كاتب الشبهة: أبو أويس عبد اللّه الشاطر | تاريخ الشبهة: ١٤٤٦/٣/١ |
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَلُهَا أَوْ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ: انْقَطَعَتْ، تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا»، إلى آخر الحديث.
سؤالي هو: كيف يكون رجل من أهل بيت النبيّ، ودخن فتنة السراء أو دخلها من تحت قدميه، وأهل بيت النبيّ حسب رأي الهاشمي الخراساني كلّهم معصومون؟!
ثمّ كيف يُفهم قول النبيّ: «يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي»، رغم قوله أنّه رجل من أهل بيته؟!
الاجابة على الشبهة: ٨ | تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٤٦/٣/١٠ |
يرجى التنبّه لما يلي:
١ . قال أبو حاتم (ت٢٧٧هـ): «هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ»[١]، وهو كما قال؛ لأنّه من رواية الشاميّين المبغضين لعليّ عليه السلام، والظاهر أنّه مرادهم برجل من أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يزعم أنّه منه وليس منه، وقد قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لَا يُبْغِضُهُ إِلَّا مُنَافِقٌ»[٢]، ولسنا نعتمد على روايات المنافقين، ولو وثّقهم قوم بأهوائهم؛ لقول اللّه تعالى: ﴿اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾[٣]، وقوله تعالى: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[٤]، والتفصيل أنّ الحديث من رواية عبد اللّه بن سالم الحمصيّ؛ كما قال أبو نعيم (ت٤٣٠هـ): «لَمْ نَكْتُبْهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ»[٥]، وهو من المبغضين المشهورين؛ كما قال أبو داود (ت٢٧٥هـ): «كَانَ يَقُولُ: عَلِيٌّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»، وجعل يذمّه[٦]، وقال الدارقطنيّ (ت٣٨٥هـ): «هُوَ سَيِّءُ الْمَذْهَبِ، لَهُ قَوْلٌ فِي عَلِيٍّ، قِيلَ: يَسُبُّ؟ قَالَ: نَعَمْ»[٧]، وقد رواه عن العلاء بن عتبة اليحصبيّ، وهو الذي كان يقول: «إِنَّمَا أَحْبَبْنَا آلَ مُحَمَّدٍ بِحُبِّهِ، فَإِذَا خَالَفُوا سِيرَتَهُ، وَعَمِلُوا بِخِلَافِ سُنَّتِهِ، فَهُمْ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيْنَا»[٨]، كأنّه يبرّر بغضه لهم، وقال الأزديّ (ت٣٧٤هـ) وابن القطان الفاسيّ (ت٦٢٨هـ): «فِيهِ لِينٌ»[٩]، وقد رواه عن عمير بن هانئ العنسيّ، وهو من أبغض دعاة بني أميّة؛ كما قال العبّاس بن الوليد بن صبح السلميّ: «قُلْتُ لِمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ: لَا أَرَى سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَوَى عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ، فَقَالَ: كَانَ عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَبْغَضَ إِلَى سَعِيدٍ مِنَ النَّارِ! قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: أَوَ لَيْسَ هُوَ الْقَائِلَ عَلَى الْمِنْبَرِ حِينَ بُويِعَ لِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ: سَارِعُوا إِلَى هَذِهِ الْبَيْعَةِ، إِنَّمَا هُمَا هِجْرَتَانِ: هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهِجْرَةٌ إِلَى يَزِيدَ؟!»[١٠] وقال ابن أبي الحواري (ت٢٤٦هـ): «إِنِّي لَأُبْغِضُهُ، كَيْفَ حَدَّثَ عَنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ؟!»[١١]، وكان نائب الحجّاج بن يوسف، ولّاه الكوفة حينما كان يقتل من اتّهمه بحبّ عليّ عليه السلام، وبهذا يستبين حاله ورأيه، وقد رواه عن عبد اللّه بن عمر، وكان عبد اللّه بن عمر يكره صحبته، ويخرجه من مجلسه؛ كما روي أنّه قال: «أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَرْشِدْنِي أَرْشَدَكَ اللَّهُ، فَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَإِنِّي جِئْتُ الْحَجَّاجَ، فَقَالَ: مَا أَنَا لَكُمُ بِحَامِدٍ، قُلْتُ: فَأَصْحَابُنَا الَّذِينَ حَارَبُونَا؟ قَالَ: مَا أَنَا لَهُمْ بِعَاذِرٍ، أَنْتُمْ تَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ تَهَافُتَ الذُّبَابِ فِي الْمَرَقِ! قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَالَ: مَهْ، إِنَّ أَرَأَيْتَ مِنَ الشَّيْطَانِ، قُلْتُ: اسْمَعْ مِنِّي، قَالَ: أَلَكَ رَحْلٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَارْحَلْ إِلَى رَحْلِكَ»![١٢] فما أبعد سماعه منه، وهذه حاله عنده، ويؤيّد ذلك عدم إسناده الحديث إليه في رواية نعيم بن حمّاد (ت٢٢٨هـ)؛ فإنّه رواه عنه مرسلًا[١٣].
٢ . لقد جاء حديث فتنة الأحلاس[١٤] عن أبي سعيد الخدريّ، وفيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «سَتَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ، مِنْهَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ، يَكُونُ فِيهَا حَرَبٌ وَهَرَبٌ، ثُمَّ بَعْدَهَا فِتَنٌ أَشَدُّ مِنْهَا، ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ كُلَّمَا قِيلَ: انْقَطَعَتْ، تَمَادَتْ، حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتٌ إِلَّا دَخَلَتْهُ، وَلَا مُسْلِمٌ إِلَّا صَكَّتْهُ، حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي»[١٥]، وهو كما ترى مخالف لحديث النواصب في هذه الفقرة! فلعلّه كان أصل الحديث، فحرّفوه بغضًا لأهل البيت، ويؤيّد ذلك ما جاء عن عوف بن مالك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «تَجِيءُ فِتْنَةٌ غَبْرَاءُ مُظْلِمَةٌ، ثُمَّ يَتْبَعُ الْفِتَنُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ فَاتَّبِعْهُ وَكُنْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ»[١٦].
٣ . أهل البيت في القرآن، هو كلّ من ساكن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولم يعمل عملًا غير صالح؛ لقول اللّه تعالى في ابن نوح: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾[١٧]، وفي السنّة عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيهم: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي»[١٨]، ويلحق بهم كلّ من لم يعمل عملًا غير صالح من ذرّيّتهم؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾[١٩]، والمتيقّن منهم من جعله اللّه للناس إمامًا؛ لقول اللّه تعالى لإبراهيم: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[٢٠]. هذا هو أهل البيت في القرآن والسنّة، وكذلك في قول السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، وأمّا في قول الناس فقد يُطلق على جميع الهاشميّين جهلًا منهم أو توسّعًا في الكلام، ولذلك لا يُستغرب قولهم بأنّ رجلًا من أهل البيت أثار فتنة؛ لأنّ كثيرًا من الهاشميّين كانوا أهل الظلم والعدوان، كبني عبّاس، بل يقول النواصب منهم بأنّه ليس في أهل البيت أحد أذهب اللّه عنه الرّجس وطهّره تطهيرًا، خلافًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[٢١]، ولذلك تراهم يخطّئون عليًّا عليه السلام في قتال أهل القبلة، ويخطّئون فاطمة عليها السلام في مطالبة أبي بكر بميراثها، ويخطّئون الحسن عليه السلام في مصالحة معاوية، ويخطّئون الحسين عليه السلام في خروجه على يزيد، وقد يقوم فاجرهم بوضع الأحاديث للدلالة على ذلك، فيقبلها أهل الحديث بسفاهتهم، ويقولون: هي صحيحة، وما هي بصحيحة، ولكنّهم قوم لا يعقلون، وقد أحسن السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى إذ قال:
فَرِيقَانِ أَفْسَدَا عَلَى النَّاسِ دِينَهُمْ: أَهْلُ الرَّأْيِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، قِيلَ: أَمَّا أَهْلُ الرَّأْيِ فَقَدْ عَلِمْتُ، فَمَا بَالُ أَهْلِ الْحَدِيثِ؟! قَالَ: إِنَّهُمْ حَدَّثُوا بِأَحَادِيثَ مَكْذُوبَةٍ، زَعَمُوا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَجَعَلُوهَا مِنَ الدِّينِ، وَمَا افْتَرَى عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَرِيقٌ مِثْلَ مَا افْتَرَى أَهْلُ الْحَدِيثِ، يَقُولُونَ: «قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، وَمَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا، وَلَئِنْ قَالَ رَجُلٌ هَذَا رَأْيٌ رَأَيْتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ كَاذِبٌ.[٢٢]