١ . أَخْبَرَنَا جُبَيْرُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَرَى الَّذِي يُحِبُّ، وَلَوْ صَارَ أَنْ يَأْكُلَ أَغْصَانَ الشَّجَرِ! قُلْتُ: وَمَا الَّذِي يُحِبُّ؟ قَالَ: اجْتِمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نُصْرَتِهِ، قُلْتُ: وَمَا فِي اجْتِمَاعِهِمْ، وَهُمُ الضُّعَفَاءُ وَالْفُقَرَاءُ؟! قَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا فِيهِ، فِيهِ مِفْتَاحُ أَبْوَابِ السَّمَاءِ!

٢ . أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الطِّهْرَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْمَهْدِيِّ كَيْفَ يَغْلِبُ الظَّالِمِينَ، وَلَهُمْ مَا تَرَى مِنَ الْقُوَّةِ؟ قَالَ: يَنْصُرُهُ اللَّهُ بِجُنْدٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَجُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَاللَّهِ لَوْ أَطَاقُوا جُنْدَ الْأَرْضِ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِجُنْدِ السَّمَاءِ! قُلْتُ: مَتَى يَنْزِلُ عَلَيْهِ جُنْدُ السَّمَاءِ؟ قَالَ: إِذَا حُشِرَ لَهُ جُنْدُ الْأَرْضِ.

٣ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ الْمَنْصُورِ ضَعْفَنَا فِي قُوَّةِ الظَّالِمِينَ، فَقُلْنَا: جُعِلْنَا فِدَاكَ، إِنَّا لَا نَرْجُو غَلَبَةً، وَإِنَّمَا نَرْجُو فَكَاكَ رِقَابِنَا مِنَ النَّارِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، لِمَ لَا تَرْجُوا غَلَبَةً؟! أَتَحْسَبُونَ اللَّهَ عَاجِزًا أَوْ بَخِيلًا؟! فَمَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا إِنْ لَمْ تَغْلِبُوا؟! ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَغْلِبُونَ، قُلْنَا: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ جُعِلْنَا فِدَاكَ؟! وَقَدْ تَرَى ضَعْفَنَا فِي قُوَّةِ الظَّالِمِينَ! قَالَ: وَيْحَكُمْ، أَتَنْظُرُونَ إِلَى ضَعْفِكُمْ فِي قُوَّةِ الظَّالِمِينَ، وَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى ضَعْفِهِمْ فِي قُوَّةِ اللَّهِ؟! إِنَّكُمْ إِذًا لَغَافِلُونَ! ثُمَّ قَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ؟! أَتُرِيدُونَ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ: «سَتَغْلِبُونَ فِي سَنَةِ كَذَا، وَبِطَرِيقَةِ كَذَا؟!» لَا وَاللَّهِ، لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ نَبِيٌّ وَلَا وَصِيٌّ لِأَصْحَابِهِ! وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: «سَتَغْلِبُونَ»، فَإِنْ غَلَبْتُمْ بِمَا آتَاكُمُ اللَّهُ مِنَ الْأَسْبَابِ فَقَدْ غَلَبْتُمْ، وَإِنْ لَمْ تَغْلِبُوا بِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِجُنُودٍ مِنَ السَّمَاءِ يُهْلِكُونَ أَعْدَاءَكُمْ كَمَا أَهْلَكُوا عَادًا وَثَمُودَ، ثُمَّ أَنْتُمْ غَالِبُونَ! فَلَا تَحْسَبُوا اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ، وَلَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْجَاهِلِينَ!

٤ . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُودَ الْفَيْض‌آبَادِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنِّي كُلَّمَا تَأَمَّلْتُ كَثْرَةَ الظَّالِمِينَ وَسَعَةَ بِلَادِهِمْ وَقُوَّةَ جُنُودِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ أَخَذَنِي شِبْهُ الْيَأْسِ! فَقَالَ: مِمَّنْ؟ فَسَكَتُّ وَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَأْسُكَ مِنْكَ وَمِنْ إِخْوَانِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَكُنْ آيِسًا وَأَنَا مَعَكَ، وَإِنْ كَانَ يَأْسُكَ مِنَ اللَّهِ فَلَا! أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِمْ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا؟ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا[١]، فَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَابْنَ دَاوُودَ! إِنَّ صَلَاحَ الْأَرْضِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[٢]، فَاسْتَنْزِلُوا أَهْلَ السَّمَاءِ يُصْلِحُوا لَكُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ! قُلْتُ: كَيْفَ نَسْتَنْزِلُ أَهْلَ السَّمَاءِ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ، وَبَذْلِ الطَّاقَةِ، وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمِحْنَةِ! قُلْتُ: إِذًا يَنْزِلُونَ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ يَنْزِلُونَ كَمَا نَزَلُوا عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، وَلَا تَزَالُ يَدُ اللَّهِ مَبْسُوطَةً!

٥ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْمَنْصُورِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَسَأَلَهُ عَنِ الْقِيَامِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَقُومُ أَحَدٌ يَدْفَعُ شَرًّا وَلَا يَدْعُو إِلَى خَيْرٍ إِلَّا صَرَعَتْهُ الْبَلِيَّةُ، حَتَّى تَقُومَ عِصَابَةٌ شَهِدُوا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لَا يُوَارَى قَتِيلُهُمْ، وَلَا يُدَاوَى جَرِيحُهُمْ؟ قَالَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: مَتَى يَقُومُونَ؟ قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى يَعْسُوبِهِمْ، كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ[٣].

٦ . أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورُ يَقُولُ: لَا يَقُومُ الْقَائِمُ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ ﴿هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ[٤]، قُلْتُ: بَعْدَ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ[٥]؟

٧ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: لَا يَخْرُجُ الْمَهْدِيُّ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَلَائِكَةُ، وَلَا يَنْزِلُونَ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمُؤْمِنُونَ بِخُرَاسَانَ، وَالْمُنَافِقُونَ بِالشَّامِ.

٨ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ رِجَالٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ شِبْهَ الْمُغْضَبِ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ قَوْمٍ يَأْمُرُونِي بِالْقِيَامِ وَلَمَّا تَنْزِلِ الْمَلَائِكَةُ؟! وَلَئِنْ قُمْتُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْمَلَائِكَةُ لَكُنْتُ أَضَلَّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِي!

شرح القول:

لمزيد المعرفة عمّا يعتبر شرطًا لنزول الملائكة، راجع: كتاب «هندسة العدل»، ومبحث «كيفيّة إظهار النّاس المهديّ» من كتاب «العودة إلى الإسلام».

↑[١] . فاطر/ ٤٤
↑[٢] . الذّاريات/ ٢٢
↑[٣] . يعسوبهم: رئيسهم وكبيرهم ومقدّمهم، والقزع: قطع من السحاب المتفرّق.
↑[٤] . التّحريم/ ٤
↑[٥] . آل عمران/ ١٢٥