انْظُرْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ كَيْفَ يَتَنَاحَرُونَ وَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَنَالُوا زِيَادَةً؛ بِالْكِذْبِ وَالْخَدِيعَةِ، بِالْغِيبَةِ وَالْإِفْتِرَاءِ، بِالسَّبِّ وَالْإِسْتِخْفَافِ، بِالتَّمَلُّقِ وَالنِّفَاقِ، بِالْحَسَدِ وَالْخِيَانَةِ، بِالْإِسْتِئْثَارِ وَضِيقِ الْأُفُقِ، بِاللَّجَاجِ وَتَتَبُّعِ الْعَثْرَةِ، بِالنَّمِيمَةِ وَهَتْكِ السِّتْرِ، بِالْحَقْدِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ؛ كَذِبَّانٍ يَخْتَصِمُونَ عَلَى أَنْ يَقْعُدُوا عَلَى بَعْرَةٍ! أَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُؤَجَّلُونَ حَتَّى يَنَالُوا كُلَّ مَا يُرِيدُونَ؟! يَقُولُونَ سَنَفْعَلُ فِي هَذَا الْعَامِ كَذَا وَفِي الْعَامِ اللَّاحِقِ كَذَا، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ أَيَكُونُونَ غَدًا أَحْيَاءً أَمْ أَمْوَاتًا، وَأَصِحَّاءَ أَمْ مَرْضَى، وَأَغْنِيَاءَ أَمْ فُقَرَاءَ، وَأَحْرَارًا أَمْ مَحْبُوسِينَ، وَآمِنِينَ أَمْ خَائِفِينَ! كَلَّا، بَلْ عُمْرُهُمْ أَقْصَرُ مِنْ آمَالِهِمْ، وَمَوْتُهُمْ أَقْرَبُ مِمَّا يَبْتَغُونَ؛ إِذَا فَاجَأَهُمُ الْحَادِثُ، وَأَخْرَجَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَبْدَانِ، كَمَا يُخْرَجُ السَّفُّودُ مِنَ الشِّوَاءِ؛ فَحُمِلُوا عَلَى الْأَيْدِي، وَوُضِعُوا فِي الْقُبُورِ، وَتُرِكُوا فِي الضَّيِّقِ الْمُظْلِمِ وَحِيدِينَ، وَهُمْ يَرَوْنَ انْسِدَادَ الْمَنَافِذِ، وَيَسْمَعُونَ تَسَاقُطَ الْحِصَى، وَيُحِسُّونَ دَبِيبَ النِّمَالِ، وَلَا يَدْرُونَ أَيَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ مِنَ النِّسَاءِ الْعَوَاجِزِ وَالذُّرِّيَّةِ الضُّعَفَاءِ وَالدَّائِنِينَ الْمُسْتَعْجِلِينَ وَالْأَمْوَالِ الْمُفَرَّقَةِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُعَطَّلَةِ، أَمْ يَخَافُونَ مِمَّا يَرِدُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَالَمِ الْمَجْهُولِ وَالْمَخْلُوقَاتِ الْغَرِيبَةِ وَالْحُقُوقِ الْمُدْرِكَةِ وَالتَّكَالِيفِ الْمُفَوَّتَةِ وَالْحِسَابِ الشَّدِيدِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَفَزَعِ الْيَوْمِ الَّذِي تَضْطَرِبُ فِيهِ السَّمَاءُ، وَتَمُوجُ فِيهِ الْأَرْضُ، وَتُظْلِمُ فِيهِ الشَّمْسُ، وَتَنْتَثِرُ فِيهِ النُّجُومُ، وَتَنْتَقِضُ فِيهِ الْجِبَالُ، وَتَغْلِي فِيهِ الْبِحَارُ، وَتُهْمَلُ فِيهِ الْأَمْوَالُ، وَيَقُومُ فِيهِ الْأَمْوَاتُ، وَيَجْفُلُ فِيهِ الْأَحْيَاءُ، وَتَبْلُغُ فِيهِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، فَلَا تَخْرُجُ لِتَقْضِيَ وَلَا تَعُودُ إِلَى مَكَانِهَا لِتُرِيحَ؛ الْيَوْمِ الَّذِي لَمْ يَرَ الْعَالَمُ مِثْلَهُ بَعْدَ النَّشْأَةِ؛ يَوْمٍ كَيَوْمِ النَّشْأَةِ، بَلْ أَفْزَعَ!

اعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ وَأُطْلِقَتْ صَفَّارَتُهَا! عَمَّا قَرِيبٍ تَنْظُرُونَ إِلَى الْفَوْقِ فَلَا تَرَوْنَ السَّمَاءَ، وَتَنْظُرُونَ إِلَى التَّحْتِ فَلَا تَعْرِفُونَ الْأَرْضَ؛ حِينَ تَضْطَرِبُونَ اضْطِرَابَ خَشَبَةٍ فِي الْمَوْجِ، وَتَتَمَايَلُونَ تَمَايُلَ رِيشَةٍ فِي الرِّيحِ، وَلَا تَدْرُونَ أَلَيْلٌ أَمْ نَهَارٌ، وَرُقُودٌ أَمْ أَيْقَاظٌ، وَأَمْوَاتٌ أَمْ أَحْيَاءٌ؛ حِينَ تُسْقِطُ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ حَمْلَهُنَّ، وَتَدَعُ الْمُرْضِعَاتُ مَا يُرْضِعْنَ، وَيُبَيِّضُ الْأَطْفَالُ الصِّغَارُ شَعْرًا، وَتُمْلَأُ قُلُوبُ الشُّجْعَانِ رُعْبًا، وَيَرْجِعُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى أَصْلِهِ، وَلَا يُبَالِي أَحَدٌ إِلَّا بِنَفْسِهِ؛ حِينَئِذٍ تُنَبَّؤُونَ بِمَا عَمِلْتُمْ وَتُجْزَوْنَ بِهِ كَامِلًا؛ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِمَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ وَنَصَرْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فَسَيَكُونُ لَكُمُ الْأَمْنُ؛ فَقَدْ عَمِلْتُمْ خَيْرَ الْعَمَلِ، وَإِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِمَنِ اخْتَارَهُ الْآخَرُونَ وَنَصَرْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فَسَيَكُونُ لَكُمُ الْوَيْلُ؛ فَقَدْ عَمِلْتُمْ شَرَّ الْعَمَلِ؛ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ الظَّالِمِينَ أَنْ سَيَكُونُ لَهُمْ يَوْمٌ عَسِيرٌ، وَسَيُلْقَوْنَ فِي وَادٍ مُمْتَلِئٍ نَارًا وَدُخَانًا؛ الْوَادِ الَّذِي عُمْقُهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ الْمَاءُ الْحَمِيمُ وَالْحَجَرُ الْمُلْتَهِبُ.