كاتب السؤال: محمّد تاريخ السؤال: ١٤٤٦/٧/١٧

ما حكم قتل الكلاب السائبة؟ وما حكم العمل في الشركات التي تقوم بذلك؟ شكرًا جزيلًا

الاجابة على السؤال: ٢١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٦/٨/١

لا خلاف في جواز قتل العقور من الكلاب، لظهور الضرر في بقائه، ولكن اختُلف في جواز قتل سائر الكلاب؛ فقال قوم بجوازه، لما روي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ»[١]، وظاهرها العموم، بل روي أنّه أمر بعض أصحابه أن لا يدع كلبًا إلّا قتله[٢]، فقتل الكلاب كلّها غير كلب واحد لامرأة من البادية قالت: «إِنِّي امْرَأَةٌ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ، وَإِنَّ هَذَا الْكَلْبَ يَطْرُدُ عَنِّي السِّبَاعَ، وَيُؤْذِنُنِي بِالْجَائِي، فَائْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَاذْكُرْ لَهُ ذَلِكَ»، فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وذكر ذلك له، فأمره بقتله[٣]، وقال قوم بأنّه غير جائز؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نهى عنه بعد الأمر به، فصار منسوخًا؛ كما روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»[٤]، وروي عن عبد اللّه بن مغفّل، قال: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: مَالِي وَلِلْكِلَابِ؟!»، أو قال: «مَا بَالُ الْكِلَابِ؟!»، أو قال: «مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟!»[٥]، وقال: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ»[٦]، وهذا صريح في النسخ، ولذلك لا يجوز قتل الكلاب إلّا العقور والأسود البهيم منها، وقد قيل: «إِنَّ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ مِنْهَا أَضَرُّهَا وَأَعْقَرُهَا، وَالْكَلِبُ إِلَيْهِ أَسْرَعُ مِنْهُ إِلَى جَمْعِهَا، وَهُوَ مَعَ هَذَا أَقَلُّهَا نَفْعًا، وَأَسْوَؤُهَا حِرَاسَةً، وَأَبْعَدُهَا مِنَ الصَّيْدِ، وَأَكْثَرُهَا نُعَاسًا، وَقَالَ: هُوَ شَيْطَانٌ يُرِيدُ: أَنَّهُ أَخْبَثُهَا، كَمَا يُقَالُ: فَلَانٌ شَيْطَانٌ»[٧]، ولذلك رخّص في قتله.

هذان قولان لأهل العلم، والقول الأوّل أقرب من الصواب؛ لأنّه روي أنّ أبا بكر أمر بقتل الكلاب، ولعبد اللّه بن جعفر كلب تحت سرير أبي بكر، فقال: «يَا أَبَتِ، كَلْبِي»، فقال: «لَا تَقْتُلُوا كَلْبَ ابْنِي»، ثمّ أمر به فأُخذ[٨]، وروي أنّ عثمان أيضًا كان يأمر بقتل الكلاب[٩]، ولم يُرو عن أحد من الصحابة مخالفتهما، وفي هذا دلالة على أنّ ذلك لم يكن عندهم منسوخًا، ولكن ليس المراد جواز قتل الكلاب عبثًا؛ كيف؟! وقد روي فضل الإحسان بكلّ مخلوق، والترحّم عليه؛ كما روي: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»[١٠]، وروي: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»[١١]، وروي: «إِنَّ بَغِيَّةً مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ، وَكَلْبٌ عَلَيْهَا يَلْهَثُ كَادَ أَنْ يَنْقَطِعَ عُنُقُهُ عَطَشًا، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ، فَسَقَتْهُ حَتَّى رَوَى، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهَا بِرَحْمَتِهَا الْكَلْبَ، وَتَابَ عَلَيْهَا»[١٢]، بل المراد جواز قتل الكلاب إذا كان في ذلك مصلحة، وهذا ما نبّه عليه سيّدنا المنصور حفظه اللّه تعالى؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:

سَأَلْتُهُ عَنْ قَتْلِ الْكِلَابِ، فَقَالَ: كَثُرَتِ الْكِلَابُ فِي الْمَدِينَةِ، حَتَّى تَأَذَّى النَّاسُ مِنْهَا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا، قُلْتُ: قَتْلِهَا جَمِيعًا، أَوْ قَتْلِ مَا يُؤْذِي مِنْهَا؟ قَالَ: إِنَّهَا إِذَا كَثُرَتْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ نَوْمٌ، أَلَمْ تَسْمَعْ نُبَاحَهَا بِاللَّيَالِي؟! أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ آذَتْنِي لَيْلَةً حَتَّى قُلْتُ: مَا بَالُهَا؟! قَاتَلَهَا اللَّهُ! فَإِذَا كَثُرَتْ عَلَى النَّاسِ بِمَا آذَاهُمْ جَازَ لِلْإِمَامِ تَقْلِيلُهَا، فَسَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ دَابَّةً عَبَثًا أَوْ عَذَّبَهَا عُذِّبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

بناء على هذا، يجوز قتل الكلاب إذا آذت الناس، أي أخلّت بأمنهم أو صحّتهم أو راحتهم، ولا يجوز قتلها في غير هذه الحالة، ولا يجوز تعذيبها مطلقًا.

↑[١] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١٠، ص٤٣٢؛ موطأ مالك (رواية يحيى)، ج٢، ص٩٦٩؛ مسند الشافعي، ص١٤٢؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٢٦٢؛ مسند أحمد، ج١٠، ص٣١٢؛ مسند الدارمي، ج٢، ص١٢٧٦؛ صحيح البخاري، ج٦، ص١٣٠؛ صحيح مسلم، ج٥، ص٣٥؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٠٦٨؛ سنن النسائي، ج٧، ص١٨٤
↑[٢] . انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٢٦٢؛ مسند أحمد، ج١٠، ص٣٩٨؛ صحيح مسلم، ج٥، ص٣٦؛ المحاسن للبرقي، ج٢، ص٦١٣؛ مسند الروياني، ج١، ص٤٥٩؛ الكافي للكليني، ج٦، ص٥٢٨.
↑[٣] . انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٢٦٢؛ مسند أحمد، ج٤٥، ص١٦٧؛ المنتخب من مسند عبد بن حميد، ص٢٥٤؛ صحيح مسلم، ج٥، ص٣٤؛ مسند الروياني، ج١، ص٤٥٨؛ مستخرج أبي عوانة، ج١٢، ص٣٥١؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٤، ص٥٣.
↑[٤] . انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٢٦٣؛ مسند أحمد، ج٢٢، ص٤٣٤؛ صحيح مسلم، ج٥، ص٣٦؛ سنن أبي داود، ج٣، ص١٠٨؛ مستخرج أبي عوانة، ج١٢، ص٣٥٢؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٦، ص١٧.
↑[٥] . انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٢٦٢؛ مسند أحمد، ج٢٧، ص٣٤٧؛ مسند الدارمي، ج٢، ص١٢٧٥؛ صحيح مسلم، ج١، ص١٦٢؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٠٦٨؛ سنن أبي داود، ج١، ص١٩؛ مستخرج أبي عوانة، ج٢، ص٣٣٨؛ سنن الدارقطني، ج١، ص١٠٧.
↑[٦] . مسند ابن الجعد، ص٤٦٢؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٢٦٣؛ مسند أحمد، ج٢٧، ص٣٤٣؛ المنتخب من مسند عبد بن حميد، ص١٨١؛ مسند الدارمي، ج٢، ص١٢٧٦؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٠٦٩؛ سنن أبي داود، ج٣، ص١٠٨؛ سنن الترمذي، ج٣، ص١٥٢؛ سنن النسائي، ج٧، ص١٨٥
↑[٧] . تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري، ص٢٠٨
↑[٨] . انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٦، ص٤٦٥؛ الحيوان للجاحظ، ج١، ص١٨٥؛ فضائل الصحابة للدارقطني، ص٤٨؛ المخلّصيات لأبي طاهر المخلّص، ج١، ص٣٠٨.
↑[٩] . انظر: الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٣؛ الأم للشافعي، ج٣، ص١٣؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٢٦٣؛ مسند أحمد، ج١، ص٥٤٣؛ الأدب المفرد للبخاري، ص٤٤١؛ تفسير الطبري، ج١٢، ص٣٦٧؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٦، ص١١.
↑[١٠] . السنن المأثورة للشافعي، ص٤١٣؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٢، ص٤٤٣؛ مصنف عبد الرزاق، ج٤، ص٤٩٢؛ مسند ابن الجعد، ص١٩٢؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٥، ص٤٥٥؛ مسند أحمد، ج٢٨، ص٣٣٧؛ صحيح مسلم، ج٦، ص٧٢؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٠٥٨؛ سنن أبي داود، ج٣، ص١٠٠؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٧٨؛ سنن النسائي، ج٧، ص٢٢٧
↑[١١] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٢٩٨؛ مصنف عبد الرزاق، ج٣، ص٥٥٢؛ مسند الحميدي، ج٢، ص٢٦٣؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٥، ص٢١٥؛ مسند أحمد، ج١٢، ص١٧؛ صحيح البخاري، ج٨، ص٧؛ صحيح مسلم، ج٧، ص٧٧؛ سنن أبي داود، ج٤، ص٣٥٥؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٤٧٤؛ مسند البزار، ج٩، ص٤٢؛ مسند أبي يعلى، ج١٠، ص٢٩٦؛ صحيح ابن حبان، ج٢، ص٣٨١
↑[١٢] . حديث مجاعة بن الزبير، ص٤٥؛ مسند أحمد، ج١٦، ص٣٤٣؛ صحيح البخاري، ج٤، ص١٧٣؛ صحيح مسلم، ج٧، ص٤٥؛ مسند البزار، ج١٧، ص٣٠٩؛ مسند أبي يعلى، ج١٠، ص٤٢٣