كاتب السؤال: إبراهيم تاريخ السؤال: ١٤٤٤/١٢/٢١

يرى بعض العلماء أنّ النذر المشروط حرام، ولا يجوز للرّجل أن يقول: «إن فعل اللّه لي كذا وكذا، فللّه عليّ كذا وكذا»؛ لأنّه ليس عبادة خالصة، وإنّما هو تجارة مع اللّه! بالإضافة إلى أنّه لغو لا يأتي بخير لما جاء في الحديث! ما رأي السيّد المنصور أيّده اللّه تعالى في هذا الموضوع؟

الاجابة على السؤال: ٤ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٥/١/٢

النذر المشروط جائز يجب الوفاء به دون أدنى شكّ؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ۝ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[١]، وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ[٢]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ[٣]، وروي أنّ امرأة ركبت البحر، فنذرت إن أنجاها اللّه أن تصوم شهرًا، فأنجاها اللّه، فلم تصم حتّى ماتت، فجاءت ابنتها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فذكرت ذلك له، فأمرها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن تصوم عنها[٤]، وروي أنّ رجلًا جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ ذَكَرٌ أَنْ أَنْحَرَ عَلَى رَأْسِ بُوَانَةَ فِي عَقَبَةٍ مِنَ الثَّنَايَا عِدَّةً مِنَ الْغَنَمِ»، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «هَلْ بِهَا مِنَ الْأَوْثَانِ شَيْءٌ؟» قال: «لَا»، قال: «فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَ بِهِ لِلَّهِ»[٥]، وروي أنّ رجلًا جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم الفتح، وهو في المسجد الحرام، فقال: «إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ لَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «الصَّلَاةُ هَاهُنَا أَفْضَلُ»، ثمّ أذن له، ولم يقل: إنّ النذر المشروط غير جائز[٦].

أمّا قولهم بأنّ النذر المشروط تجارة مع اللّه فصحيح، ولكن لا يضرّ ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[٧]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ[٨]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[٩]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ[١٠]، وهذا يدلّ على أنّ العبادات كلّها تجارة مع اللّه.

نعم، يمكن القول أنّ العبادات وإن كانت تجارة مع اللّه، إلّا أنّ اللّه هو المشترط فيها، وهو الذي يقول للعبد: «إن فعلت لي كذا وكذا لأفعل لك كذا وكذا»، لكنّ المشترط في النذر هو العبد، وهو الذي يقول للّه: «إن فعلت لي كذا وكذا لأفعل لك كذا وكذا»، ولا يستويان؛ لأنّ العبد فقير إلى اللّه، واللّه غنيّ عن العبد، فللّه أن يجعل لسعادة عبده شرطًا، وليس للعبد أن يجعل لعبادة ربّه شرطًا، لكنّ الحقّ أنّ هذا مغالطة؛ لأنّ الناذر لا يجعل لما يجب عليه من عبادة اللّه شرطًا، بل يجعل لما لا يجب عليه منها شرطًا، فيوجبها على نفسه بشرط، وهذا جائز له، كما يجوز له تركها أصلًا لعدم وجوبها، ووجه الشرط أنّ مزيد النعمة يقتضي مزيد الشكر، فمن الجائز أن يقول: «لئن آتاني اللّه كذا وكذا، شكرته بكذا وكذا»، ولا عيب في ذلك، ولا يعني أنّ اللّه يحتاج ويرتشي، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ[١١].

أمّا قولهم بأنّ النذر المشروط لغو لا فائدة فيه، لما جاء في الحديث من أنّه «لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ»، و«لَا يَرُدُّ شَيْئًا»، و«لَا يُقَدِّمُ وَلَا يُؤَخِّرُ»، فغير صحيح أيضًا؛ لأنّه من المحتمل أن يتفضّل اللّه على الناذر بقضاء حاجته ليقوم بعبادة تقرّبه من الجنّة، ويحتمل أيضًا أن يقضي حاجته ليختبره، فينظر أيفي بنذره أم لا، ولذلك قد يكون النذر مؤثّرًا في قضاء الحاجة بمشيئة اللّه، كما هو الحال في الدّعاء، وعليه فإنّ القول بأنّ النذر لغو مثل القول بأنّ الدّعاء لغو، مع أنّ اللّه قال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[١٢]، وقال: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[١٣]، وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[١٤]، والحديث غير ثابت؛ لأنّه خبر واحد، ولو صحّ فإنّما يعني أنّ النذر لا يأتي بخير لم يكن في قدر اللّه، ولا يردّ شيئًا ولا يقدّم ولا يؤخّر إلّا أن يشاء اللّه؛ كما ورد في بعض طرقه: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ بِشَيْءٍ إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ مَا قُدِّرَ لَهُ، فَيُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ، فَيُيَسَّرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُيَسَّرُ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ»[١٥].

↑[١] . التّوبة/ ٧٥-٧٧
↑[٢] . يونس/ ٢٢-٢٣
↑[٣] . الأنعام/ ٦٣
↑[٤] . انظر: مسند أبي داود الطيالسي، ج٤، ص٣٥٥؛ مسند أحمد، ج٥، ص٢٣٧؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٢٣٧؛ سنن النسائي، ج٧، ص٢٠؛ صحيح ابن خزيمة، ج٣، ص٢٧٢.
↑[٥] . انظر: سنن أبي داود، ج٣، ص٢٣٨.
↑[٦] . انظر: مسند عبد اللّه بن المبارك، ص١٠٣؛ مصنف عبد الرزاق، ج٨، ص٤٥٥؛ مسند أحمد، ج٢٣، ص١٨٥؛ مسند الدارمي، ج٣، ص١٥٠٩؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٢٣٦؛ مسند أبي يعلى، ج٤، ص٨٨.
↑[٧] . الصّفّ/ ١٠-١٢
↑[٨] . فاطر/ ٢٩
↑[٩] . التّوبة/ ١١١
↑[١٠] . الحديد/ ١١
↑[١١] . الأنعام/ ١٠٠
↑[١٢] . غافر/ ٦٠
↑[١٣] . البقرة/ ١٨٦
↑[١٤] . النّمل/ ٦٢
↑[١٥] . سنن ابن ماجه، ج١، ص٦٨٦؛ مستخرج أبي عوانة، ج٤، ص٢٢