كاتب السؤال: حوت تاريخ السؤال: ١٤٤٤/٥/٢٢

بسم اللّه والصلاة والسلام على رسول اللّه، وبعد، سؤالي بخصوص الأطعمة والأشربة. نحن في زمن العولمة وقرن الشيطان، وشاع فيها تعاطي الرّبا، وشاع فيها الغشّ والإحتيال. فمعظم الأطعمة المشتراة والمصنّعة فيها سموم وموادّ ضارّة بالإنسان، من مخدّرات بجرعات متفاوتة، وخمور بجرعات، ودم بجرعات، ولحم ودهن خنزير بجرعات، ولكنّهم ينكرونها ولا يذكرونها للمستهلك عبثًا بدينه واللّه المستعان. حتّى الفواكه والخضار لم تسلم من الكيماويات السامّة والتهجين، وأذكر لحضراتكم أنّي أمة للّه تحت ولاية والدي الذي دينه ضعيف، وهو بعيد عن اللّه وعن ذكره، وعنده معاصي ومنكرات وخلل عقائديّ، أسأل اللّه أن يغفر له ولي، ولا أملك له ولا لنفسي من اللّه شيئًا، وأنا لا أضمن أن يكون رزقه حلالًا ١٠٠% لما أرى من منكراته، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «كلّ لحم نبت من سحت فالنّار أولى به»، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

سؤالي يتعلّق بما سبق أوّلًا أنّي أتورّع عن أكل كلّ مشترًى وكلّ مصنّع وكلّ رزق أتاني من إنسان عليه شبهات، لعلمي أنه قد تكون خالطته أيدٍ لا تخاف اللّه، ومنهم عبدة شيطان، ومنهم ملاحدة، ومنهم كفّار، ومنهم من يتخذ ما ينفق مغرمًا ويتربّص بنا الدوائر، فلا أثق فيما طرحوا لي من موادّ داخل تلك الأطعمة، أو من نيّات، فإنّي أجتنبها، إلّا ما أُكرهت عليه من قبل والديّ، ولا أفعله إلّا تقاة، ثمّ أتوب إلى اللّه. فأريد تفصيلًا من فضيلة الشيخ المنصور في ذلك، بناء على الحجّة والدليل والبرهان. جزاكم اللّه خيرًا.

الاجابة على السؤال: ١٨ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٤/٦/٢

يرجى التنبّه للنكات التالية:

١ . الورع خير حسن مقرّب إلى اللّه تعالى ما لم يبلغ مبلغ التكلّف والتشدّد والوسواس، فإذا بلغ ذلك المبلغ فهو شرّ سيّء مبعّد عن اللّه تعالى؛ كما جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضُوا إِلَيْكُمْ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى»[١]، وقال: «عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ»[٢]، وقال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ»[٣]، وقال: «هَلَكَ الْمُتَعَمِّقُونَ» يعني المتنطّعين[٤]، وقال السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى: «هُمُ الَّذِينَ يُفْرِطُونَ فِي النَّظَرِ أَوْ فِي الْعَمَلِ، وَقَدْ هَلَكُوا بِبِدْعَتِهِمْ، وَإِنْ أَرَادُوا خَيْرًا»[٥]، ولذلك يجب على المؤمن أن يعرف الحدّ بين الأمرين لكي لا يتعدّاه؛ فإنّه من حدود اللّه، وقد قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[٦]، ولا تُعرف حدود اللّه إلّا بكتابه وسنّة رسوله، ولذلك قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۝ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ[٧]، وجاء عن رسوله أنّه قال: «أَنَا أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ»[٨]، وقال: «إِنَّ اللَّهَ حَدَّ لَكُمْ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَسَنَّ لَكُمْ سُنَنًا فَاتَّبِعُوهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ حُرُمَاتٍ فَلَا تَهْتِكُوهَا، وَعَفَا لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً مِنْهُ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا»[٩].

٢ . إنّ كتاب اللّه يحدّد ما حرّم اللّه، فيقول: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ[١٠]، ويقول: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ[١١]، ثمّ يقيّد ذلك بالعلم والتبيّن تفصيلًا، فيقول: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[١٢]، ويقول: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ[١٣]، ويقول: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[١٤]، ويقول: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ[١٥]، وعليه فإذا علمت وتبيّن لك تفصيلًا أنّ الشيء ميتة، أو دم، أو لحم خنزير، أو ما أهلّ به لغير اللّه، أو مال من أموال الناس أصيب من غير حلّه، فعليك اجتنابه، وأمّا إذا لم تعلمي ولم يتبيّن لك ذلك تفصيلًا فليس عليك اجتنابه، لا سيّما إذا كان في اجتنابه عسر أو حرج، لما جاء في كتاب اللّه من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ[١٦]، وقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[١٧]، وقوله: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[١٨]، وجاء في السنّة قاعدة مهمّة جدًّا، وهي: «كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ أَبَدًا حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ»[١٩]، وفي رواية أخرى: «كُلُّ شَيْءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكُونُ قَدِ اشْتَرَيْتَهُ وَهُوَ سَرِقَةٌ، أَوِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَكَ وَلَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ بَاعَ نَفْسَهُ، أَوْ خُدِعَ فَبِيعَ أَوْ قُهِرَ، أَوِ امْرَأَةٍ تَحْتَكَ وَهِيَ أُخْتُكَ أَوْ رَضِيعَتُكَ، وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ، أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ»[٢٠]، ولذلك روي عن أناس من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّهم سألوه، فقالوا: «أَعَارِيبُ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ مُشَرَّحَةٍ، وَالْجُبْنِ، وَالسَّمْنِ، وَالْفِرَاءِ، مَا نَدْرِي مَا كُنْهُ إِسْلَامِهِمْ»، فقال: «انْظُرُوا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، فَأَمْسِكُوا عَنْهُ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَإِنَّهُ عَفَا لَكُمْ عَنْهُ، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا[٢١]، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»[٢٢]، وقال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا، فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ»[٢٣]، وروي عن عليّ أنّه قال في قوم يجدون سفرة مطروحة في الطريق كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها، ولا يدرون سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ، فقال: «هُمْ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَعْلَمُوا»[٢٤]، وروي «أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ مَرَّ عَلَى مَسَاكِينَ، وَقَدْ بَسَطُوا كِسَاءً، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ كِسَرٌ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْغَدَاءَ! فَحَوَّلَ وَرِكَهُ وَقَرَأَ: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ[٢٥]، فَأَكَلَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكُمْ فَأَجِيبُونِي، فَقَالَ لِلرَّبَابِ يَعْنِي امْرَأَتَهُ: أَخْرِجِي مَا كُنْتِ تَدَّخِرِينَ»[٢٦]، وروي مثله عن عليّ بن الحسين[٢٧]، فأكلا من طعام المساكين ولم يسألاهم، وهما أورع أهل زمانهما، وروي عن جعفر بن محمّد الصادق أنّه قال في الجبن: «لَا بَأْسَ بِمَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ مَيْتَةٌ»[٢٨]، وقال: «كُلُّ شَيْءٍ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى يَجِيئَكَ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عِنْدَكَ أَنَّ فِيهِ مَيْتَةً»[٢٩]، وروي عن بعض أصحابه، قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الْخِفَافِ الَّتِي تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَقَالَ: اشْتَرِ، وَصَلِّ فِيهَا، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ مَيْتٌ بِعَيْنِهِ»[٣٠]، وروي عن أبي الجارود، قال: «سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ- عَنِ الْجُبْنِ، وَقُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ الْمَيْتَةُ، فَقَالَ: أَمِنْ أَجْلِ مَكَانٍ وَاحِدٍ يُجْعَلُ فِيهِ الْمَيْتَةُ حُرِّمَ فِي جَمِيعِ الْأَرَضِينِ؟! إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَاشْتَرِ وَبِعْ وَكُلْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْتَرِضُ السُّوقَ، فَأَشْتَرِي بِهَا اللَّحْمَ وَالسَّمْنَ وَالْجُبْنَ، وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ، هَذِهِ الْبَرْبَرُ، وَهَذِهِ السُّودَانُ»[٣١]، وروي عن موسى بن جعفر أنّه سئل عن الرجل يأتي السوق، فيشتري جبّة فراء، لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة، أيصلّي فيها؟ فقال: «نَعَمْ، لَيْسَ عَلَيْكُمُ الْمَسْأَلَةُ، إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْخَوَارِجَ ضَيَّقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِجَهَالَتِهِمْ، وَإِنَّ الدِّينَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ»[٣٢]، وأخبرنا بعض أصحابنا، قال: «قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: يُقَالُ إِنَّهُمْ يَدُسُّونَ فِي كُلِّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَدَوَاءٍ سَمًّا أَوْ نَجَاسَةً، فَقَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَبَاطِيلِ».

٣ . الآيات والأحاديث المتواترة عن النبيّ وأهل بيته كلّها تدلّ على عدم وجوب الإجتناب لشيء لا يُعلم بالتفصيل والبيّنة أنّه حرام، وإن كانت حرمته محتملة، ولكن يشترط في ذلك أن يكون الشيء ممّا صُنع في أرض المسلمين أو أُخذ من أيديهم؛ لأنّ الأصل صحّة عملهم من دون حاجة إلى التجسّس؛ كما يظهر ذلك من قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا[٣٣]، وقوله تعالى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ[٣٤]، وما جاء في الحديث أن «ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُكَ»[٣٥]، بخلاف ما صُنع في أرض الكفّار أو أُخذ من أيديهم؛ لأنّ الأصل عدم صحّة عملهم حتّى يتبيّن خلافه؛ كما يظهر ذلك من قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا[٣٦]، وقوله تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ[٣٧]، ويدلّ على هذا ما تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه كان يقبل هديّة المسلمين، ولا يقبل هديّة المشركين؛ كما روي أنّ طائفة من المشركين أرسلوا إليه بلبن مع رجل منهم، فأبى أن يقبل منهم وقال: «إِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ»[٣٨]، وروي أنّه كان يقول: «لَوْ أَنَّ مُؤْمِنًا دَعَانِي إِلَى طَعَامِ ذِرَاعِ شَاةٍ لَأَجَبْتُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّ مُشْرِكًا أَوْ مُنَافِقًا دَعَانِي إِلَى طَعَامِ جَزُورٍ مَا أَجَبْتُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الدِّينِ، أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي زَبْدَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَطَعَامَهُمْ»[٣٩]، وروي أنّ أبا جعفر ذُكر له الجبن الذي يعمله المشركون، وأنّهم يجعلون فيه الإنفحة[٤٠] من الميتة، وممّا لا يُذكر اسم اللّه عليه، فقال: «إِذَا عُلِمَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ كَانَ الْجُبْنُ مَجْهُولًا لَا يُعْلَمُ مَنْ عَمِلَهُ وَبِيعَ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلْهُ»[٤١]، وفي رواية أخرى، قال: «اشْتَرِ الْجُبْنَ مِنْ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُصَلِّينَ، وَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَكَ مَنْ يُخْبِرُكَ عَنْهُ»[٤٢]، وروي عن جماعة أنّهم سألوه عن شراء اللحم من الأسواق، ولا يُدرى ما يصنع القصّابون، فقال: «كُلْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ»[٤٣]، وروي عن جعفر أنّه سئل عن الجبن، وأنّه يُصنع فيه الإنفحة، فقال: «لَا يَصْلُحُ» يعني إذا عُلم ذلك، ثمّ أرسل بدرهم، فقال: «اشْتَرِ بِدِرْهَمٍ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَلَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ»[٤٤]، وروي عن موسى بن جعفر أنّه قال: «لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الْفَرْوِ الْيَمَانِيِّ، وَفِيمَا صُنِعَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ»، قيل: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ فقال: «إِذَا كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَلَا بَأْسَ»[٤٥]، وسأله أخوه عليّ بن جعفر عن رجل اشترى ثوبًا من السوق للّبس، لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟ فقال: «إِنِ اشْتَرَاهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَلْيُصَلِّ فِيهِ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فَلَا يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ»[٤٦]، وبمثل هذا قال جماعة من الصحابة والتابعين؛ كما روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ أنّه قال: «مَا وَجَدْتَ فِي بَيْتِ الْمُسْلِمِ فَكُلْ»[٤٧]، وقال رجل لعبد اللّه بن عمر: «إِنَّا نُسَافِرُ، فَنَمُرُّ بِالرُّعْيَانِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ، فَيُطْعِمُونَا لَحْمًا مَا نَدْرِي مَا جِنْسُهُ»، فقال: «إِذَا أَطْعَمَكَ الْمُسْلِمُونَ فَكُلْ»[٤٨]، وسئل عن الجبن الذي يصنعه المجوس، فقال: «مَا وَجَدْتُهُ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ اشْتَرَيْتُهُ، وَلَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ»[٤٩]، وسئل الزهريّ عن الجبن، فقال: «مَا وَجَدْتُ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ اشْتَرَيْتُ، وَلَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ»[٥٠]، وروي عن الحسن البصريّ أنّه قال: «إِذَا دَخَلْتَ سُوقَ الْمُسْلِمِينَ[٥١] فَاشْتَرِ مَا وَجَدْتَ مَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ خِيَانَةٌ أَوْ سَرِقَةٌ»[٥٢].

٤ . يُكره معاملة مسلم عُلم منه فسق، أو جهل بالحلال والحرام؛ كما روي «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِأَجِيرٍ لَهُ يَغْتَسِلُ فِي الْبَرَازِ، فَقَالَ: لَا أَرَاكَ تَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّكَ، خُذْ إِجَارَتَكَ، لَا حَاجَةَ لَنَا بِكَ»[٥٣]، وروي أنّ عليّ بن الحسين كان رجلًا صَرْدًا[٥٤] لا يدفئه فراء الحجاز، لأنّ دباغتها بالقرظ، وكان يبعث إلى العراق، فيؤتى ممّا قبلهم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي تحته الذي يليه، وكان يُسئل عن ذلك، فقال: «إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَسْتَحِلُّونَ لِبَاسَ الْجُلُودِ الْمَيْتَةِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ دِبَاغَهُ ذَكَاتُهُ»[٥٥]، وكذلك يُكره الأكل من طعام مسلم عُلم منه فسق، أو جهل بالحلال والحرام، أو اشتغال ببعض المكاسب المحرّمة؛ كما روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم «نَهَى أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ طَعَامِ الْأَعْرَابِ»[٥٦]، و«نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ[٥٧] أَنْ يُؤْكَلَ»[٥٨]، وقال: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ، وَلَا تَأْكُلْ طَعَامَ الْفَاسِقِينَ»[٥٩]، وفي صحيح البخاريّ عن أنس بن مالك، قال: «إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ، فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ»[٦٠]، ومفهوم ذلك كراهة الأكل من طعامه إذا كان متّهمًا، ولكنّ الكراهة فيهما كراهة تنزيه، لما قدّمنا في النقطة الثانية، ولذلك روي عن سلمان الفارسيّ أنّه قال: «إِذَا كَانَ لَكَ صَدِيقٌ عَامِلٌ، أَوْ جَارٌ عَامِلٌ، أَوْ ذُو قَرَابَةٍ عَامِلٌ، فَأَهْدَى لَكَ هَدِيَّةً، أَوْ دَعَاكَ إِلَى طَعَامٍ، فَاقْبَلْهُ، فَإِنَّ مَهْنَأَهُ لَكَ، وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ»[٦١]، وروي أنّ رجلًا جاء إلى عبد اللّه بن مسعود، فقال: «إِنَّ لِي جَارًا يَأْكُلُ الرِّبَا، وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْعُونِي»، فقال: «مَهْنَؤُهُ لَكَ، وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ»[٦٢]، وروي عن ربيع بن عبد اللّه أنّه سمع رجلًا سأل ابن عمر: «إِنَّ لِي جَارًا يَأْكُلُ الرِّبَا»، أو قال: «خَبِيثُ الْكَسْبِ، وَرُبَّمَا دَعَانِي لِطَعَامِهِ، أَفَأُجِيبُهُ؟» فقال: «نَعَمْ»[٦٣]، وقال رجل لإبراهيم النخعيّ: «نَزَلْتُ بِعَامِلٍ، فَنَزَّلَنِي وَأَجَازَنِي»، فقال: «اقْبَلْ»، قال الرجل: «فَصَاحِبُ رِبًا؟»، قال: «اقْبَلْ مَا لَمْ تَأْمُرْهُ، أَوْ تُعِنْهُ»[٦٤]، وفي رواية أخرى: «اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ»[٦٥]، وسئل الحسن البصريّ: «أَيُؤْكَلُ طَعَامُ الصَّيَارِفَةِ؟» فقال: «قَدْ أَخَبَرَكُمُ اللَّهُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الرِّبَا، وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ»[٦٦]، وروي عن أبي ولاد، قال: «قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ: مَا تَرَى فِي الرَّجُلِ يَلِي أَعْمَالَ السُّلْطَانِ، وَأَنَا أَمُرُّ بِهِ وَأَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَيُضَيِّفُنِي وَيُحْسِنُ إِلَيَّ، وَرُبَّمَا أَمَرَ لِي بِالدَّرَاهِمِ وَالْكِسْوَةِ، وَقَدْ ضَاقَ صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: خُذْ وَكُلْ مِنْهُ، فَلَكَ الْمَهْنَأُ، وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ»[٦٧]، وقال مالك في من بيده مال حلال وحرام: «إِنْ كَانَ الْحَرَامُ يَسِيرًا فِي كَثْرَةِ حَلَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِمُعَامَلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ كَثِيرًا فَلَا يَنْبَغِي مُعَامَلَتُهُ، وَلَا تُعَامِلْ مَنْ يَعْمَلُ بِالرِّبَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»[٦٨]، وقال الشافعيّ: «لَوْ كَانَ لَكَ عَلَى مُسْلِمٍ حَقٌّ، فَأَعْطَاكَ مِنْ مَالِ غَصْبِهِ، أَوْ رِبًا، أَوْ حَرَامٍ، لَمْ يَحِلَّ لَكَ أَخْذُهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْكَ مَعْنَاهُ فَكُلُّ مَا أَعْطَاكَ وَأَطْعَمَكَ أَوْ وَهَبَ لَكَ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَسِعَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَالْوَرَعُ أَنْ تَتَنَزَّهَ عَنْهُ»[٦٩]، وقال إسحاق بن راهويه: «أَمَّا مَنْ خَلَطَ مَالًا خَبِيثًا وَمَالًا طَيِّبًا، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ فَإِنَّ الدَّاعِي إِذَا كَانَ صَدِيقًا لَهُ أَوْ جَارًا، فَدَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ، فَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّ مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ هُوَ مِنَ الْخَبِيثِ، جَازَ لَهُ الْإِجَابَةُ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، فَإِنْ كَانَ دَعَاهُ إِلَى شَيْءٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ خَبِيثٌ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْمَالُ الْخَبِيثُ، إِنْ تَرَكَ الْإِجَابَةَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ»[٧٠]، وقال رجل لأحمد بن حنبل: «إِنَّ لِي جَارًا يَأْكُلُ الرِّبَا، وَإِنَّهُ يَدْعُونِي»، فقال: «أَمَّا أَنَا فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ مَالِ الرَّجُلِ حَرَامًا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ آكُلَ مِنْ مَالِهِ»[٧١]، وقال المروذيّ: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الَّذِي يَتَعَامَلُ بِالرِّبَا، يُؤْكَلُ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ: لَا، قَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤكِلَهُ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ»[٧٢]، وقال المروذيّ: «قُلْتُ لِأَحْمَدَ: هَلْ لِلْوَالِدَيْنِ طَاعَةٌ فِي الشُّبْهَةِ؟ فَقَالَ: فِي مِثْلِ الْأَكْلِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمَا عَلَيْهَا، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَعْصِيَهُمَا، يُدَارِيهِمَا، وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الشُّبْهَةِ مَعَ وَالِدَيْهِ»، فذكر له المروذيّ قول الفضيل: «كُلْ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ»، فقال أحمد: «وَمَا يُدْرِيهِ أَيَّهُمَا الْحَرَامُ؟!» وذكر له المروذيّ قول بشر بن الحارث، وسئل: «هَلْ لِلْوَالِدَيْنِ طَاعَةٌ فِي الشُّبْهَةِ؟» فقال: «لَا»، قال أحمد: «هَذَا شَدِيدٌ»، قال المروذيّ: «قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَلِلْوَالِدَيْنِ طَاعَةٌ فِي الشُّبْهَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حَقًّا، قُلْتُ: فَلَهُمَا طَاعَةٌ فِيهَا؟ قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تُعْفِيَنِي، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَشَدَّ مِمَّا يَأْتِي، قُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ الْعَبَّادَانِيَّ عَنْهَا، فَقَالَ لِي: بِرَّ وَالِدَيْكَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَدْ رَأَيْتَ مَا قَالَ، وَهَذَا بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قَدْ قَالَ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَ أَنْ يُدَارِيَهُمْ»، وروى المروذيّ عن عليّ بن عاصم أنّه سئل عن الشبهة، فقال: «أَطِعْ وَالِدَيْكَ»، وسئل عنها بشر بن الحارث، فقال: «لَا تُدْخِلْنِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ وَالِدَيْكَ»[٧٣]، فكرهوا القول بتحريم أكل الشبهة، لأنّ طاعة الوالدين واجبة، وترك الشبهة مستحبّ غير واجب، والإهتمام بالواجب أولى من الإهتمام بالمستحبّ، وقال صالح بن أحمد بن حنبل لأبيه: «مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، يَدْعُونِي إِلَى غَدَائِهِ وَعَشَائِهِ، أُجِيبُهُ وَأُجَالِسُهُ؟» فقال: «تَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ، فَإِذَا كَانَ كَسْبُهُ كَسْبًا طَيِّبًا وَعَصَى اللَّهَ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ يَدْعُو، أَلَا يُجَابُ؟!»[٧٤]، وقال المروذيّ: «قُلْتُ لِأَحْمَدَ: أَمُرُّ بِقَرْيَةِ جَهْمِيٍّ، وَلَيْسَ مَعِي زَادٌ، تَرَى أَنْ أَطْوِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، اطْوِ، وَلَا تَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا»، وقال المروذيّ في موضع آخر: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ، قُلْتُ: أَبِيعُ الثَّوْبَ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي أَكْرَهُ كَلَامَهُ وَمُبَايَعَتَهُ، أَعْنِي الْجَهْمِيَّ؟ قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَنْظُرَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَمَا سَأَلْتُهُ عَنْهَا، قَالَ: تَوَقَّ مُبَايَعَتَهُ، قُلْتُ: فَإِنْ بَايَعْتُهُ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تَرُدَّ الْبَيْعَ، فَافْعَلْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يُمَكِّنِّي، أَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى هَذَا، فَتَذْهَبَ أَمْوَالُهُمْ»[٧٥]، وقال السغديّ من الحنفيّة: «يُكْرَهُ جَوَائِزُ السُّلْطَانِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَكُلِّ مَنْ غَلَبَ الْحَرَامُ عَلَى مَالِهِ، وَأَنْ يُؤْكَلَ مِنْ طَعَامِهِ، وَأَنْ تُجَابَ دَعْوَتُهُ، إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ أَوْ عُذْرٍ»[٧٦]، وأخبرنا بعض أصحابنا، قال: «كَانَ الْمَنْصُورُ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِ مَنْ لَا يَثِقُ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا أَهْدَى إِلَيْهِ طَعَامًا قَبِلَهُ مِنْهُ لِكَيْ لَا يَحْزَنَ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ فَكُلُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَتَصَدَّقُوا بِهِ».

↑[١] . الزهد والرقائق لابن المبارك، ص٤١٥؛ الزهد لوكيع، ص٤٨٩؛ مسند أحمد، ج٢٠، ص٣٤٦؛ الكافي للكليني، ج٢، ص٨٦؛ معجم ابن الأعرابي، ج٣، ص٨٩٩؛ فوائد أبي محمد الفاكهي، ص٢٠٣؛ أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني، ص٢٦٩؛ العزلة للخطابي، ص٩٧؛ معرفة علوم الحديث للحاكم، ص٩٥؛ أمالي ابن بشران (الجزء الأول)، ص٣٦٩؛ مسند الشهاب لابن سلامة، ج٢، ص١٨٤
↑[٢] . الزهد والرقائق لابن المبارك، ص٣٩٢؛ الزهد لوكيع، ص٤٩٣؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٢، ص١٥٤؛ مسند أحمد، ج٣٣، ص٣٢؛ السنة لابن أبي عاصم، ج١، ص٤٦؛ صحيح ابن خزيمة، ج٢، ص١٩٩؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج١، ص٤٥٧؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٣، ص٢٧
↑[٣] . مسند أحمد، ج٣، ص٣٥٠؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٠٠٨؛ السنة لابن أبي عاصم، ج١، ص٤٦؛ سنن النسائي، ج٥، ص٢٦٨؛ المنتقى لابن الجارود، ص١٨٦؛ مسند أبي يعلى، ج٤، ص٣١٦؛ صحيح ابن خزيمة، ج٤، ص٢٧٤؛ أمالي المحاملي (رواية ابن يحيى البيع)، ص٨٤؛ صحيح ابن حبان، ج٦، ص٣٩٠؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج١، ص٦٣٧
↑[٤] . الزهد لوكيع، ص٤٠٤؛ مصنف عبد الرزاق، ج٨، ص٤٣٦؛ مسند ابن أبي شيبة، ج١، ص١٤٦؛ مسند أحمد، ج٦، ص١٦٧؛ صحيح مسلم، ج٨، ص٥٨؛ سنن أبي داود، ج٤، ص٢٠١؛ مسند البزار، ج٥، ص٢٦٤؛ مسند أبي يعلى، ج٨، ص٤٢٢؛ مستخرج أبي عوانة، ج٢٠، ص٣٠٦؛ المعجم الكبير للطبراني، ج١٠، ص١٧٥
↑[٥] . راجع: الدروس، الباب ٢، الدرس ٥٧.
↑[٦] . البقرة/ ٢٢٩
↑[٧] . النّساء/ ١٣-١٤
↑[٨] . مصنف عبد الرزاق، ج٤، ص١٨٣؛ صحيح البخاري، ج١، ص١٣؛ مسند عائشة لابن أبي داود، ص٦٩؛ المحلى بالآثار لابن حزم، ج٤، ص٣٤٠
↑[٩] . الثاني من حديث سفيان بن عيينة للطائي، ص١٤٠؛ تفسير الطبري، ج١١، ص١١٤؛ المعجم الكبير للطبراني، ج٢٢، ص٢٢١؛ الكامل لابن عدي، ج٢، ص٩٧؛ الأمالي للمفيد، ص١٥٩
↑[١٠] . البقرة/ ١٧٣
↑[١١] . البقرة/ ١٨٨
↑[١٢] . البقرة/ ١٨٨
↑[١٣] . التّوبة/ ١١٥
↑[١٤] . الأنفال/ ٤٢
↑[١٥] . الأنعام/ ١١٩
↑[١٦] . المائدة/ ٨٧
↑[١٧] . البقرة/ ١٨٥
↑[١٨] . المائدة/ ٦
↑[١٩] . المحاسن للبرقي، ج٢، ص٤٩٥؛ الكافي للكليني، ج٥، ص٣١٣؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٣، ص٣٤١؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٢٢٦
↑[٢٠] . الكافي للكليني، ج٥، ص٣١٣؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٧، ص٢٢٦
↑[٢١] . مريم/ ٦٤
↑[٢٢] . شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج٢، ص٢٢٦
↑[٢٣] . مسند ابن الجعد، ص٤٣٥؛ مسند أحمد، ج١٥، ص٩٩؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٤، ص٢٢٢؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج٣، ص٥٠؛ سنن الدارقطني، ج٥، ص٤٦٦؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص١٤٠؛ شعب الإيمان للبيهقي، ج٧، ص٥٢٦
↑[٢٤] . المحاسن للبرقي، ج٢، ص٤٥٢؛ الكافي للكليني، ج٦، ص٢٩٧؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٩، ص١٠٠
↑[٢٥] . النّحل/ ٢٣
↑[٢٦] . الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٦، ص٤١٣؛ التواضع والخمول لابن أبي الدنيا، ص١٤٢؛ تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي، ص١٨٣؛ تاريخ دمشق لابن عساكر، ج١٤، ص١٨١
↑[٢٧] . انظر: مكارم الأخلاق للطبراني، ص٣٧٥.
↑[٢٨] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج٩، ص٧٨
↑[٢٩] . الكافي للكليني، ج٦، ص٣٣٩
↑[٣٠] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج٢، ص٢٣٤
↑[٣١] . المحاسن للبرقي، ج٢، ص٤٩٥
↑[٣٢] . من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج١، ص٢٥٨؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٢، ص٣٦٨
↑[٣٣] . الحجرات/ ١٢
↑[٣٤] . النّور/ ١٢
↑[٣٥] . المحاسن والأضداد للجاحظ، ص٤٦؛ الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار، ص٣٢؛ الزهد لأبي داود، ص٩٨؛ المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص١٦٦؛ اعتلال القلوب للخرائطي، ج٢، ص٣٦٩؛ الكافي للكليني، ج٢، ص٣٦٢؛ التوبيخ والتنبيه لأبي الشيخ الأصبهاني، ص٧٦؛ الأمالي لابن بابويه، ص٣٨٠؛ شعب الإيمان للبيهقي، ج٣، ص٣٢٣
↑[٣٦] . النّساء/ ٩٤
↑[٣٧] . البقرة/ ١٠٥
↑[٣٨] . أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة، ص٧١؛ الجامع لمعمر بن راشد، ج١٠، ص٤٤٦؛ مغازي الواقدي، ج١، ص٣٤٦ و٣٥٠، ج٢، ص٥٧٥؛ الأموال للقاسم بن سلام، ص٣٢٧؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٦، ص٥٤؛ الأموال لابن زنجويه، ج٢، ص٥٨٧؛ التاريخ الكبير للبخاري، ج٦، ص٣٩١؛ السيرة النبوية وأخبار الخلفاء لابن حبان، ج١، ص٢٣٢
↑[٣٩] . المحاسن للبرقي، ج٢، ص٤١١؛ الكافي للكليني، ج٦، ص٢٧٤
↑[٤٠] . مادَّةٌ خاصَّةٌ تستخرج من الجزء الباطنيّ من معدة الرضيع من العجول أَو الجِداءِ أَو نحوهما، بها خميرةٌ تُجبِّن اللبنَ.
↑[٤١] . دعائم الإسلام لابن حيّون، ج٢، ص١٢٦
↑[٤٢] . الكافي للكليني، ج٦، ص٢٥٧
↑[٤٣] . الكافي للكليني، ج٦، ص٢٣٧؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٣، ص٣٣٢؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٩، ص٧٢
↑[٤٤] . المحاسن للبرقي، ج٢، ص٤٩٦
↑[٤٥] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج٢، ص٣٦٨
↑[٤٦] . مسائل علي بن جعفر، ص٢١٧؛ قرب الإسناد للحميري، ص٢١٠؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص٢٦٣؛ مستطرفات السرائر لابن إدريس، ص١٠٥
↑[٤٧] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٥، ص١٣١
↑[٤٨] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٥، ص١٣١
↑[٤٩] . مصنف عبد الرزاق، ج٤، ص٥٣٩
↑[٥٠] . مصنف عبد الرزاق، ج٤، ص٥٣٩
↑[٥١] . في بعض النسخ: سوق المدينة.
↑[٥٢] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٤٥٣
↑[٥٣] . مصنف عبد الرزاق، ج١، ص٢٨٩
↑[٥٤] . أي سريع التأثّر بالبرد.
↑[٥٥] . الكافي للكليني، ج٣، ص٣٩٧؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٢١، ص٢٠٣
↑[٥٦] . مسند أحمد، ج٤١، ص٤٦٨؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص١٤٢؛ معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني، ج٦، ص٣٥٠٨
↑[٥٧] . يعني المتعارضين فخرًا ورئاء.
↑[٥٨] . مسند ابن الجعد، ج٤٥٨؛ التاريخ الكبير للبخاري، ج٤، ص٥٥٠؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٣٤٤؛ مسند البزار، ج١٦، ص١٦١؛ المعجم الكبير للطبراني، ج١١، ص٣٤٠؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص١٤٣؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١٥، ص٤٧
↑[٥٩] . انظر: مسند أبي داود الطيالسي، ص٢٩٤؛ مسند أحمد، ج٣، ص٣٨؛ مسند الدارمي، ج٢، ص١٠٣؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٤٤٢؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٢٧؛ صحيح ابن حبان، ج٢، ص٣١٤؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص١٢٨؛ شعب الإيمان للبيهقي، ج٧، ص٤٢؛ الأمالي للطوسي، ص٥٣٥؛ مكارم الأخلاق للطبرسي، ص٤٦٦.
↑[٦٠] . صحيح البخاري، ج٧، ص٨٢
↑[٦١] . مصنف عبد الرزاق، ج٨، ص١٥٠
↑[٦٢] . انظر: جزء بكر بن بكار، ص١٦٣؛ مصنف عبد الرزاق، ج٨، ص١٥٠؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٥، ص٥٤٧.
↑[٦٣] . السنن الكبرى للبيهقي، ج٥، ص٥٤٧
↑[٦٤] . مصنف عبد الرزاق، ج٨، ص١٥١
↑[٦٥] . المحلى بالآثار لابن حزم، ج٨، ص١١٨
↑[٦٦] . مصنف عبد الرزاق، ج٨، ص١٥١؛ المحلى بالآثار لابن حزم، ج٨، ص١١٧
↑[٦٧] . من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٣، ص١٧٥؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٦، ص٣٣٨
↑[٦٨] . الجامع لمسائل المدونة لابن يونس الصقلي، ج٢٤، ص١٣٩
↑[٦٩] . الأمّ للشافعي، ج٢، ص٢٥٣؛ تعظيم قدر الصلاة للمروزي، ص٩٨٦
↑[٧٠] . مسائل أحمد وإسحاق بن راهويه، ج٦، ص٣٠٧٦
↑[٧١] . مسائل أحمد وإسحاق بن راهويه، ج٦، ص٢٦٢١
↑[٧٢] . الورع للمروذي، ص٥٤
↑[٧٣] . الورع للمروذي، ص٥٦ و٥٧
↑[٧٤] . مسائل أحمد (رواية ابنه أبي الفضل صالح)، ج٢، ص١٥٠
↑[٧٥] . السنة لأبي بكر بن الخلال، ج٥، ص٩٦
↑[٧٦] . النتف في الفتاوى للسغدي، ج٢، ص٨١١