أخبرنا بعض أصحابنا، قال: كنّا عند السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، فدخل عليه رجل من أصحابنا معه ورقة. فلمّا جلس أقبل على جنابه فقال: «جعلت فداك، هذه عريضة كتبتها لك امرأة من مواليك وأوصلتها إليّ بغير واحد من الوسطاء لأوصلها إليك. فهل أناولك إيّاها لتقرأها؟» قال: «لَا، وَلَكِنِ اقْرَأْهَا جَاهِرًا لِيَسْمَعَهَا الْجَمِيعُ». فقرأها جاهرًا، فإذا فيها: «السّلام على عبد اللّه المخلص! أنا امرأة لا تصلّي، بالرغم من أنّي معتقدة بالدّين، وملتزمة بالحجاب حتّى النقاب، ولا أستمع إلى الغناء. مع ذلك، قد تركت الصلاة منذ بعض الوقت، ولا يعلم هذا إلا اللّه؛ لأنّي أخفيته من الجميع. إنّي حزينة على هذا جدًّا، ولكن يبدو أنّه ليس في إرادتي! لقد عدت تعبة وأطلب إليك إرشادي؛ لأنّي أفكّر فيه كلّ يوم. إنّي لا أريد أن يطردني سيّدي المهديّ، وأن أخرج من عداد أنصارك. إنّي لست أخاف جهنّم، ولكن إن قال لي سيّدي المهديّ: <لا تأتيني>، فذلك لي جهنّم! فأتمنّى أن ترشدني وتدعو لي حتّى لا أكون من الخاسرين». فعجب أصحابنا من هذه الكلمات واستغربوها، وأقبل بعضهم على بعض يتناجون أن كيف يمكن هذا؟! فأقبل عليهم جنابه فقال:

أَعَجِبْتُمْ مِنْ هَذَا؟ وَقَدْ يُوجَدُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ صِفَاتٌ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا! تَقُولُونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الْمَنْصُورِ، وَلَا تَتْرُكُونَ الدُّنْيَا لِأَهْلِهَا، وَلَا تَرْغَبُونَ عَنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَآبَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ، وَتُذْنِبُونَ فِي السِّرِّ كَأَنَّكُمْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ! إِنَّ الْجَهْلَ يُمْرِضُ الْقَلْبَ، وَالْغَفْلَةَ تُضْعِفُهُ، وَالذَّنْبَ يُمِيتُهُ، وَطُولَ الْأَمَدِ يُنَتِّنُهُ كَمَا يُنَتِّنُ الْمَيْتَةَ، ثُمَّ يَسْرِي كُلُّ مَرَضٍ وَضَعْفٍ وَمَوْتٍ وَنَتْنٍ فِيهِ إِلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، فَيُفْسِدُهَا جَمِيعًا. فَتَدَارَكُوا جَهْلَكُمْ بِالْعِلْمِ، وَغَفْلَتَكُمْ بِالذِّكْرِ، وَذُنُوبَكُمْ بِالتَّوْبَةِ، مُسَارِعِينَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطُولَ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَعْجَزُوا.

ثُمَّ مَنْ هَذِهِ الَّتِي تَنْفَخُ الْغُبَارَ مِنْ كُمِّهَا لِكَيْ لَا يُغَبِّرَهَا، وَلَا تَغْسَلُ النَّجَاسَةَ مِنْ بَدَنِهَا، وَقَدْ لَوَّثَتْهَا إِلَى عُنُقِهَا؟! أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمُ السَّمَاءَ حَتَّى يَدْخُلَ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا، وَمِفْتَاحُ الْبَابِ الْأَوَّلِ الصَّلَاةُ؟! فَصَلُّوا وَلَا تَقُولُوا لَا نُصَلِّي؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي لَا يَصِلُ إِلَى السَّمَاءِ وَإِنْ صَامَ وَتَصَدَّقَ وَحَجَّ وَأَكْثَرَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، بَلِ اللَّهُ رَبُّنَا لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ.

فَيَا عَجَبًا لِمَنْ يَخَافُ عِتَابَ الْمَهْدِيِّ، وَلَا يَخَافُ عَذَابَ جَهَنَّمَ! أَيَخَافُ مِنْ خَلِيفَةِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُ مِنَ اللَّهِ نَفْسِهِ؟! فَلَوْ كَانَ يَعْرِفُ اللَّهَ لَخَافَ مِنْهُ، بَلْ لَوْ كَانَ يَعْرِفُ خَلِيفَتَهُ أَيْضًا لَخَافَ مِمَّا هُوَ خَائِفٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْدِيَّ يَخَافُ عَذَابَ جَهَنَّمَ وَيَرْتَعِدُ مِنْ خَوْفِهِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، بَلِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَجِبْرِيلُ الَّذِي هُوَ أَمِينُ رَبِّنَا، يَخَافُونَ عَذَابَ جَهَنَّمَ وَيَرْتَعِدُونَ مِنْ خَوْفِهِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَرٍّ وَلَا فِتْنَةٍ وَلَا أَلَمٍ وَلَا هَلَاكٍ إِلَّا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي جَهَنَّمَ، وَمَا مِنْ خَيْرٍ وَلَا عَافِيَةٍ وَلَا رَاحَةٍ وَلَا رَحْمَةٍ إِلَّا وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهَا، وَلِذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَتَمَتَّعُ بِعَقْلٍ فَهُوَ يَخَافُهَا، وَلَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُصَلِّي لِجُرْأَتِهِ. وَلَوْ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَخَافُ جَهَنَّمَ، فَلَا يَزَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ شُكْرًا عَلَى نِعَمِ اللَّهِ وَطَاعَةً لِأَمْرِهِ، وَلَا يَسْلُكَ طَرِيقَ عَدُوِّهِ الشَّيْطَانِ الَّذِي تَمَرَّدَ عَلَى أَمْرِهِ وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ، فَشَقِيَ وَلُعِنَ. أَلَا فَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الشَّيْطَانِ وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ، فَسَوْفَ يَصِيرُ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَيُصَاحِبُهُ فِي جَهَنَّمَ؛ إِلَّا أَنَّهُ سَوْفَ يُبَكِّتُهُ فِيهَا وَيَقُولُ لَهُ: «وَيْلَكَ؛ فَإِنِّي لَمْ أَسْجُدْ لِآدَمَ، وَأَنَّكَ لَمْ تَسْجُدْ لِلَّهِ»! أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي هُوَ شَرٌّ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ أُمِرَ بِأَنْ يَسْجُدَ لَهُ، وَهُوَ يَسْجُدُ لِلشَّيْطَانِ! إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَيُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

في هذا الوقت، قال بعض أصحابنا لجنابه: «يا أستاذ! ادع لها؛ فإنّها من مواليك». فرفع جنابه يديه بالدعاء، فقال:

اللَّهُمَّ يَا مَنْ يَحْلُمُ عَنْ جَهْلِ عِبَادِهِ، وَلَا يَعْجَلُ فِي عِقَابِهِمْ، وَلَا يَزَالُ قَادِرًا عَلَى هِدَايَتِهِمْ! ارْحَمْ أَمَتَكَ هَذِهِ، وَوَفِّقْهَا لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُحِبُّ أَنْ تَتَطَهَّرَ، وَتُحِبُّ خَلِيفَتَكَ الْمَهْدِيَّ.

فقال أصحابنا كلّهم: «آمين ربّ العالمين».