هل عقل كلّ شخص ناضج بما يكفي ليكون معيار التشخيص؟

هل عقل كلّ شخص ناضج بما يكفي ليكون معيار التشخيص؟
إنّ عقل كلّ شخص، إذا كان ناضجًا بما يكفي ليكون معيار التشخيص، فإنّه يعتبر مكلّفًا، وإذا لم يكن ناضجًا لهذه الدرجة فلا يعتبر مكلّفًا، مثل عقل الصغار والمجانين؛ لأنّ التكليف قائم على قوّة التشخيص، وتكليف من لا يتمتّع بهذه القوّة يتعارض مع العدل، في حين أنّ اللّه تعالى ليس بظالم؛ كما قال: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[١]. من هذا يعلم أنّ عقل المكلّفين ناضج بما يكفي ليكون معيار التشخيص، وإن كان لديه مراتب ومستويات مختلفة؛ لأنّه وفقًا للتعبير الدقيق للسيّد المنصور الهاشميّ الخراسانيّ في الكتاب القيّم «العودة إلى الإسلام»[٢]، «فإنّ العقل بمعنى قوّة الفكر والعلم، على الرّغم من أنّه في بعض النّاس أكثر من بعض، إلّا أنّه موجود في جميع النّاس بما فيه الكفاية، وهذا يكفي لوحدته كمعيار للمعرفة؛ لأنّ اللّه العادل قد وهب لكلّ إنسان مكلّف حظًّا كافيًا من العقل، وزيادته في بعض فضل منه قد آتاهم، دون أن تكون ظلمًا للآخرين؛ كما قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[٣]. بالإضافة إلى أنّ عقل بعض النّاس يكمّل عقل بعضهم في عمليّة طبيعيّة ومتبادلة؛ لأنّهم يتعاملون مع بعضهم البعض، ومن خلال التشاور يخلقون عقلًا جماعيًّا يسدّ نقص العقل الفرديّ؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ﴾[٤]».
على أيّ حال، من الواضح أنّ عقل الإنسان هو أداته الوحيدة للتشخيص؛ لأنّه إذا كان لا يمكنه التشخيص بعقله، فبأيّ عضو من أعضائه يمكنه أن يشخّص؟! نعم، يكون عقله قادرًا على التشخيص عندما لا يكون مبتلى بموانع المعرفة؛ لأنّ موانع المعرفة ستمنعه من التشخيص، وهذا هو السّبب في أنّ الكثير من الناس لا ينجحون في التشخيص؛ بالنظر إلى أنّهم مبتلون بموانع مثل الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدنيويّة والتعصّب والتكبّر والنزعة الخرافيّة ومن ثمّ، لا يمكنهم الإستفادة من عقولهم كما ينبغي. من هذا يعلم أنّ فشل الناس في التشخيص يرجع إلى «موانع المعرفة»، ولا يرجع إلى «معيار المعرفة»؛ لأنّ معيار المعرفة هو نور من الملكوت وليس فيه ظلمة، لكنّ موانع المعرفة هي التي تمنع كحجب من وصوله إلى بعض الأشياء، وتدخلها في الظلمات.