كاتب السؤال: داوود تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٢/٤

لديّ أسئلة:

١ . ما رأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حول حروب المسلمين بعد النّبيّ؟ هل كان من الصواب أن يقدَّم الإسلام إلى العالمين بالسيف؟

٢ . هل عمل الخلفاء في شنّ الحروب التي تسبّبت في انتشار الإسلام مقبول؟

٣ . هل الأمر بالقتال الذي جاء في القرآن يعني النهب، يعني الإعتداء، يعني غزو البلدان؟

الاجابة على السؤال: ١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٢/٧

يرجى التنبّه للنكات التالية:

١ . الإدّعاء بأنّ الإسلام قد تمّ تقديمه إلى العالمين بالسّيف ليس ادّعاء صحيحًا؛ لأنّ الإسلام قد تمّ تقديمه إليهم أوّلًا وقبل كلّ شيء، بالكتب التي كتبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى الملوك بعد صلح الحديبيّة، ودعاهم فيها إلى دين الحقّ. بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أيضًا لم ينتصر المسلمون على فارس والروم بالإعتماد على قوّة سيوفهم فقطّ؛ لأنّ قوّة سيوفهم لم تكن أشدّ من قوّة سيوف تلك القوى العملاقة، وبالتالي لم يكن من الممكن أن تؤدّي إلى انتصارهم على كسرى وقيصر بمفردها. لذلك فالإنصاف أنّ العامل الأكثر أهمّيّة في تأثير الإسلام وانتشاره وبقائه في مختلف البلدان، كان تعاليمه الجذّابة والبديعة والمنمّية للبشر، التي لا تزال تسبّب تأثيره وانتشاره وبقاءه في مختلف البلدان؛ كما نبّه العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في مبحث «الطريقة المناسبة لمواجهة الكافرين» من كتاب «العودة إلى الإسلام»[١] على هذه النكتة المهمّة، فقال:

إنّ سيطرة المسلمين على إمبراطوريّات الغرب والشّرق في العقود الإسلاميّة المبكّرة، لم تكن بسبب أدواتهم الدّعائيّة أو العسكريّة المتقدّمة، ولكن بسبب جاذبيّة رسالتهم التي نجحت في إسقاط روعة إمبراطوريّات العالم من أعين النّاس والتمهيد لتقدّمهم السّياسيّ والعسكريّ على الرّغم من إمكانيّاتهم المحدودة.

لذلك، يبدو أنّ ادّعاء تأثير الإسلام وانتشاره وبقائه في مختلف البلدان اعتمادًا على السيف هو إغراق وتعسّف واضح، قد نشأ من إيحاءات أعداء الإسلام فحسب. نعم، ليس هناك شكّ في أنّ المسلمين قاموا بحروب في بلدان مختلفة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، لكنّ هذه الحروب لم تكن مع شعوب هذه البلدان في الغالب، بل كانت مع حكّامها الكافرين والظالمين الذين كانوا هم أنفسهم قد استولوا على هذه البلدان من خلال الحروب وكانوا يضطهدون أهلها، ولذلك ينبغي اعتبار حروب المسلمين جهادًا منهم في سبيل تحرير هذه البلدان من احتلال الكافرين والظالمين؛ كما روي عن ربعي بن عامر ممثّل المسلمين في حرب القادسية للتفاوض مع رستم فرخ‌زاد قائد عسكر إيران أنّه قال مجيبًا لسؤاله عن دافع المسلمين للحرب معهم: «اللَّهُ ابْتَعَثَنَا وَاللَّهُ جَاءَ بِنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ مِنَّا ذَلِكَ قَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ وَتَرَكْنَاهُ وَأَرْضَهُ يَلِيهَا دُونَنَا»[٢]، وهذا مبنيّ على النظرة العالمية للإسلام الذي يرى أنّ الأرض للّه، ولا يعترف بملكيّة الناس لها؛ كما يقول: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[٣].

٢ . وفقًا لقاعدة العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»[٤]، لا يجوز الإبتداء بالقتال إلا بإذن خليفة اللّه في الأرض، ولكن يبدو أنّ هذا الإذن كان موجودًا في الجملة لحروب المسلمين مع غير المسلمين بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم على الأقل في عهد أبي بكر وعمر وعثمان؛ لأنّه لم يرد أيّ مخالفة صريحة من أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لهذه الحروب حتّى في عهد عليّ والحسن، بل وردت عنهم تأكيدات وتعاونات عديدة في هذا الصدد، منها ما أشار به علي على عمر في معركة الجسر، وفتح نهاوند، والحرب مع الروم، وفتح بيت المقدس، وفتح خراسان، وفتح الشوش؛ بغضّ النظر عن حقيقة أنّ تصرّفهم في الغنائم والعبيد الحاصلة من هذه الحروب أمر قطعيّ، وهو قد يدلّ على اعتقادهم بشرعيّة هذه الحروب في الجملة.

٣ . إنّ أمر اللّه تعالى بقتال الكافرين والظالمين، هو من أجل القضاء على الكفر والظلم، وإنقاذ المستضعفين والمظلومين في العالم، وليس من أجل النهب والاعتداء وغزو البلدان؛ كما قال بصراحة: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ[٥]؛ لأنّ اللّه تعالى لا يحتاج إلى نهب واعتداء وغزو للبلدان، لكنّه لا يقرّ الكفر والظلم في العالم؛ كما قال: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ[٦]، وقال: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ[٧].

من الغريب أنّ الكافرين والظالمين طوال تاريخهم، قد حاربوا المستضعفين والمظلومين دائمًا ولم يألوا أيّ نهب واعتداء وغزو للبلدان لغرض نشر الكفر والظلم في العالم، ولكنّهم يعتبرون حروب المسلمين لغرض نشر التوحيد والعدل في جميع أرجاء العالم وإنقاذ المستضعفين والمظلومين مثالًا على النهب والاعتداء وغزو البلدان! من الواضح أنّ هذا كيد شيطانيّ منهم لأجل السيطرة على العالم؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا[٨].

↑[٢] . تاريخ الطبري، ج٣، ص٣٤؛ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، ج٤، ص١٦٨؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج٢، ص٣٦٣
↑[٣] . الأعراف/ ١٢٨
↑[٥] . البقرة/ ١٩٣
↑[٦] . الزّمر/ ٧
↑[٧] . آل عمران/ ١٠٨
↑[٨] . النّساء/ ٧٦