كاتب الشبهة: محمّد التقوي تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٨/١١

لقد قال السيّد المنصور في كتاب «العودة إلى الإسلام» بأنّ معيار المعرفة العقل. فهل عقل كلّ شخص صالح لأن يكون معيار المعرفة؟!

الاجابة على الشبهة: ٠ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٨/١٢

إنّ الشخص إذا كان عقله صالحًا لأن يكون معيار المعرفة اعتُبر مكلّفًا، وإذا لم يكن عقله صالحًا لذلك لم يُعتبر مكلّفًا، وهو عقل الصبيان والمجانين؛ لأنّ اللّه لا يكلّف بالمعرفة إلّا من كان قادرًا عليها؛ كما قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[١]، ومن الواضح أنّ المعرفة عمل العقل، وليس للإنسان أداة غيره يعرف بها الأمور، وإذا لم يكن يعرف الأمور بعقله، فبأيّ عضو من أعضائه يعرفها؟!

من هنا يعلم أنّ عقل المكلّفين صالح لأن يكون معيار المعرفة، وإن كان مختلفًا في القوّة والضعف؛ كما بيّن ذلك السيّد المنصور أيّده اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»، حيث قال:

«إنّ العقل بمعنى قوّة الفكر والعلم، ولو أنّه في بعض الناس أكثر منه في بعض، هو موجود في جميع الناس بما فيه الكفاية، وهذا يكفي لوحدته كمعيار المعرفة؛ لأنّ اللّه العادل قد وهب لكلّ إنسان مكلّف حظًّا كافيًا من العقل، وزيادته في بعض فضل قد آتاهم، دون أن تكون ظلمًا للآخرين؛ كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[٢]. بالإضافة إلى أنّ عقل بعض النّاس يكمّل عقل بعضهم في عمليّة طبيعيّة ومتبادلة؛ لأنّهم يتعاملون بعضهم مع بعض، ومن خلال تبادل الآراء يخلقون عقلًا جماعيًّا يتدارك نقص العقل الفرديّ؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا[٣]»[٤].

نعم، إنّ عقل كلّ شخص، وإن كان قادرًا على المعرفة، إلّا أنّه يعرف إذا لم يكن ممنوعًا بموانع المعرفة، وموانع المعرفة هي الجهل، والتقليد، والأهواء النفسانيّة، والنزعة الدّنيويّة، والتعصّب، والتكبّر، والنزعة الخرافيّة، كما بيّنها السيّد المنصور أيّده اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»، وشبّهها بستائر مسدولة أمام الإنسان تمنعه من رؤية الأشياء مع سلامة عينيه[٥]، ولذلك فإنّ المراد بقولنا أنّ عقل كلّ شخص قادر على المعرفة أنّه قادر عليها إذا لم يكن عنده مانع، وأنّه قادر على إزالة المانع؛ كما يستطيع كلّ مكلّف أن يطلب العلم في مظانّه، ويترك تقليد الآباء والعلماء والظلمة والكافرين والأكثريّة من الناس، ويترك اتّباع أهوائه، ويُخرج عن قلبه كلّ مانع من موانع المعرفة، بإخلاص النيّة، والإكثار من ذكر اللّه واليوم الآخر، والإستعانة بالصبر والصلاة، والإبتعاد عن شياطين الإنس والجنّ، واستماع القول واتّباع أحسنه. من هنا يعلم أنّ كون أكثر الناس غير عارفين بالحقّ ليس لأنّ عقولهم لا تصلح لمعرفته، ولكن لأنّهم لا يستخدمون عقولهم، أو يمنعون عقولهم عن معرفته ببعض الأمراض النفسيّة التي هم بها مصابون، وهذا ما أراد اللّه بقوله: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ[٦].

↑[١] . البقرة/ ٢٨٦
↑[٢] . البقرة/ ٢٦١
↑[٣] . الزّخرف/ ٣٢
↑[٦] . الأعراف/ ١٧٩