١ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُنْكِرُ الْمَهْدِيَّ وَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ! قَالَ: أَفَيُنْكِرُهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟! كَالْمُسْتَبْعِدِ لِذَلِكَ! قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: سَوْفَ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، قُلْتُ: أَفَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ؟! قَالَ: لَا، وَلَكِنْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا، ثُمَّ قَالَ: لَا يَكْفُرُونَ حَتَّى يَجْحَدُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ.

٢ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: رِوَايَةٌ يَرْوُونَهَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِي يَعْنِي الْمَهْدِيَّ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، فَقَالَ: هُوَ كَذَلِكَ إِذَا أَنْكَرَهُ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِاسْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ بِاسْمِهِ فَقَدْ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الِّذِي تَسْتَعْجِلُونَ.

٣ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: لَقَدْ حَيَّرَتْنِي آيَةٌ فِي الْقُرْآنِ! قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ[١]، فَأَيْنَ الضَّالُّ الَّذِي لَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ؟! قَالَ: يَا أَحْمَدُ! إِنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّتَيْنِ مَا دَامَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَصْبَحُوا ثَلَاثَ أُمَمٍ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً ضَالَّةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، وَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَهْدِيُّ، فَإِذَا أَتَاهُمُ الْمَهْدِيُّ أَصْبَحُوا أُمَّتَيْنِ كَمَا كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، قُلْتُ: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ مِنَ اللَّهِ كَمَا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ!

شرح القول:

يتّضح من هذه الحِكَم الجليلة أنّ من أنكر المهديّ قبل ظهوره ليس بكافر؛ لأنّه لم ينكر آية من اللّه، وإنّما أنكر خبرًا بلغه عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم معتقدًا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يقله، وإن كان في ضلال مبين لتواتر ذلك عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولكنّ من أنكر المهديّ بعد ظهوره فهو كافر؛ لأنّ المهديّ إذا ظهر ظهر معه آيات بيّنات كالنداء من السماء باسمه، ولا شكّ أنّ من أنكر آية بيّنة فهو كافر؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ[٢]، ويتّضح منها أنّ الناس في زمن المهديّ يرجعون إلى الحال التي كانوا عليها في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وكانوا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فريقين: فريق يعرفون خليفة اللّه في الأرض ويقرّون بفرض طاعته فهم المؤمنون، وفريق لا يعرفون خليفة اللّه في الأرض ولا يقرّون بفرض طاعته فهم الكافرون، ولم يكن هناك مسلم لا يعرف خليفة اللّه في الأرض ولا يقرّ بفرض طاعته حتّى يُعتبر ضالًّا دون أن يُعتبر كافرًا. هذا أمر محدَث حدث بعد أن توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، إذ اختلف الناس في الخلافة وضلّ أكثرهم عن خليفة اللّه في الأرض على الرغم من إسلامهم، ولا يخفى أنّ المراد بالإيمان هنا هو الإعتقاد الصّحيح بغضّ النظر عن نوع العمل؛ لأنّه كان في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم رجال من المسلمين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر، ولم يكونوا مؤمنين من الناحية العمليّة، إلا أنّهم كانوا يتولّون اللّه ورسوله، فألحقهم اللّه بالمؤمنين لصحّة اعتقادهم؛ كما روي أنّ رجلًا من الأنصار كان لا يصبر عن شرب الخمر، فأتي به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مرارًا، فضربه في كلّ مرّة، فلمّا كثر ذلك منه قال رجل من القوم: «لَعَنَهُ اللَّهُ! مَا أَكْثَرَ مَا يَشْرَبُ وَمَا أَكْثَرَ مَا يُضْرَبُ!» فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لَا تَلْعَنْهُ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»[٣]، وروي أنّ رجلًا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن الساعة، فقال له: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» فقال الرّجل: «مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ، لَا صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» أو قال: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»[٤]، وروي أنّ رجلًا كان يحبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حبًّا شديدًا، ففقده أيّامًا فسأل عنه، فقالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاتَ وَلَقَدْ كَانَ عِنْدَنَا أَمِينًا صَدُوقًا إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ»، قال: «وَمَا هِيَ؟» قالوا: «كَانَ يَرْهَقُ» يعنون يتبع النساء، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا لَوْ كَانَ نَخَّاسًا لَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ»[٥]، وهذا يدلّ على أنّ من عرف خليفة اللّه في الأرض وأخلص له الولاية فهو معدود من المؤمنين وإن كان في أعماله مسيئًا، ولذلك فإنّ الفسّاق من المسلمين إذا لم يكونوا ضالّين من الناحية الإعتقاديّة فهم يُلحقون بالمؤمنين وإن لم يكونوا منهم، وروي أنّهم يوفّقون للتوبة قبل موتهم؛ كما روى أبو الفرج الأصفهاني بإسناده عن عبّاد بن صهيب أنّه قال: «كُنْتُ عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَأَتَاهُ نَعْيُ السَّيِّدِ -يَعْنِي الْحِمْيَرِيَّ-، فَدَعَا لَهُ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، تَدْعُو لَهُ وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ؟! فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، أَنَّ مُحِبِّي آلِ مُحَمَّدٍ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا تَائِبِينَ وَقَدْ تَابَ، وَرَفَعَ مُصَلًّى كَانَتْ تَحْتَهُ، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنَ السَّيِّدِ يُعَرِّفُهُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَابَ وَيَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ لَهُ»[٦] واللّه أعلم، ولا يبعد أن يكون المراد بالناس هنا جمهورهم؛ فإنّ جمهورهم في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كانوا كافرين أو مؤمنين، وإن كان فيهم شرذمة لم يكونوا كافرين ولا مؤمنين؛ مثل الفسّاق من الصحابة والأعراب الذين قالوا آمنّا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، فلمّا توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أصبح جمهور الناس كافرين أو ضالّين أو مؤمنين، وأصبح المؤمنون في الأقلّيّة بعد أن كانوا في الأكثريّة، وهكذا يكونون حتّى يأتيهم المهديّ، فإذا أتاهم المهديّ أصبح جمهورهم كافرين أو مؤمنين مرّة أخرى، وأصبح المؤمنون في الأكثريّة بعد أن كانوا في الأقلّيّة، ولم يبق فيهم مسلم ضالّ وإن بقي فيهم فسّاق مسلمون.

↑[١] . التّغابن/ ٢
↑[٢] . العنكبوت/ ٤٧
↑[٣] . مغازي الواقدي، ج٢، ص٦٦٥؛ مصنف عبد الرزاق، ج٧، ص٣٨٠، ج٩، ص٢٤٥؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٣، ص٤٩٣؛ صحيح البخاري، ج٨، ص١٥٨؛ مسند البزار، ج١، ص٣٩٣؛ مسند أبي يعلى، ج١، ص١٦١؛ معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني، ج٣، ص١٦٢٦؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٨، ص٥٤٢، ج٩، ص١٧٦؛ الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر، ج٤، ص٥٢٩
↑[٤] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص١٩٩؛ أحاديث إسماعيل بن جعفر، ص١٩٢؛ مسند عبد اللّه بن المبارك، ج١، ص٨؛ حديث سفيان بن عيينة (رواية المروزي)، ج١، ص٤٥؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص٥٩٤؛ مسند الحميدي، ٢، ص٣٠٥؛ مسند ابن الجعد، ص٤٦٣؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٥٠٣؛ مسند أحمد، ج٢٠، ص١٣٥، ج٢١، ص٢٥٤؛ المنتخب من مسند عبد بن حميد، ج٢، ص٢٨٢؛ صحيح البخاري، ج٨، ص٣٩؛ صحيح مسلم، ج٤، ص٢٠٣٢؛ سنن الترمذي، ج٤، ص١٧٣؛ مسند البزار، ج٥، ص١٦١، ج١٤، ص١٠٧؛ مسند أبي يعلى، ج٦، ص٣١٣؛ حديث شعبة بن الحجاج لابن المظفر، ص٥٤؛ معجم ابن المقرئ، ص٣٥٠؛ سنن الدارقطني، ج١، ص٢٤٠؛ الإيمان لابن منده، ج١، ص٤٣٧
↑[٥] . الكافي للكليني، ج٨، ص٧٨
↑[٦] . الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ج٧، ص٢٠١