كاتب السؤال: وحيد تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٧/١٥

ما حكم البحث عن الكنوز الدفينة؟ وما يجب على واجدها؟

الاجابة على السؤال: ١٣ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٧/٢٠

يرجى ملاحظة ما يلي:

١ . الكنز في اللغة كلّ مال مجموع مدّخر؛ كما قال اللّه تعالى في قارون: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ[١]، وكنز المال أن تجمعه وتدّخره، وهو من عمل المغضوب عليهم والضالّين؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ[٢]، فلا يجوز كنز المال، إلّا أن يكون هناك ضرورة عقلائيّة شرعيّة؛ كما قال اللّه تعالى في قصّة موسى وخضر عليهما السلام: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ[٣].

٢ . الكنز في المصطلح كلّ مال مدفون عاديّ لا يُحتمل بقاء صاحبه، وقد شرط المتقدّمون من أهل العلم أن يكون من دفن الجاهليّة[٤]، ولعلّه لقرب عهدهم منها واحتمال وجود صاحب لما دُفن في الإسلام، وفيه الخمس بلا خلاف بين أهل العلم، إلّا ما حُكي عن الحسن البصريّ من التفريق بين ما يوجد في أرض العدوّ وما يوجد في أرض المسلمين، إذ زعم أنّ في الأوّل الخمس وفي الآخر الزكاة[٥]، ولا يُعرف له دليل، ودليل المشهور قول اللّه تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ[٦]؛ نظرًا لأنّ ﴿مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فيه عامّ، وإن نزل في شأن غنائم الحرب، وشأن النزول غير مخصّص، ولذلك يجب الخمس في كلّ ما يغنمه الإنسان، وهو كلّ مال مرغوب فيه يناله بلا عوض، ومنه الكنز، وقد ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»[٧]، والركاز كلّ مال مركوز في الأرض، فيشمل الكنز، وإن كان أكثر استعماله في المعدن، وقد روي أنّه قال في كنز وجده رجل في خربة: «فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»[٨]، فجعلهما مختلفين في الإسم مشتركين في الحكم، وكيفما كان فإنّ من وجد كنزًا فعليه خمسه وله الباقي، إلّا أن يكون ممّا في حفظه مصلحة عامّة للمسلمين، فللإمام أن يشتريه أو يستعيره من الواجد ليحفظه في يده، وليس للواجد الإمتناع إذا أمره الإمام؛ لأنّه خليفة اللّه ورسوله، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[٩].

٣ . طلب الكنز عمل غير عقلائيّ؛ كما قال السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى: «طَلَبُ الْكَنْزِ سَفَاهَةٌ»، وذلك لأنّه طلب المال من غير وجهه، وقد يمكن اعتباره تجسّسًا؛ لأنّه استطلاع سرّ من أسرار الناس؛ كما يعتمد على ظنّ سوء بهم، وهو الظنّ بأنّهم كنزوا أموالهم بدلًا من إنفاقها في سبيل اللّه، وقد قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا[١٠]، وإن كان ذلك فيما يتعلّق بالمسلمين دون أهل الكفر، ولكن لا يُرغب في معصية أهل الكفر أيضًا، وقد يعثر الطالب على كنز مسلم أو سرّ آخر من أسراره، أو يلتقط مالًا جديدًا عليه تعريفه، وفيه صعوبة، فينبغي أن لا يتعرّض لذلك، وعليه فإنّ البحث عن الدفائن ليس من عمل المتّقين، إلّا أن يعثروا عليها من دون بحث، عندما يحفرون بئرًا، أو يحرثون أرضًا، أو يدفنون ميّتًا، أو يفعلون ما شابه ذلك، فيكون رزقًا ساقه اللّه إليهم، ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[١١]، ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ فيأكلونه حلالًا طيّبًا بعد إخراج خمسه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

كَانَ لِي صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ بَامِيَانَ، وَكَانَ يَبْحَثُ عَنِ الْكَنْزِ، فَدَعَانِي إِلَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي نِصْفُهُ، فَقُلْتُ: حَتَّى أَسْأَلَ الْمَنْصُورَ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ: لَا يَبْحَثُ عَنِ الْكَنْزِ إِلَّا سَفِيهٌ، وَمَنْ وَجَدَهُ فَلْيُؤَدِّ خُمُسَهُ، فَإِنَّهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ.[١٢]

↑[١] . القصص/ ٧٦
↑[٢] . التّوبة/ ٣٤-٣٥
↑[٣] . الكهف/ ٨٢
↑[٤] . انظر: موطأ مالك (رواية يحيى)، ج١، ص٢٤٩؛ الحجة على أهل المدينة للشيباني، ج١، ص٤٣٠؛ الأم للشافعي، ج٢، ص٤٧؛ صحيح البخاري، ج٢، ص١٢٩؛ صحيح ابن خزيمة، ج٤، ص٤٧؛ الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر، ج٣، ص٤٧.
↑[٥] . انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ج٢، ص٤٣٧، ج٦، ص٤٣٤؛ الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر، ج٣، ص٤٧.
↑[٦] . الأنفال/ ٤١
↑[٧] . صحيفة همام بن منبه، ص٦٣؛ موطأ مالك (رواية يحيى)، ج١، ص٢٤٩؛ حديث علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر، ص٢٦٦؛ تفسير يحيى بن سلام، ج١، ص٣٢٩؛ مسند الشافعي، ص٩٦؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٤، ص٦٧؛ مصنف عبد الرزاق، ج١٠، ص٦٥؛ الأموال لأبي عبيد، ص٤٢١؛ مسند ابن الجعد، ص١٧٤؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٢، ص٤٣٧؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج١، ص١٣٧؛ مسند أحمد، ج٥، ص٥٩؛ الأموال لابن زنجويه، ج٢، ص٧٣٧؛ مسند الدارمي، ج٢، ص١٠٣٧؛ صحيح البخاري، ج٢، ص١٣٠؛ صحيح مسلم، ج٥، ص١٢٧؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص٨٣٩؛ سنن أبي داود، ج٣، ص١٨١؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٢٥؛ مسند البزار، ج٩، ص٢٧٤؛ سنن النسائي، ج٥، ص٤٤
↑[٨] . الحجة على أهل المدينة للشيباني، ج١، ص٤٣٥؛ مسند الشافعي، ص٩٦؛ مصنف عبد الرزاق، ج١٠، ص١٢٨؛ مسند الحميدي، ج١، ص٥٠٧؛ الأموال لأبي عبيد، ص٤٢١؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٢، ص٤٣٦؛ مسند أحمد، ج١١، ص٢٧٤؛ الأموال لابن زنجويه، ج٢، ص٧٣٧؛ سنن النسائي، ج٥، ص٤٤
↑[٩] . الأحزاب/ ٣٦
↑[١٠] . الحجرات/ ١٢
↑[١١] . البقرة/ ٢١٢
↑[١٢] . الرسالة ١٥، الفقرة ١