كاتب السؤال: السيادتي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/١٠/٢٢

ما حكم التأمين في الإسلام؟ مع الأخذ في الإعتبار أنّ العديد من الدول الإسلاميّة قد جعلت التأمين لبعض الأشياء إلزاميًّا، مثل تأمين المركبات، وتأمين العمالة.

الاجابة على السؤال: ٨ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/١٠/٢٥

«التأمين» معاملة معيوبة ظهرت في إنجلترا في أوائل القرن السابع عشر، ثمّ مع مرور الوقت انتشرت في جميع أنحاء العالم، وأصابت البلاد الإسلاميّة أيضًا. في هذه المعاملة، يتعهّد المؤمّن مقابل الحصول على مال معيّن من المؤمّن له بتعويض خسارته المحتملة في حالة وقوع حادث محتمل خلال فترة زمنيّة معيّنة، وعلى هذا فإنّ العوض فيها معلوم، وهو ما يدفعه المؤمّن له، ولكنّ المعوّض فيها مجهول، وهو ما يدفعه المؤمّن؛ لأنّ الحادثة والخسارة الناشئة عنها غير معلومتين في المقدار، بل قد لا تحصلان في الفترة الزمنيّة المعيّنة أصلًا، كما هو الغالب، وهذا ما يجعل التأمين غررًا بالنسبة للمؤمّن له، وقد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن الغرر[١]، ولا يجوز للمؤمّن الرّبح دون أن يدفع مقابله شيئًا؛ لأنّه أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[٢].

نعم، الإطمئنان الحاصل من التأمين شيء موجود ومعلوم للمؤمّن له، ولكنّه ليس بالمعوّض فيه كما لا يخفى، وإنّما هو ثمرة غير مقصودة منه، كالسرور بالمعاملة؛ بغضّ النظر عن حقيقة أنّه غير نافع للمؤمّن له، بل قد يضرّ به من حيث لا يشعر؛ لأنّه يغرّر به، فيبعثه على ترك الحذر والإحتياط، لعلمه أنّه لو تسبّب في خسارة أدّاها عنه المؤمّن، فتهون عليه الخسارة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[٣]، فيكون ممّا قال اللّه فيه: ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[٤].

بناء على هذا، فإنّ التأمين معاملة غير شرعيّة، بل يرى السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى أنّه من «الميسر»؛ لأنّه استفادة من الصدفة؛ فإن حدثت للمؤمّن له حادثة في الفترة الزمنيّة المعيّنة صدفةً، فقد استفاد المؤمّن له وخسر المؤمّن، وإن لم تحدث للمؤمّن له حادثة في الفترة الزمنيّة المعيّنة صدفةً، فقد استفاد المؤمّن وخسر المؤمّن له؛ فهما يتعاملان اعتمادًا على مجرّد الحظّ والإحتمال، وهذا هو «القمار» بعينه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ لَهُمْ مُعَامَلَةً يُسَمُّونَهَا التَّأْمِينَ، وَفِيهَا يَلْتَزِمُ الْمُؤَمِّنُ جَبْرَ خَسَارَةٍ مُعَيَّنَةٍ إِذَا حَصَلَتْ لِلْمُسْتَأْمِنِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي مُقَابِلِ أَنْ يَدْفَعَ الْمُسْتَأْمِنُ مَالًا مُعَيَّنًا، قَالَ: هِيَ الْمَيْسِرُ بِعَيْنِهِ، قُلْتُ: لِمَاذَا؟! قَالَ: لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ عَلَى الصُّدْفَةِ.

وأخبرنا بعض أصحابنا أيضًا، قال:

قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْنَا مَعْرِفَتَكَ وَالدُّخُولَ عَلَيْكَ، لِتُعَلِّمَنَا مَعَالِمَ دِينِنَا، وَتُوقِفَنَا عَلَى حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا، فَأَخْبِرْنِي عَنِ التَّأْمِينِ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ عِنْدَنَا يَسْتَصْوِبُونَهُ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ مِنَ الْعُقُودِ، قَالَ: كَلَّا، إِنَّهُ مِنَ الْمَيْسِرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى الْإِحْتِمَالَاتِ؟!

وأخبرنا بعض أصحابنا أيضًا، قال:

كُنْتُ عِنْدَ الْمَنْصُورِ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ التَّأْمِينِ، فَقَالَ: مَيْسِرٌ مَجْهُولٌ، فَحَزِنَ الرَّجُلُ حُزْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: أَلَا لَوْ لَا أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَكِّيَكَ لَمَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ.

بناء على هذا، فلا يجوز التأمين في الإسلام، وكلّ مال يؤكل فيه فهو سحت، كما يؤكل في القمار، ومن أمّن أو أُمّن له بعد أن جاءه العلم فهو آثم، إلّا أن يكون مضطرًّا إلى شيء يُكره السلطان الجائر على تأمينه؛ فإنّه لا إثم على المضطرّ والمكرَه إذا كان من المؤمنين؛ لقول اللّه تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[٥]، وقوله: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ[٦]، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا[٧].

↑[١] . انظر: مسند أبي حنيفة (رواية الحصكفي)، الحديث ٩؛ موطأ مالك (رواية يحيى)، ج٢، ص٦٦٤؛ الخراج لأبي يوسف، ص١٠٠؛ جماع العلم للشافعي، ص٥٨؛ مصنف عبد الرزاق، ج٨، ص١٠٨؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٣١٢؛ مسند أحمد، ج٤، ص٤٨٠؛ مسند الدارمي، ج٣، ص١٦٦٣؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص٧٣٩؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٢٥٤؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٥٢٤؛ مسند البزار، ج١٢، ص٢٠؛ الخلافيات للبيهقي، ج٧، ص٥٥٧.
↑[٢] . النّساء/ ٢٩
↑[٣] . العلق/ ٦-٧
↑[٤] . البقرة/ ٢١٦
↑[٥] . البقرة/ ١٧٣
↑[٦] . النّحل/ ١٠٦
↑[٧] . الطّلاق/ ٢-٣