١ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: إِذَا سَكَتَ الْعَالِمُ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَإِذَا قَالَ بَاطِلًا غَضِبَ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا!

٢ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: قَالَ لِيَ الْمَنْصُورُ: كَيْفَ وَجَدْتَنِي عِنْدَ قَوْمِكَ؟ يَعْنِي أَهْلَ إِيرَانَ، قُلْتُ: أَمَّا عُلَمَاؤُهُمْ فَيَسْكُتُونَ عَنْكَ، وَأَمَّا جُهَّالُهُمْ فَيَقَعُونَ فِيكَ! قَالَ: لَا تَسْتَغْرِبْ ذَلِكَ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَهْلَ بَيْتٍ كَانَتْ لَهُمْ كَلْبَةٌ فِي دَارِهِمْ، فَضَافَهُمْ ضَيْفٌ، فَقَالَتِ الْكَلْبَةُ: وَاللَّهِ لَا أَنْبَحُ ضَيْفَ أَهْلِيَ اللَّيْلَةَ، فَنَبَحَ جِرَاؤُهَا فِي بَطْنِهَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مَثَلُ قَوْمٍ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، يَغْلِبُ جُهَّالُهُمْ عُلَمَاءَهُمْ!

٣ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: كَانَ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ رَجُلٌ حَكِيمٌ، فَرَأَى كَلْبَةً حَوْلَهَا جِرَاءٌ يَنْبَحُونَ، وَأُمُّهُمْ سَاكِتَةٌ، فَقَالَ: هَذَا مَثَلٌ! سَيَأْتِي زَمَانٌ يَنْطِقُ أَهْلُ الْجَهْلِ، وَيَصْمُتُ الْعُلَمَاءُ!

٤ . أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّبْزَوَارِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: لَقَدْ أَتْعَبَنَا مُجَادَلَةُ الْجُهَّالِ فِيكَ! فَقَالَ: لَوْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ تَكَلَّمُوا لَسَكَتَ الْجُهَّالُ، وَلَكِنَّهُمْ سَكَتُوا فَتَكَلَّمَ الْجُهَّالُ، وَلَا يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا عُلَمَاؤُهُمْ سُكُوتٌ وَجُهَّالُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ! أَوْ قَالَ: وَكَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ؟! الشَّكُّ مِنْ صَالِحِ بْنُ مُحَمَّدٍ.

٥ . أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُمِّيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: بَلَّغْتُ قَوْلَكَ عَالِمَيْنِ مِنْ عُلَمَاءِ قُمَّ، فَكَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ! قَالَ: هَلَكَ الْأَوَّلُ، وَنَظَرَ الْآخَرُ لِنَفْسِهِ! أَلَا إِنَّهُ لَوْ دَامَ عَلَى سُكُوتِهِ هَلَكَ! وَيْلَهُ، كَيْفَ يَسْكُتُ؟! وَلَا يَرَى إِلَّا جَمِيلًا! ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ مَنْ سَرَقَ عِلْمًا عَالِمًا، وَلَكِنَّ الْعَالِمَ مَنْ مَلَكَهُ وَأَحْرَزَهُ فِي قَلْبِهِ.

٦ . أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الطِّهْرَانِيُّ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ عُلَمَاءُ إِيرَانَ، فَقَالَ: هَلْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَتِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا لَهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ؟! قُلْتُ: هُمْ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ: مِنْهُمْ جَاحِدٌ يُرِيدُ إِنْسَاءَ ذِكْرِكَ، وَمِنْهُمْ مُسْتَكْبِرٌ يَسْتَضْعِفُكَ وَيَزْدَرِيكَ، وَمِنْهُمْ حَاسِدٌ يَحْسُدُكَ وَيَعْلُو عَلَيْكَ، وَمِنْهُمْ شَاكٌّ يَشُكُّ فِيكَ وَيَتَرَبَّصُ بِكَ، وَمِنْهُمْ خَائِفٌ يَخَافُ أَنْ يَمَسَّهُ سُوءٌ مِنْ أَعْدَائِكَ! فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقَ الْأَخْبَاثَ الَّذِينَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ! يَقُولُ اللَّهُ: أَبِي يَغْتَرُّونَ؟! أَمْ إِيَّايَ يُخَادِعُونَ؟! أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِؤُونَ؟! فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً يُتْرَكُ الْحَلِيمُ فِيهَا حَيْرَانَ، وَقَدْ فَعَلَ، وَنَحْنُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَسَطْوَتِهِ.

٧ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ عُلَمَاءُ زَمَانِهِ، فَذَمَّهُمْ عَلَى تَغَافُلِهِمْ عَنْ دَعْوَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَهْتَمُّ بِمَا لَا يَنْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ، وَيَخُوضُ فِي الْأَمْرِ الْهَيِّنِ، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَيُضْجِرُ النَّاسَ بِالْإِطَالَةِ وَالْإِعَادَةِ، ثُمَّ إِذَا بَلَغَتْهُ دَعْوَتِي إِلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ﴿وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا[١]، أَوْ كَأَنِّي أَنْعِقُ ﴿بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ[٢]! أَفَيُنْكِرُونَ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ؟! أَمْ يَسْتَخِفُّونَ بِهِ؟! أَمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَكْتُمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ كَمَا كَتَمَ الْيَهُودُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟! أَمْ يَكْرَهُونَ خُرُوجَهُ، فَيُعَرْقِلُونَهُ[٣]؟! أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَسْلُبَهُمْ مَكَانَتَهُمْ إِذَا مَلَكَ، فَيَصُدُّونَهُ؟! أَمْ يَحْسُدُونَنِي عَلَى أَنْ دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ، وَهُمْ أَصْحَابُ دَعْوَةٍ، فَيَسْتَكْبِرُونَ عَلَيَّ؟! وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ! أَمْ لَا يَرَوْنَ مَعِي جُنُودًا، فَيَسْتَضْعِفُونَنِي؟! ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[٤]! أَمْ جِئْتُهُمْ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ، فَيُكَذِّبُونَنِي؟! ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ[٥]! أَمْ يُرْضُونَ الْجَبَابِرَةَ وَالْجُهَّالَ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِّي؟! وَاللَّهُ وَخَلِيفَتُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ! أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَمَسَّهُمْ سُوءٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِنِ اسْتَجَابُوا لِي؟! ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ[٦]، أَفَلَا يَعْقِلُونَ؟! أَمْ ﴿يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا[٧]؟! وَ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ[٨]! وَإِذَا ذُكِرَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ! ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[٩]، وَ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[١٠]!

↑[١] . لقمان/ ٧
↑[٢] . البقرة/ ١٧١
↑[٣] . عرقل الأمر: صعّبه، وأقام في طريقه العقبات.
↑[٤] . الفتح/ ٧
↑[٥] . المؤمنون/ ٧١
↑[٦] . الأنعام/ ٣٢
↑[٧] . الأعراف/ ١٦٩
↑[٨] . المائدة/ ٨٠
↑[٩] . آل عمران/ ٨٧
↑[١٠] . التّوبة/ ٦٩