١ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هِيَ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَخِيهِ: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي[١]؟! فَكَانَ لَهُ لِحْيَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[٢]، وَقَالَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ[٣]، فَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ لَهُ لِحْيَةٌ.

٢ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: رَأَى الْمَنْصُورُ رَجُلًا فِي الْمَسْجِدِ قَدْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَتْرُكَ مِنْ لِحْيَتِكَ شَيْئًا تَتَزَيَّنَ بِهِ وَتَتَشَبَّهَ بِالصَّالِحِينَ؟ قَالَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُغْضَبٌ: لَا أَجِدُ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ تَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَلَا أَتَّبِعُ إِلَّا مَا أُمِرَ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ! فَقَالَ الْمَنْصُورُ: أَنْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قُرْآنِيُّونَ؟ قَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، فَقَالَ الْمَنْصُورُ: كَذَبُوا وَكَذَبْتَ! أَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[٤]؟! إِنَّهُ قَدْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلرِّجَالِ أَنْ يَحْلِقُوا وُجُوهَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤُوسَهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: كَمْ مِنْ جَاهِلٍ مُتَكَبِّرٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ قُرْآنِيٌّ وَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ الْقُرْآنِ!

٣ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: لَا تَكْرَهُوا خَلْقَ اللَّهِ وَلَا تُغَيِّرُوهُ، فَإِنَّكُمْ لَا تَخْلُقُونَ شَيْئًا أَحْسَنَ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَحْلِقُ لِحْيَتَهُ، أَهُوَ مِمَّنْ يُغَيِّرُ خَلْقَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَتْرُكْهَا تَنْبُتُ كَأَنَّهُ امْرَأَةٌ.

٤ . أَخْبَرَنَا جُبَيْرُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ حَلْقِ اللِّحْيَةِ، أَهُوَ فِسْقٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ سُنَّةُ الْفَاسِقِينَ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَجِدُ حَالِقَ اللِّحْيَةِ إِلَّا كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، أَوْ سَفِيهًا رَقِيقَ الدِّينِ، أَوْ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ.

٥ . أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَتْلَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: فِي بَلَدِنَا سُلْطَانٌ يَحْلِقُ لِحْيَةَ الرِّجَالِ وَيَكْشِفُ قِنَاعَ النِّسَاءِ! قَالَ: أَقِيلُوهُ، قُلْتُ: لَا سَبِيلَ لَنَا إِلَى إِقَالَتِهِ! فَقَالَ: تُسَلِّطُونَ جَبَّارًا عَلَيْكُمْ، حَتَّى إِذَا طَغَى وَاسْتَأْسَدَ، فَحَلَقَ لِحْيَةَ رِجَالِكُمْ وَكَشَفَ قِنَاعَ نِسَائِكُمْ تَأْتُونَنِي فَتَقُولُونَ: لَا سَبِيلَ لَنَا إِلَى إِقَالَتِهِ؟! لَا وَاللَّهِ لَا يَنْبَغِي لِبَلَدِكُمْ أَنْ يُسْكَنَ!

٦ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: رَأَى الْمَنْصُورُ فِي لِحْيَتِي شُعُوثَةً، فَقَالَ: مِنَ الْمُرُوءَةِ اعْتِدَالُ اللِّحْيَةِ، قُلْتُ: هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لِحْيَتِهِ؟ قَالَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْلِقْ فَيَتَشَبَّهْ بِالْفَاسِقِينَ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ بَلَغَتِ الرُّكْبَةَ! قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا قَوْلُ الْكُهَّانِ وَالْجُوكِيَّةِ[٥]، بَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا وَيَتَجَمَّلُ.

شرح القول:

لقراءة شرح على هذه الأقوال الطيّبة، راجع السؤال والجواب ٦٠ وتعليقاته.

↑[١] . طه/ ٩٤
↑[٢] . الأنعام/ ٩٠
↑[٣] . الممتحنة/ ٦
↑[٤] . الأعراف/ ٣١
↑[٥] . طائفة من الهندوسيّة يبالغون في التقشّف، ومنهم من لا يقصّر شعره.