ما حكم النذر للإمام الحسين عليه السلام وسائر أهل البيت عليهم السلام؟ هذا أمر شائع جدًّا بين الشيعة في أيّام محرّم وصفر.
النذر عبادة، ولذلك يجب أن يكون للّه، ولا يجوز النذر لغيره ولا ينعقد، والمراد بالنذر للّه هو أن ينوي الناذر مثلًا: «نذرت للّه أنّه إذا قضى لي حاجتي الفلانيّة فسأطعم المعزّين للإمام الحسين كلّ عام في شهر محرّم». مثل هذا النذر صحيح ولا بأس به، ولكن إن نوى: «نذرت للإمام الحسين»، فنذره باطل. بغضّ النظر عن حقيقة أنّ الأفضل للناذر أن ينذر أعمالًا أحسن وأكثر فائدة؛ مثل إطعام المساكين، ورعاية الأيتام، ومساعدة الشباب على النكاح، ودعم الممهّدين لظهور المهديّ؛ لأنّ المعزّين للإمام الحسين غالبًا لا يحتاجون إلى طعامه، ويأكلون ويشربون في أيّام الحداد عليه أكثر ممّا في أيّام عيدهم وسرورهم!
النذر عبادة، ولذلك يجب أن يكون للّه وحده؛ كما قال سبحانه: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[١]، وحكى عن امرأة عمران أنّها قالت: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[٢]. فإن كانت نيّتك النذر للّه ولأهل البيت معًا، فنذرك باطل؛ كما إذا كانت نيّتك الصلاة والصوم للّه ولأهل البيت معًا، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[٣]، ومن الواضح أنّ كون أهل البيت أولياء اللّه وشفعاء الناس يوم القيامة ليس دليلًا لجواز عبادتهم مع اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[٤]، وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[٥]، وقال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[٦]، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[٧]. هذه الآيات كلّها تدلّ بصراحة على عدم جواز إشراك النبيّين والصالحين في عبادة اللّه، فمن أشركهم فيها وهو يدّعي تشيّعهم فقد ناقض نفسه؛ لأنّه أتى ما كانوا ينهون عنه، وشيعة الرّجل من يتّبعه؛ كما جاء عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام أنّه قال: «إِنَّمَا شِيعَتُنَا مَنْ تَابَعَنَا وَلَمْ يُخَالِفْنَا»[٨]، وعن جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام أنّه قال: «لَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ وَخَالَفَنَا فِي أَعْمَالِنَا وَآثَارِنَا، وَلَكِنْ شِيعَتُنَا مَنْ وَافَقَنَا بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَاتَّبَعَ آثَارَنَا وَعَمِلَ بِأَعْمَالِنَا، أُولِئَكَ مِنْ شِيعَتِنَا»[٩].
شكرًا جزيلًا على الإجابه عن سؤالي، ولكن أريد أن أسأل ماذا أفعل لكي أتحرّر من النذر، هل هناك كفّارة؟ لأنّ سماحتكم تقولون أنّه لا يصحّ النذر للّه وأهل البيت معًا. فماذا أفعل لأبرئ ذمّتي؟ وشكرًا مرّة أخرى لتفضّلكم.
النذر إذا كان باطلًا لا يجب الوفاء به ولا الكفّارة عنه، وإنّما يجب الإستغفار منه؛ لأنّه كان عملًا سيّئًا، ولكن إن كان اللّه تعالى قد قضى حاجتك التي نذرت لأجلها نذرًا باطلًا فيستحبّ أن تأتي بالعبادة التي نذرتها بنيّة الشكر، لا بنيّة الوفاء ولا الكفّارة، وإن لم يكن قد قضى حاجتك بعد، فيمكنك إعادة نذرك بشكل صحيح إن شئت، والإكثار من الدّعاء خير من النذر؛ فقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»[١]، وفي رواية عنه وأهل بيته: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الدُّعَاءُ»[٢].