أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ، فَدَخَلَ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فِيهِ، فَرَأَى شَابًّا يَبْكِي فِي زَاوِيَةٍ وَتَجْرِي دُمُوعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟! إِنْ كُنْتَ تَبْكِي عَلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا ذَاهِبَةٌ، تَبْكِي أَوْ لَا تَبْكِي، وَإِنْ كُنْتَ تَبْكِي لِلْآخِرَةِ فَإِنَّهَا آتِيَةٌ، تَبْكِي أَوْ لَا تَبْكِي! قَالَ الشَّابُّ: إِنَّمَا أَبْكِي لِحَيْرَتِي فِي الدِّينِ! قَدْ رُفِعَتْ رَايَاتٌ وَلَا أَدْرِي أَيًّا مِنْ أَيٍّ، فَأَخَافُ أَنْ أَجْحَدَ حَقًّا أَوْ أُصَدِّقَ بَاطِلًا، فَأَكُونَ مِنَ الضَّالِّينَ! قَالَ الْمَنْصُورُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ[١]، فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُعَاءِ الْمُنِيبِينَ؟ قَالَ: وَمَا دُعَاءُ الْمُنِيبِينَ؟ قَالَ: قُلْ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ:

اللَّهُمَّ اسْلُكْ بِيَ الطَّرِيقَةَ الْمُثْلَى، وَاجْعَلْنِي عَلَى مِلَّتِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَى، وَوَفِّقْنِي إِذَا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الْأُمُورُ لِأَهْدَاهَا، وَإِذَا تَشَابَهَتِ الْأَعْمَالُ لِأَزْكَاهَا، وَإِذَا تَنَاقَضَتِ الْمِلَلُ لِأَرْضَاهَا، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا فَأَتَّبِعَهُ، وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا فَأَجْتَنِبَهُ، وَلَا تَجْعَلْهُ عَلَيَّ مُتَشَابِهًا فَأَتَّبِعَ هَوَايَ بِغَيْرِ هُدًى مِنْكَ، وَاجْعَلْ هَوَايَ تَبَعًا لِطَاعَتِكَ، وَخُذْ رِضَا نَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي، وَاهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ: فَمَا أَعْجَبَنِي إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ الشَّابَّ بَعْدَ أَشْهُرٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِي كُنْتَ مَعَ الْمَنْصُورِ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ عَلَّمَنِي دُعَاءَ الْمُنِيبِينَ! قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا هَدَاكَ لِهَذَا؟ قَالَ: هَدَانِيَ اللَّهُ بِذَلِكَ الدُّعَاءِ! كُنْتُ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ أَدْعُو بِهِ، فَسَمِعْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ وَرَائِي يَخْتَصِمَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا أَنْصَفَ النَّاسُ! جَاءَهُمْ رَجُلٌ دَعَاهُمْ إِلَى مُحَمَّدعُمَرَ فَأَجَابُوهُ، ثُمَّ جَاءَهُمْ رَجُلٌ دَعَاهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الْبَغْدَادِيِّ فَأَجَابُوهُ، ثُمَّ جَاءَهُمْ رَجُلٌ دَعَاهُمْ إِلَى الْمَهْدِيِّ فَلَمْ يُجِيبُوهُ! لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ! فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصِي، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: مَنْ ذَا الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَى الْمَهْدِيِّ فَلَمْ يُجِيبُوهُ؟! قَالَ: رَجُلٌ خُرَاسَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ الْمَنْصُورُ! قُلْتُ: وَأَيْنَ يُوجَدُ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَلَكِنْ هُنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ إِنْ وَجَدَ فِيكَ خَيْرًا، فَلَقِيتُهُ فَدَلَّنِي عَلَى الْمَنْصُورِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَلَّمَنِي دُعَاءَ الْمُنِيبِينَ فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى!

↑[١] . الرّعد/ ٢٧