١ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: نَهَى الْعَالِمُ[١] عَنْ تَرْفِيعِ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا مَا أَخَذَ النَّاسُ مِنْ مُلُوكِهِمْ، وَإِنَّ مُلُوكَهُمْ كَانُوا مُسْرِفِينَ، وَدَخَلَ مَقَابِرَ قَوْمٍ وَرَأَى فِيهَا أَبْنِيَةً، فَقَالَ: هَذِهِ أَهْرَامٌ صَغِيرَةٌ!

٢ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَنْ هَدَمَ قَبْرَ مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّمَا هَدَمَ دَارَهُ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ فِيهِ خَلَلًا أَوْ نَقْصًا، أَلَهُ أَنْ يُصْلِحَهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصْلِحَهُ، وَلَيْسَ الْهَدْمُ كَالْإِصْلَاحِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ بُنْيَانًا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَبْرٍ، أَلَهُ أَنْ يَهْدِمَ الْبُنْيَانَ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهُ هَدْمًا فَيُهِينَهُ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى رِفْقٍ، حَتَّى إِذَا سَوَّاهُ جَعَلَ حَوْلَهُ مَوَانِعَ لِكَيْلَا يَطَأَهُ النَّاسُ، قُلْتُ: أَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا بِهَدْمِ الْقُبُورِ؟! قَالَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ بِهَدْمِ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ لِيُذْهِبَ آثَارَ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنْجَاسَهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهَدْمِ قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ، قُلْتُ: فَمَاذَا تَرَى إِنْ كَانَ قَبْرَ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يُهْدَمَ وَلَا يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ، لِكَيْلَا يَكُونَ فِتْنَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا، فَيُوقِعَ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ لَمْ يُبْنَ لَهُ مَا لَمْ يُرْفَعْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ، وَلَا أَقُولُ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْأَحْجَارُ -يَعْنِي الْوَهَّابِيَّةَ! ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ، وَكَانَ يُصْلِحُ لَهُ قَمِيصًا، فَقَالَ: يَهْدِمُونَ قُبُورَ الصَّالِحِينَ، وَيَعْمُرُونَ قُصُورَ الظَّالِمِينَ! لَا وَاللَّهِ مَا بِذَلِكَ أُمِرُوا!

٣ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ[٢]، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ السَّلَفِيَّةِ، فَقَالَ: كَانَ فِي قَرْيَتِي قَبْرٌ لِفُلَانٍ الصُّوفِيِّ، وَكَانَ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَهَدَمْتُهُ! قَالَ: وَهَدَمْتَهُ؟! قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، وَنَفَضْتُ يَدَيَّ مِنْ تُرَابِهِ! قَالَ: هَدَمْتَ الْقَبْرَ الْأَصْغَرَ، وَأَبْقَيْتَ الْقَبْرَ الْأَكْبَرَ! قَالَ: وَمَا الْقَبْرُ الْأَكْبَرُ؟! قَالَ: قَصْرُ الْحَاكِمِ، وَعُبَّادُهُ أَكْثَرُ! فَتَأَمَّلَ الرَّجُلُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَطَعْنَاكَ لَحَمَلْتَنَا عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ، وَلَكِنْ مَا نَصْنَعُ بِالْمَذَاهِبِ؟! ثُمَّ قَامَ وَخَرَجَ.

٤ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّهُمْ يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنْ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى الْمَقَابِرِ، وَيَسْتَنْبِطُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»، فَقَالَ: لَيْسَ حَيْثُ ذَهَبُوا، الْمَسَاجِدُ سَوَاءٌ إِلَّا الثَّلَاثَةَ، وَلَيْسَ الْمَقَابِرُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، فَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَيْهَا إِنْ شِئْتُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ أَوْثَانًا، بِأَنْ تَرْفَعُوهَا، وَتُزَيِّنُوهَا، وَتَتَزَاحَمُوا عَلَيْهَا، وَتَطُوفُوا بِهَا، وَتَنْذُرُوا لَهَا، وَتَسْأَلُوهَا الْحَوَائِجَ، وَتَضَعُوا عَلَيْهَا الْعُقَدَ وَالْأَقْفَالَ، كَمَا يَفْعَلُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ.

↑[١] . يعني المنصور حفظه اللّه تعالى.
↑[٢] . يعني المنصور حفظه اللّه تعالى.