عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنّه سأل أباه عن التماثيل؟ فقال: «لَا يَصْلُحُ أَنْ يُلْعَبَ بِهَا»[٤] والظاهر أنّه أراد الشّطرنج، وقال بعض أصحابنا:
«سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾[٥]، فَقَالَ: الرِّجْسُ مِنَ الْأَوْثَانِ الشَّطْرَنْجُ وَقَوْلُ الزُّورِ الْغِنَاءُ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَعَبْتُ بِالشَّطْرَنْجِ دُونَ قِمَارٍ؟ قَالَ: دَعْهَا فَإِنَّهَا تَجْذِبُ الشَّيَاطِينَ كَمَا تَجْذِبُ الْقَاذُورَةُ الذِّبَّانَ، قُلْتُ: مَا لَهُمْ وَلِلشَّطْرَنْجِ؟! قَالَ: يُعْجِبُهُمْ لَوْنُهَا وَأَوْثَانُهَا».
وممّا يدلّ على هذا ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَلْعَبُونَ الْأَزْلَامَ الشَّطْرَنْجَ وَالنَّرْدَ، فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَلَا تَرُدُّوا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا وَأَكَبُّوا عَلَيْهَا جَاءَ إِبْلِيسُ أَخْزَاهُ اللَّهُ بِجُنُودِهِ فَأَحْدَقَ بِهِمْ كُلَّمَا ذَهَبَ رَجُلٌ يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنِ الشِّطْرَنْجِ لَكَزَ فِي ثَغْرِهِ، وَجَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فَأَحْدَقُوا بِهِمْ وَلَمْ يَدْنُوا مِنْهُمْ فَمَا زَالُوا يَلْعَنُونَهُمْ حَتَّى يَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا حِينَ يَتَفَرَّقُونَ كَالْكِلَابِ اجْتَمَعَتْ عَلَى جِيفَةٍ فَأَكَلَتْ مِنْهَا حَتَّى مَلَأَتْ بُطُونَهَا ثُمَّ تَفَرَّقَتْ»[٦]، والسبب الثاني أنّها أصبحت الآن رمزًا للشيطانيّين والماسونيّين، كما كانت من قبل لعبة للأكاسرة وأشباههم، ومن المعلوم أنّ التشبّه بهم غير جائز، ولذلك روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «الشَّطْرَنْجُ مَيْسِرُ الْأَعَاجِمِ»[٧]، وسئل عنها أبو جعفر عليه السلام فقال: «دَعُونَا مِنْ هَذِهِ الْمَجُوسِيَّةِ»[٨]، وسئل عنها ابنه جعفر عليه السلام فقال: «دَعُوا الْمَجُوسِيَّةَ لِأَهْلِهَا لَعَنَهَا اللَّهُ»[٩]، وروي عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال إنّ يزيد بن معاوية كان يلعب بالشطرنج وعنده رأس الحسين عليه السلام، ثمّ قال: «فَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَلْيَتَوَرَّعْ عَنِ اللَّعْبِ بِالشَّطْرَنْجِ»[١٠]، والقول بتحريمها ثابت عن أهل البيت عليهم السلام بالروايات المتواترة[١١]، وروي عن ابن عبّاس أنّه ولي مالًا ليتيم فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها ولو كان اللعب بها حلالًا لما جاز له إحراقها، وروي عن ابن عمر أنّه قال: «هِيَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ» يعني أنّها حرام من باب أولى؛ لأنّ النرد حرام عندهم، وروي عن أبي موسى أنّه قال: «لَا يَلْعَبُ بِالشَّطْرَنْجِ إِلَّا خَاطِئٌ»، وروي أنّ أبا سعيد الخدريّ كان يكره أن يلعب بالشّطرنج، وروي عن الزهريّ أنّه قال: «هِيَ مِنَ الْبَاطِلِ وَلَا يُحِبُّ اللَّهُ الْبَاطِلَ»، وروي مثله عن سعيد بن المسيّب، وروي عن محمّد بن كعب القرظيّ أنّه قال: «أَدْنَى مَا يَكُونُ فِيهَا أَنَّ اللَّاعِبَ بِهَا يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْبَاطِلِ»، وروي عن إبراهيم النخعيّ أنّه قال: «إِنَّهَا مَلْعُونَةٌ فَلَا تَلْعَبْ بِهَا»، وروي عن محمّد بن سيرين أنّه قال: «لَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ مَنْ يَلْعَبُ بِالشَّطْرَنْجِ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا»، وقال وكيع وسفيان في قول اللّه تعالى: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾[١٢]: «هِيَ الشَّطْرَنْجُ»، وقيل لإسحاق بن راهويه: «أَتَرَى فِي اللَّعْبِ بِالشَّطْرَنْجِ بَأْسٌ؟» فقال: «الْبَأْسُ كُلُّهُ فِيهِ»، فقيل له: «إِنَّ أَهْلَ الثُّغُورِ يَلْعَبُونَ بِهَا لِأَجْلِ الْحَرْبِ»، فقال: «هُوَ فُجُورٌ»، وروي عن مالك أنّه قال: «لَا خَيْرَ فِي الشَّطْرَنْجِ» وقال: «أَمَّا الْمُدْمِنُ عَلَى لَعْبِ الشَّطْرَنْجِ فَلَا أَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ» وقال: «أَوَّلُ مَنْ جَاءَ بِالشَّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، تَعَلَّمَ ذَلِكَ فِي الْحِيرَةِ»، وروي تحريمها عن أبي حنيفة وأحمد، بل روي عن عبد اللّه بن نافع أنّه قال: «مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُهَا»، وقد بلغ من كراهية المنصور لها أنّه امتنع من الجلوس على بساط لونه لون الشّطرنج وقال: «إِنَّهُ مَجْلِسُ الشَّيَاطِينِ»!