كاتب السؤال: أحمد تاريخ السؤال: ١٤٤٥/١/٧

ما هو تفسير الآية: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»؟ من هم «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ»؟ ومن يمكن أن يكون هذا الفريق: «وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»؟ جزاكم اللّه خيرًا.

الاجابة على السؤال: ١١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٥/١/٢٠

لا خلاف بين المفسّرين في أنّ المراد بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ[١] هم اليهود والنصارى، ولكن اختلفوا في المراد بقوله تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ[٢]، فلهم في ذلك قولان: أحدهما أنّهم يعرفون ما تقدّم ذكره في الآية السابقة من أمر القبلة، وهو مرويّ عن ابن عبّاس، وقتادة، والربيع، والسدّيّ، ومقاتل، وابن زيد، وابن جريج، والآخر أنّهم يعرفون محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كما يعرفون أبناءهم، وهذا أظهر، وهو مرويّ عن أهل البيت، ويؤيّده قول اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ[٣] في سورة الأنعام، وليس قبله ذكر القبلة، وروي أنّ عمر قال لعبد اللّه بن سلام: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ، كَيْفَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ؟» فقال عبد اللّه بن سلام: «نَعْرِفُ نَبِيَّ اللَّهِ بِالنَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ اللَّهُ إِذَا رَأَيْنَاهُ فِيكُمْ، كَمَا يَعْرِفُ أَحَدُنَا ابْنَهُ إِذَا رَآهُ بَيْنَ الْغِلْمَانِ، وَايْمُ اللَّهِ الَّذِي يَحْلِفُ بِهِ ابْنُ سَلَامٍ، لَأَنَا بِمُحَمَّدٍ أَشَدُّ مَعْرِفَةً مِنِّي بِابْنِي»، فقال له: «كَيْفَ؟!» قال ابن سلام: «عَرَفْتُهُ بِمَا نَعَتَهُ اللَّهُ لَنَا فِي كِتَابِنَا، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ، فَأَمَّا ابْنِي فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ أُمُّهُ»، فقال عمر: «قَدْ وُفِّقْتَ، وَصَدَقْتَ، وَأَصَبْتَ»[٤]، وقد استُشكل في هذا التفسير بأنّ الظاهر من حال اليهود والنصارى خلاف ذلك، وفيهم من لا يعرف محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قطعًا، ويجاب عن هذا الإشكال بأنّ المراد بعض ما يلي:

١ . إنّهم يعرفون النبيّ الذي وعدهم اللّه في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم، وهو محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وإن لم يعلموا أنّه هو، وإنّ فريقًا منهم ليعلمون أنّه هو، ولكن يكتمون، ويدلّ على هذا قول اللّه تعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ[٥].

٢ . إنّهم يعرفون كما يعرفون أبناءهم أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو النبيّ الذي وعدهم اللّه في التوراة والإنجيل عندما يرجعون إلى أنفسهم، لكنّهم يتجاهلون ذلك ويخدعون أنفسهم بالشبهات، وإنّ فريقًا منهم ليعلمون ذلك بغير شبهة، ولكنّهم يكتمون، ويدلّ على هذا قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[٦]؛ فإنّه توبيخ الفريقين.

٣ . إنّ فريقًا منهم يعرفون أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو النبيّ الذي وعدهم اللّه في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم، فيؤمنون به، وإنّ فريقًا منهم يعرفون ذلك، فيكتمونه، وإنّما جمعهم في صدر الآية لاشتراك الفريقين في المعرفة، وإن اختلفا في الإيمان والكفر، ولم يتعرّض للفريق الثالث الذين لا يعرفون ذلك لجهلهم بالتوراة والإنجيل، أو جهلهم بمحمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ فإنّهم همج، فجعلهم كلا شيء.

٤ . إنّ فريقًا منهم يعرفون أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو النبيّ الذي وعدهم اللّه في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم، فيكتمون الحقّ وهم يعلمون؛ فأراد فريقًا واحدًا في صدر الآية وذيلها، وإنّما عمّهم في صدر الآية كما عمّ في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ[٧]، مع أنّ القائلين كانوا فريقًا منهم، ولم يكونوا جميعهم.

هذه الوجوه كلّها محتملة قريبة، وبكلّ واحد منها يُدفع الإشكال، ولا يُستشكل في كتاب اللّه إلّا لقلّة العقل أو قلّة التدبّر، ولذلك قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[٨].

↑[١] . البقرة/ ١٤٦
↑[٢] . البقرة/ ١٤٦
↑[٣] . الأنعام/ ٢٠
↑[٤] . انظر: معاني القرآن للفراء، ج١، ص٣٢٩؛ تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ، ج١، ص١٩٥؛ تفسير الماتريدي، ج٤، ص٤٣؛ معاني القرآن للنحاس، ج٢، ص٤٠٧؛ تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين، ج١، ص١٨٦؛ تفسير الثعلبي، ج١٢، ص٥٣؛ مجمع البيان للطبرسي، ج٤، ص٢٣.
↑[٥] . البقرة/ ٨٩
↑[٦] . آل عمران/ ٧١
↑[٧] . التّوبة/ ٣٠
↑[٨] . محمّد/ ٢٤