جلست وحيدًا أفكّر مقارنًا بين مصيبة الحسين والمهدي! عشرات الأفكار وآلاف الأسئلة مرّت سريعًا، ثمّ أتتني أفكار أخرى طردت ما سبقها من أفكار! عقلي يصرّ عليّ بعنف أنّ أساس كلّ ما طرأ على خواطري هو التناقض الموجود بين المسلمين اليوم! هذا التناقض الذي اعتدناه وشبّ عليه شبابنا، ما هو إلا الغفلة التي ركبنا مركبها مطمئنّين لما تحتها من عواصف هوجاء تقودنا مباشرة الى ظلمات لا نور فيها ولا نجاة! حاولت أن أتناسى القضيّة، فليس لي سوى دعاء اللّه، لعلّ الدعاء بهدايتي وثباتي يقرّبني طريق الحقّ لألتزم به. فلا شأن لي بمن اعتاد ظلم نفسه. المهمّ أن أبحث عن طريق لا أكون به ظالمًا لنفسي لأنجو. أردت التوقّف عن الكتابة، ثمّ تذكّرت أنّنا كجسد واحدٍ اذا تداعى عضو منّا مرضت كلّ أجزاء أمّتنا! حرت في كم الكلمات التي تدفقت مجدّدًا تهاجم ذهني كنهر غزير الجريان يقتلع كلّ ما يصادفه، ما هو الشيء الذي يدفع أصابعي للكتابة مرّة أخرى؟ ترى أيّ الجمل أكتب وأيّها أتجنب؟

فالمناسبة التي دعتني إلى التفكّر وجعلت روحي مرتعًا للإضطراب والحزن هي أولى المناسبات بأن يكتب عنها المسلم ويتفكّر فيها المؤمن؛ هي أكثرها حزنًا، وأشدّها عاطفة، وأملئها مشاعر؛ هي عاشوراء، هي الكرب والبلاء، هي الحسين! حزمت أمري واستقرّت كلمتي، وقلت لنفسي: لا بدّ لي من باب التذكير أن أنتقي كلماتي بحسن وأدعوا إخواني في الدّين إلى التعقّل! لكن كيف أبدأ الموضوع معهم دون أن أتّهم في عقلي أو أقذف بعقيدتي! وبعد صمت طويل وتدبّر عميق لم أجد إلا هذه الجملة: أين أنتم من مهديّكم أيّها المؤمنون بالمهديّ؟! لا يهمّني أن كنت شيعيًّا أو سنيًّا، فالمهديّ حقيقة متواترة لا ينكرها مسلم وإن اختلفوا في مضمونها، ما يهمّني بحقّ أن تكون منصفًا عارفًا أنّ الدّين عند اللّه الإسلام ولا شيء آخر.

ثمّ تسألت داخليًّا بنبرة المحترق همًّا، لماذا الحزن اختصّ بالحسين الشهيد، ولا نصيب من الحزن يعتري القلوب على المهديّ؟! هل العاطفة تؤسّس الدّين؟ أم الدّين يؤسّس العاطفة؟ هل اختتمت الإمامة بالحسين حتّى لا يعتنى بمن قبله أو بعده من الأئمة؟ هل مصيبة الحسين التي لا تشبهها مصيبة، تجبرنا كمسلمين أن ننسى منزلة إمام زماننا، الخليفة المنصب لإقامة العدل وكسر الجور؟! استمرّت التساؤلات في عقلي، وكان أحدها: هل من الإنصاف ذكر كربلاء الحسين التي حصلت بيوم واحد ونسيان كربلاء المهديّ التي بدأت منذ بشّر به النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم واستمرّت إلى يومنا؟! لماذا لا يعتني أرباب المنابر بكربلاء مهديّهم المتجدّدة كلّ يوم، ويهتفون لكربلاء الحسين التي حصلت في يوم واحد فقطّ بتفاصيل اختلط الصحيح منها بالمبتدع؟! لا شكّ لديّ أنّ الحسين قام لحفظ دين جدّه، لا شكّ لديّ أنّ رزيّته رزيّة عظيمة، لكن أليس من المفترض أن يصلح المهديّ ما خرب من دين جدّه أيضًا؟! أليست رزيّة المهديّ مظهر وانعكاس لرزيّة جدّه الحسين، وعلى كلّ مسلم أن يتذكّرها كما يتذكّر مصيبة الحسين؟! أليس من الحقّ أن يذكّر أرباب المنابر المسلمين الحارة قلوبهم على استشهاد الحسين بظلامة المهديّ، ويشرحوا لهم أنّها امتداد لتلك المصيبة، ويخبروهم أنّنا نخذل المهديّ كما خذل المسلمون الحسين من قبل؟! أو ليس لكلّ زمن هاد؛ كما قال اللّه تعالى صريحًا في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[١]؟! فإذا كان المهديّ هو هادي زماننا، لماذا ليس بحاضر، في حين أنّ الآية واضحة دلالة ولا بدّ أن يكون هاد لكلّ قوم!! ومن المعلوم أنّ اللّه تعالى شأنه صادق لا يبدّل سنّته ولا يخلف وعده!! إذن من المذنب ومن المقصّر؟ المهديّ أم نحن؟ أو ليس من المفترض أنّ العاقل يتعلّم من أخطاء غيره؟ فما بال المسملين لا يتعلّمون أبدًا؟! نكرّر أخطاء السابقين من أمم قد خلت، خذلوا هداة أزمانهم! وهنا تذكّرت ما قاله الفرزدق للإمام الحسين عليه السلام: «أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ، وَأَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ!» ذات القضيّة، نفس الضحيّة، القضيّة هو الإمام الطاهر والخليفة المنصوب، الضحيّة نحن بغفلتنا عن الحقّ!! نعم، القلوب مع المهديّ، لكنّ الأعمال كلّها ضدّ المهديّ! قد يسألني أحدهم متعجّبًا: ماذا تقصد؟! فأجيب منذ البداية تخلّى المسلمون عن الإمام عليّ، فحصل ما حصل له، لكنّه فاز وربّ الكعبة وخسر من تخلّى عنه؛ ثمّ تفتّت كبد الحسن بسم زعاف بعد أن تخلّى عنه من تخلّى، لكنّه فاز وخسر من تخلّى عنه؛ ثمّ استشهد الحسين حين خان أصحاب العهود عهودهم، وشروا دنياهم بآخرتهم، لكنّ الحسين فاز وخسر من تخلّى عنه؛ ثمّ الأئمّة الطاهرون من أولاد الحسين تخلّى عنهم السواد الأعظم ممّن عرف منزلتهم، ففاز الهداة وخسر من تخلّى عنهم، كلّما قتل أحدهم بأيدي الظالمين خرج الناس يبكون نعشه، فكان هذا دأبهم دائمًا أن يتركوا إمام زمانهم من أهل بيت نبيّهم وحيدًا في أيدي الظالمين حتّى إذا قتلوه خرجوا وراء نعشه بالبكاء والنحيب.. وهكذا الحال لم يكن مغايرًا مع بقيّة الأئمة الى أن وصل الأمر الى إمام زماننا المهديّ، فتخلّى الجميع عنه، وبطريقة غير مفهومة أنكر من يفترض أنه عرف حقّ الإمام إمامه، وفرّ من عرف قضيّة تنصيب اللّه تعالى لخليفة في كلّ زمن من هذا التنصيب، وابتعد من يفترض عليه الإقتراب من الهادي.. ورقد العامة والخاصة بغفلة لم يستقظوا منها في كلّ سنتهم إلا مرّة واحدة في عشرة أيّام، أملًا منهم أن تتبدّل الصّحف بيضاءً بعد سوادها بدموع يذرفونها، وطمعًا أن تصبح هذه الأيام العشر ممحاة ذنوبهم بصدور يلطمونها، ومدخلًا الى جنّة اللّه عزّ وجلّ بطعام يوزعونه، ولكن لات حين مناص.. ثمّ يعودون الى الغفلة التي ألفوها طوال السنة بعد انقضاء عاشوراء!!

قد يكون منكم من غضب عليّ أو منكم من يوافقني، وأحدكم يصرخ في طياته الداخليّة هذا الكلام راودني طويلًا، لكنّي لم أخرجه خوفًا أن أكون منحرفًا عن الجماعة! ربما يودّ أحدكم أن يسألني ماذا تريد من كلّ ما سلف، ما هي الحكمة؟ ما أريد قوله يتلخّص في جملة واحدة: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».. الجاهلية التي كانت قبل البعثة!! نعم، تلك الجاهلية الجهلاء، جاهلية القوم والمذهب!! وهنا يأتي السؤال من إمام زماننا؟ هل هو الحسين أم المهدي؟ لا شكّ أنّه المهدي!! لتأتي المصيبة الحقيقية والرزيّة العظيمة التي غفل عنها أو تغافل اكثريّة المسلمين الذين يعتقدون بالمهدي!! إن كنا نعلم أنّ المهدي هو إمام زماننا، فلماذا توجّهنا بكلّ جوارحنا لإمام زمان قد خلى؟ لماذا نبكي على الإمام الماضي لما فعل به مَن قبلنا، ونحن نفعل مثل ذلك بالإمام الحاضر بحيث سيبكي عليه مَن بعدنا لما فعلنا به؟! ها أنا قد شاركتكم ألمي، لعلّ هذا الألم يصبح محرّكًا لبعض العقول علمت بكربلاء مهديّها!!! والسّلام

↑[١] . الرّعد/ ٧