مذبحة السربرنيتسا؛ درس من التاريخ

هذه الأيام نمرّ بذكرى «مذبحة السربرنيتسا» التي وقعت على مسلمي البوسنة والهرسك من قبل الجيش الصربيّ والقوات اليوغسلافية. تفاصيل هذه الحادثة باختصار نزاع حول الحكم. فبعد أن أقرّ القانون الدوليّ باستقلال البوسنة والهرسك (بعد الحرب العالميّة الثانية، باتت أغلب الدول مستعمرة، ولم تحظى باستقلال ذاتيّ باسم التحرير، وهذه المدّعيات الكاذبة من قبل القوى الكبرى آنذاك) ممّا أغضب قوات اليوغسلافية التي كانت مسيطرة على تلك المنطقة آنذاك، فأنشبت حربًا عبر الصرب، وبما أنّ البوسنة والهرسك كان أغلب جنودها مسلمين فقد شنّت القوات الصربيّة تطهيرًا عرقيًّا على كلّ مسلم، جنديًّا كان أم مدنيًّا، طفلًا أم كهلًا، فقتلوا بأقلّ من أسبوع ثمانية آلاف مسلم من الذكور، فيقتلون الأبناء أمام آبائهم والآباء أمام أبنائهم، ولجميع الأعمار منهم الأطفال ومنهم الكهول، وكانوا يعزلون النساء بمناطق خاصّة فيغتصبون نساء المسلمين ويختارون التي تعجبهم لاغتصابها كما يختارون الحيوانات، فاغتصبت ما يقارب من خمسين ألف مسلمة، وبالإجمال خلال أربع سنوات قتلوا ثلاثمائة ألف مسلم، واغتصبوا ما اغتصبوا من النساء، ووقف الكلّ وقفة المشاهد بما فيهم الأمم المتحدة التي بالأساس سلّمت اللاجئين من المسلمين إليها والذين يقدر عددهم أكثر من خمسة آلاف شخص إلى الصرب ليتمّ قتلهم. بالطبع بعد مرور السنين سيعودون ويبكون بكاء المخادع باسم الإنسانيّة وقد فعلت الأمم المتحدة ذلك بعد هذا فعلًا!

على العموم هذه المجزرة تعجز الحروف عن وصف مأساتها، ولكنّ المصيبة الكبرى والأفجع من هذه المجزرة هي جهل عامّة المسلمين بها على الرغم من أنّه لم يمض عليها سوى ٢٨ سنة فقطّ، والحقيقة أنّها ليست الوحيدة، بل هناك الكثير من هذه الموارد، كمسلمي الأيغور والبورما و... الذين يبادون إبادة فظيعة تحت جرم الحكومات الملحدة والمشركة، ولو لاحظنا جيّدًا لوجدنا بأنّ ما فعله بعض ممّا لا يعدون عشر معشار عشر المسلمين وهم داعش من قتل وبيع السبايا أمر يندّد به عالميًّا ولم يخفى على أحد من الطوائف الأخرى لا عن طوائف المسلمين فحسب. نعم، التنديد بالخطأ أمر جيّد، ولكن عندما يسيّس التنديد، فيندّد خطأ حجم ضحاياه لا يتجاوز ٢٠ ألف ولا يندّد الخطأ الذي تتجاوز عدد ضحاياه الملايين، هنا تكمن الكارثة والمؤامرة!

فكما ترون أنّ المسلمين باتوا أحدهم يكفّر الآخر ويحطّ من قدره ويدفع بني مجتمعه للحقد باسم العقيدة، حتى حلّل بعضهم قتل بعض، وبقوا في بؤرة الإختلافات المذهبيّة التي هي نتاج الجهل، ليس إلا وباتوا لقمة جيّدة لكلّ كلب مستطرق، فبات حتى أبناء المذهب الواحد يكفّر بعضهم بعضًا، كلّ يتعصّب لحاكمه أو حزبه أو عالمه الذي يقلّده ويضلّل الآخرين، حتى صاروا مصداقًا لقول اللّه تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ[١].

عدد المسلمين يمثّل خمس سكّان العالم تقريبًا، فباجتماعهم سيحكمون الكواكب لا الأرض فحسب، ولكن هل سيجتمعون وهم بهذا المستوى من الجهل؟! بالتأكيد لن يجتمعوا، ولن يعزم على الإجتماع إلا ثلّة قليلة، وبهم سينصر اللّه الإسلام ويعزّه، وهم الذين سيتوكّأ المهديّ على سواعدهم لبناء دولة إلهيّة يحكمها خليفة اللّه المهديّ ويسودها العدل والطمأنينة.

↑[١] . البقرة/ ١١٣