كاتب الشبهة: بهنام تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٥/٥

من المفهوم أنّه لا يتوقّع من السيّد المنصور أن يكون له قول وعمل كقول الإمام المهديّ عليه السلام وعمله، ولكن يتوقّع ممّن يدعو الناس إلى نصرة الإمام المهديّ عليه السلام أن ينصح بلطف ورحمة، دون حدّة وغلظة! أعتقد أنّ التعبير بـ«المزخرفات» في كتابه «العودة إلى الإسلام» عن أشعار جناب الحافظ وجناب السعدي، لا يليق بكلام رجل دين! ليت هذا السيّد الكريم ينصف ويذكر في كتابه بعض أشعارهما الجميلة في معرفة اللّه، ثمّ ينتقد عليهما أشعارهما الخاطئة في إنكار العقل! أعتقد أنّ الأحسن بالنسبة للذين سبقت حسناتهم سيّئاتهم أن ترشدهم إذا كانوا أحياء، وتستغفر لهم إذا كانوا أمواتًا.

الاجابة على الشبهة: ٠ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٥/٦

قول السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في الشعر هو قول الإسلام؛ لأنّ الشعر، بما أنّ الغالب عليه الكذب والمبالغة والمغالطة، لا ينسجم مع مباني الإسلام وأهدافه، واتّباعه يؤدّي إلى الضلال في الفكر؛ كما قال اللّه تعالى في كتابه: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ[١]. بناء على هذا، فإنّ إطلاق «المزخرفات» بمعنى «الأقوال المزيّنة الخاطئة»، على الأشعار الجميلة التي تخالف كتاب اللّه وسنّة نبيّه، هو ما فعله الإسلام، لا المنصور الهاشمي الخراساني، وإن كان مخالفًا لهوى نفسك؛ لأنّ اللّه تعالى في كتابه عبّر عن هذه الأقوال الجميلة الباطلة بـ«زخرف القول»، واعتبرها ملفّقة الشياطين لمعاداة الأنبياء، فقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ[٢]، ومن الواضح أنّ المنصور الهاشمي الخراساني هو متّبع للّه وليس متّبعًا لك، ولا ينبغي لك أن تتوقّع تطابق تعابيره مع ذوقك ورغباتك! من هنا يعلم أنّ قوله لا يخالف قول الإمام المهديّ عليه السلام، بل يخالف قولك؛ لأنّ الإمام المهديّ عليه السلام، وفقًا للخبر المتواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أهل بيته، لا يفترق عن كتاب اللّه، وبالتالي لا يطلق على ما سمّاه كتاب اللّه «زخرف القول» إلا «المزخرف»!

هذا، والإنصاف أنّ السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى لم يطلق على كلّ أشعار الشعراء المائلين إلى التصوّف «المزخرفات»، وإنّما أطلقها على أشعارهم المعادية للعقل والمخالفة لمباني الإسلام؛ كما أنّه لم يستحسن كلّ أشعار الشعراء المائلين إلى الحكمة، وإنّما استحسن أشعارهم الحكيمة التي تتوافق مع مباني الإسلام، وهذا أوضح من أن يخفى على أهل الدّقّة. نعم، إنّه قد وجد الأساس الفكريّ والتوجّه العامّ لشعراء مثل السعديّ والحافظ وجلال الدين البلخيّ صوفيًّا ومتعارضًا مع العقلانيّة الإسلاميّة وذمّه، ولو أنّ في أشعارهم أشعارًا صحيحة ومعقولة، وقد وجد الأساس الفكريّ والتوجّه العامّ لشعراء مثل ناصر خسرو وبروين الإعتصاميّ حكيمًا ومتوافقًا مع العقلانيّة الإسلاميّة وأثنى عليه، ولو أنّ في أشعارهم أشعارًا خاطئة وغير معقولة؛ لأنّ هذا السيّد الكريم «رجل دين»، ويزن الشعر والشاعر بميزان الدين، وإلا فليس لديه عداوة مع أمثال السعديّ والحافظ وجلال الدين البلخيّ، ولا قرابة مع أمثال ناصر خسرو وبروين الإعتصاميّ!

ثمّ إنّه لم يسبّ أحياء الشعراء الصوفيّين ولم يلعن أمواتهم لتقول: «الأحسن أن ترشدهم إذا كانوا أحياء، وتستغفر لهم إذا كانوا أمواتًا»، بل بكلمات مهذّبة ومعقولة في ضوء القرآن الكريم، قام بـ«إرشاد» من كان حيًّا منهم و«نقد» الماضين، وهو بخلافك إذ تحزن على هؤلاء الشعراء، يحزن على المسلمين الذين تحت تأثير «زخرف القول» الموجود في أشعارهم، قد أصيبوا بالإعوجاج الفكريّ والإنحراف عن خطّ الإسلام، وخاضوا في التفاسير الذوقيّة والوهميّة عن الدين المسمّاة بـ«العرفان»، ويجب أن يعودوا من خلال التمسّك باليقينيّات العقليّة والنقليّة إلى «الإسلام الأوّل»، وهو «إسلام محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم»، وليس إسلام السعديّ والحافظ وجلال الدين البلخيّ!

إنّ هذا لقول الحقّ الذي لا ريب فيه، وإن كان يبدو مرًّا فقد كان مصداقًا للمثل المشهور: «الْحَقُّ مُرٌّ»؛ كما جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا»[٣]، وجاء عن عليّ بن الحسين أنّه قال: «اصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا»[٤]، ومن الواضح أنّ تعريف الإسلام عن «الإنصاف» و«اللطف والرحمة» ليس إلا قول الحقّ وإن كان مرًّا ومخالفًا لما تهوى الأنفس؛ كما قال: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ[٥].

↑[١] . الشّعراء/ ٢٢٤-٢٢٦
↑[٢] . الأنعام/ ١١٢
↑[٣] . الأصول الستة عشر لعدة من المحدثين، ص٧٥؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٤، ص٢٢٩؛ الزهد لأحمد بن حنبل، ص٦٥؛ المحاسن للبرقي، ج١، ص١١؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا، ص٨٥؛ مسند الحارث، ج١، ص٥٢٥؛ مسند البزار، ج٩، ص٣٨٣؛ مكارم الأخلاق للخرائطي، ص١٠٢؛ فوائد محمد بن مخلد، ص٢٩؛ صحيح ابن حبان، ج٢، ص١٩٤؛ المعجم الكبير للطبراني، ج٢، ص١٥٦؛ الخصال لابن بابويه، ص٥٢٦؛ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج١، ص١٦٨؛ مسند الشهاب لابن سلامة، ج١، ص٣٧٨؛ شعب الإيمان للبيهقي، ج٥، ص١٠٤؛ أمالي الطوسي، ص٥٤١؛ الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي، ج٣، ص٣١؛ مستطرفات السرائر لابن إدريس، ص٢٩٥
↑[٤] . الكافي للكليني، ج٢، ص٩١؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٤، ص٤١٠
↑[٥] . المؤمنون/ ٧١