كاتب السؤال: رضا الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٤/٢٠

هل كان محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم له تفوّق وجوديّ على غيره بما فيهم الأنبياء السابقون؟ بعض القرآنيّين يعتقدون أنّه لم يكن أفضل الأنبياء؛ كما أنّ المسلمين ليسوا خير الأمم؛ لأنّ القرآن يقول بتفضيل بني إسرائيل على العالمين!

الاجابة على السؤال: ٠ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٤/٢٣

إذا كان «التفوّق الوجوديّ» بمعنى مزيّة في الصفات البشريّة، فإنّه غير ثابت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ لأنّ اللّه تعالى قد اعتبره في هذه الصفات مثل سائر الناس فقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ[١]، ولذلك فإنّ كلّ ضعف ناشئ من البشريّة يوجد فيهم بشكل طبيعيّ، فإنّه موجود فيه أيضًا؛ كالحاجة إلى الماء والطعام واللباس والنوم والزوجة، والتأثّر بالمرض والشيخوخة والموت، وحتّى احتمال الوقوع في بعض أنواع السّهو والنسيان، ممّا ينشأ من القيود الذاتيّة للبشر، ولكن إذا كان «التفوّق الوجوديّ» بمعنى الأكرميّة عند اللّه، فإنّه ثابت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دون أدنى شكّ؛ لأنّه خاتم النبيّين[٢]، وبه كمل الدّين وتمّت النعمة[٣]، وأُخذ ميثاق النبيّين على تصديقه ونصرته[٤]، وهم بشّروا أممهم بظهوره[٥]، وذكروا لهم أوصافه وأوصاف أتباعه[٦]، وأمروهم بطاعته[٧]؛ إذ لا تغني طاعتهم عن طاعته[٨]، ولا معنى للأكرميّة عند اللّه غير هذا. ومن ثمّ، قد اعتبر اللّه فضله عليه عظيمًا[٩]، وأعطاه الكوثر، وهو خير كثير يفوق العادة[١٠]، ووعده «مقامًا محمودًا»[١١] و«فتحًا مبينًا»[١٢] و«نصرًا عزيزًا»[١٣] والظهور على الدّين كلّه[١٤]، وجعل رسالته للناس كافّة[١٥]، بل أرسله إلى الجنّ كما أرسله إلى الإنس[١٦]، وأيّده بجنود من الملائكة[١٧]، ومنع ببركته الشياطين من أن يقتربوا إلى السماء[١٨]، وأسرى به ليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى[١٩]، ومن هناك إلى أعلى مكان في الجنّة ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى[٢٠]، وأراه من آياته الكبرى[٢١]، وبالجملة قد أعطاه حتّى يرضى[٢٢]؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا[٢٣]، مَا هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ فَقَالَ: هُوَ الْوَسِيلَةُ، قُلْتُ: وَمَا الْوَسِيلَةُ؟ قَالَ: أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنَالُهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ هُوَ! قُلْتُ: أَكَانَ هُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَكَانَ سَيِّدَ وُلْدِ آدَمَ».

وممّا يزيد هذا بيانًا قول اللّه تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ[٢٤]؛ لأنّ المراد به أنّ كلًّا من التوراة والإنجيل والقرآن قد أُنزل من عند اللّه، ولكن يجب على الناس أن يتّبعوا أحسن ما أنزل إليهم من عنده، وهو القرآن؛ كما يظهر ذلك من قوله تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[٢٥]؛ إذ يدلّ على وجوب اتّباع أهدى الكتب النازلة من عند اللّه، وبهذا يعلم أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو أفضل نبيّ جاء من عند اللّه؛ إذ لولا ذلك لم يكن اتّباعه اتّباع أحسن ما أُنزل من عند اللّه، وهذا ما أراد السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى بقوله في العتاب على من روى من أهل الحديث أنّ موسى عليه السلام خير من محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن كانوا يرون حقًّا أنّ موسى عليه السّلام خير من محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فلماذا لم يدخلوا شريعة موسى عليه السّلام بدلًا من شريعة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يتّبعوا التوراة بدلًا من القرآن؟!»[٢٦]، وقد فصّل هذا في حكمة بديعة من حِكَمه، وهي ما أخبرنا بها بعض أصحابه، قال:

«سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ۖ[٢٧]، فَقَالَ: كَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ، قُلْتُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّونَ يَتَّبِعُونَ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاتَّبَعُوا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاتَّبَعُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاتَّبَعُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَمَنِ اتَّبَعَ نَبِيًّا غَيْرَهُ فَلَمْ يَتَّبِعْ أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، قُلْتُ: أَمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قَالَ: كَانَ يَتَّبِعُ مِلَّتَهُ، قُلْتُ: وَمَا مِلَّتُهُ؟ قَالَ: الْحَنِيفِيَّةُ، أَلَا تَرَى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[٢٨]؟».

هذا دليل واضح على أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو أفضل الأنبياء، ولا شكّ أنّ أمّته أيضًا هم أفضل الأمم، خلافًا لما يزعم المنافقون؛ لأنّهم يعلمون ويعملون من الدّين ما لا يعلمونه ولا يعملونه، ومن الواضح أنّ العلم والعمل بالدّين هو أساس الفضيلة عند اللّه تعالى؛ كما قال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ[٢٩]، وقال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ[٣٠]. لذلك قال لهم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ[٣١]؛ نظرًا لأنّ المراد بـ«الوسط» هو «الأفضل»؛ كما يشعر بذلك قوله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، ويشهد عليه قوله تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ[٣٢] يعني أفضلهم، وقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى[٣٣]، إذ يدلّ على أفضليّة الصلاة الوسطى، بل صرّح بذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[٣٤]، بعد أن قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[٣٥]، ولا شكّ أنّ هذا نصّ حاسم في أنّ المسلمين هم خير خلق اللّه، واليهود والنصارى والمشركون هم شرّ خلق اللّه، وكذلك قوله تعالى خطابًا للمسلمين: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ[٣٦]، وأمّا ما احتجّ به المنافقون من قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ[٣٧]، فلا حجّة لهم فيه؛ لأنّ قوله تعالى: ﴿فَضَّلْتُكُمْ هو بصيغة الماضي، فإنّما يدلّ على تفضيلهم فيما مضى، ولا يدلّ على استمرار ذلك إلى ما بعد ظهور الإسلام؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ الْقُرْآنِيَّةَ يَقُولُونَ أَنَّ أُمَّةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُمْ: ﴿أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ! فَقَالَ: كَذَبُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ! إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ خَيْرًا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى أَتَاهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ خَيْرًا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنَ الْأُمَّتَيْنِ جَمِيعًا، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ خَيْرٌ! فَقَالَ: كَذَبُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ! أَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ؟! ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنِيَّةَ يَنْتَمُونَ إِلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، إِنَّ الْقُرْآنِيَّةَ هُمُ الضَّالُّونَ».

↑[١] . الكهف/ ١١٠
↑[٢] . الأحزاب/ ٤٠
↑[٣] . المائدة/ ٣
↑[٤] . آل عمران/ ٨١
↑[٥] . الصّفّ/ ٦
↑[٦] . الفتح/ ٢٩
↑[٧] . الأعراف/ ١٥٧
↑[٨] . آل عمران/ ٨٥
↑[٩] . الإسراء/ ٨٧
↑[١٠] . الكوثر/ ١
↑[١١] . الإسراء/ ٧٩
↑[١٢] . الفتح/ ١
↑[١٣] . الفتح/ ٣
↑[١٤] . التّوبة/ ٣٣
↑[١٥] . الأعراف/ ١٥٨
↑[١٦] . الرّحمن/ ٣٣؛ الأحقاف/ ٢٩؛ الجنّ/ ١
↑[١٧] . آل عمران/ ١٢٤-١٢٦
↑[١٨] . الجنّ/ ٩
↑[١٩] . الإسراء/ ١
↑[٢٠] . النّجم/ ١٤
↑[٢١] . النّجم/ ١٨
↑[٢٢] . الصّفّ/ ٥
↑[٢٣] . الإسراء/ ٧٩
↑[٢٤] . الزّمر/ ٥٥
↑[٢٥] . القصص/ ٤٩
↑[٢٧] . الإسراء/ ٥٥
↑[٢٨] . النّحل/ ١٢٣
↑[٢٩] . المجادلة/ ١١
↑[٣٠] . الحجرات/ ١٣
↑[٣١] . البقرة/ ١٤٣
↑[٣٢] . القلم/ ٢٨
↑[٣٣] . البقرة/ ٢٣٨
↑[٣٤] . البيّنة/ ٧
↑[٣٥] . البيّنة/ ٦
↑[٣٦] . آل عمران/ ١١٠
↑[٣٧] . البقرة/ ٤٧