كاتب السؤال: أبو محمّد تاريخ السؤال: ١٤٤٦/٩/١١

يقال أنّ هناك جنّيًّا صالحًا يسخّره اللّه لأشخاص من البشر يستخدمونه في نشر الخير والصلاح ومحاربة الشرّ والفساد بين البشر. هل هذا القول صحيح؟ وإن كان صحيحًا فهل سُخّر لهم الجنّيّ الصالح بدون أن يمارسوا السحر الذي لا يمارس إلّا بالكفر؟ ثمّ هل يستطيع الشخص الذي سُخّر له الجنّيّ الصالح أن يعرف ما أخفيه في نفسي، أو لا يستطيع ذلك إلّا ساحر سُخّر له القرين الشيطانيّ؟ أفيدوني وجزاكم اللّه خيرًا.

الاجابة على السؤال: ٢٢ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٦/٩/١٩

لقد روي عن أهل البيت عليهم السلام أنّهم قالوا: «إِنَّ لَنَا خَدَمًا مِنَ الْجِنِّ، فَإِذَا أَرَدْنَا السُّرْعَةَ بَعَثْنَاهُمْ»[١]، ولا يبعد صحّة هذه الرواية؛ فقد قال اللّه تعالى في قصّة سليمان عليه السلام: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ[٢]، وهذا يدلّ على أنّ من الجنّ من يفعل مثل ذلك لخلفاء اللّه، ولعلّه يحصل لبعض الصالحين أيضًا، ولكنّه من باب الكرامة، وليس بتسبّب منهم؛ لأنّ التسبّب إليه يدخل في باب الإستعاذة بالجنّ، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[٣]، أو يدخل في باب الكهانة؛ كما روي «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: لَيْسُوا بِشَيْءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ يُخْبِرُونَا بِأَشْيَاءَ تَكُونُ حَقًّا، قَالَ: تِلْكَ كَلِمَةُ حَقٍّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ»[٤]، والكهانة تعادل الكفر؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَنْ تَكَلَّفَ عِلْمَ الْغَيْبِ فَهُوَ كَاهِنٌ، وَالْكَاهِنُ طَاغُوتٌ، قُلْتُ: وَمَا تَكَلُّفُ عِلْمِ الْغَيْبِ؟ قَالَ: طَلَبُهُ بِشَيْطَانٍ، أَوْ نَجْمٍ، أَوْ سَهْمٍ، أَوْ خَطٍّ، أَوْ حَرْفٍ، أَوْ عَدَدٍ، أَوْ قَدَحٍ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ مِرْآةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، قُلْتُ: فَمَنْ طَلَبَهُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ فَهُوَ كَاهِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ كَافِرٌ.

بل روي «أَنَّ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٥]، وهذا يدلّ على أنّ الكهانة زيادة في الكفر.

أمّا ما تخفي الصدور فلا يعلمه إلّا اللّه؛ كما قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ[٦]، ولكنّ اللّه قد يوحيه إلى الملائكة، فيخطفه الجنّيّ، فيقذفه في أذن الكاهن، ولذلك ليس الإخبار بما في الصدور دليلًا على صدق المدّعي، إلّا مقرونًا بغيره؛ كما قال عيسى عليه السلام: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[٧]؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ الإخبار بما في الصدور قد يكون من باب التوسّم والفراسة، وهو شائع جدًّا بين أصحاب العرافة والشعوذة، واللّه يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ[٨].

↑[١] . بصائر الدرجات للصفار، ص١١٦؛ الكافي للكليني، ج١، ص٣٩٥؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، ج٣، ص٣٢٣
↑[٢] . النّمل/ ٣٩
↑[٣] . الجنّ/ ٦
↑[٤] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٢١٠؛ تفسير عبد الرزاق، ج٢، ص٤٦٨؛ مسند أحمد، ج٤١، ص١١٧؛ صحيح البخاري، ج٧، ص١٣٦؛ صحيح مسلم، ج٧، ص٣٦؛ مستخرج أبي عوانة، ج١٧، ص٥٣٦؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج٦، ص١١١؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٨، ص٢٣٨
↑[٥] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٢١٠؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج١، ص٣٠٠؛ مسند ابن الجعد، ص٢٨٩؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٥، ص٤٢؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج١، ص٤٢٣؛ مسند أحمد، ج١٥، ص٣٣١؛ مسند الدارمي، ج١، ص٧٣٢؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٢٠٩؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١٥؛ مسند البزار، ج٥، ص٢٥٦، ج٩، ص٥٢؛ مستطرفات السرائر لابن إدريس، ص١٥٢
↑[٦] . آل عمران/ ١١٩
↑[٧] . آل عمران/ ٤٩
↑[٨] . الزّمر/ ٣٧