كاتب السؤال: علي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٤/١١

حيثما دعت الحاجة إلى القتل فقد ورد حكمه في القرآن؛ لأنّ قتل نفس واحدة يعادل قتل الناس جميعًا. فلماذا لم يرد حكم الرجم في القرآن؟! هل يجب أن يكون الرجم بقصد القتل أو بقصد الزجر فقطّ؟ إن كان دليل الرجم الأحاديث كيف يمكنها نسخ القرآن أو تخصيصه مع عدم جوازهما عند السيّد المنصور؟!

الاجابة على السؤال: ٠ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٤/١٦

جزاء الزانية والزاني أن يُجلدا مائة جلدة بمشهد طائفة من المؤمنين؛ لأنّ اللّه تعالى قد أمر بذلك فقال: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[١]، ولا فرق في ذلك بين المحصن وغير المحصن؛ لأنّ كلاهما داخلان في ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي، ويشملهما حكم اللّه تعالى في القرآن، ولا يمكن تخصيص هذا الحكم القرآنيّ العامّ لغير المحصن استنادًا إلى الأحاديث الواردة في رجم المحصن، ولو أنّها متواترة؛ لأنّ السنّة، كما بيّن العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»[٢]، لا يمكنها نسخ القرآن أو تخصيصه أو تعميمه، بل يمكنها تبيينه فقطّ، وذلك بأن يبيّن فروعه ومصاديقه، وعلى هذا فإنّ الزانية والزاني، سواء كانا محصنين أو غير محصنين، يُجلدان مائة جلدة بمشهد طائفة من المؤمنين.

نعم، الزانيان اللذان زنيا ولهما زوج يصلان إليه، ليسا ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فقطّ، بل هما مفسدان في الأرض أيضًا؛ لأنّ زناهما لم يكن ناشئًا من وجود الحاجة الجنسيّة فيهما وعدم تيسّر قضائها بشكل مشروع، بل كان ناشئًا من شدّة الخبث والدّعارة فيهما، وقد أدّى إلى وهن نظام الأسرة وانخفاض الشعور بالثقة والوفاء بين المسلمين، وقد فرض تكاليف ثقافية باهظة على المجتمع الإسلاميّ، ويعتبر من هذه النواحي مثالًا واضحًا على «الإفساد في الأرض»، وهو في كتاب اللّه أحد المبيحين للقتل؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: لَا يُحِلُّ دَمَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ أَوْ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا[٣]، قُلْتُ: أَمَّا قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ، فَمَا الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: مَنْ أَضَلَّ قَوْمًا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ أَخَافَ النَّاسَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، أَوِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ مُجَاهِرًا، أَوْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَقَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ».

ومن الواضح أنّ القتل يمكن أن يتمّ من خلال الرجم. من هنا يعلم أنّ الأحاديث المتواترة الواردة في رجم الزناة المحصنين ليست متعارضة مع القرآن؛ لأنّها لا تخصّص قوله: ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ، بل تبيّن قوله: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا[٤]، كما يعلم أنّ الرجم لا يمنع الجلد؛ لأنّ أحدهما عقوبة الزنا، والآخر عقوبة المحاربة والإفساد في الأرض، ولا بدّ من العمل بالآيتين؛ كما جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»[٥]، وهذا قول عليّ عليه السلام والأئمّة من ذرّيّته[٦] وقول العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: الْخَبِيثُ الْمُحْصَنُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ رُفِعَ إِلَى إِمَامٍ عَادِلٍ لَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ثُمَّ قَتَلَهُ، قُلْتُ: كَيْفَ يَقْتُلُهُ؟ قَالَ: جَرَتْ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ بِالرَّجْمِ، وَلَوْ شَاءَ الْإِمَامُ لَضَرَبَ عُنُقَهُ».

بناء على هذا، ليس من الصحيح ادّعاء عدم وجود الرجم في القرآن؛ لأنّ الرجم مصداق لحكم كلّيّ يوجد في القرآن، وهو قتل المحاربين والمفسدين في الأرض قتلًا شديدًا قد أطلق عليه «التقتيل»؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ! قَالَ: كَذَبُوا، أَمَا يَقْرَأُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا؟! قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: إِنَّ رَجْمَهُمْ مِنَ التَّقْتِيلِ، وَتَحْرِيقَهُمْ بِالنَّارِ مِنَ التَّقْتِيلِ، وَهَدْمَ الْجِدَارِ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّقْتِيلِ، وَقَذْفَهُمْ مِنَ الْجَبَلِ مِنَ التَّقْتِيلِ، وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ، فَأَخَذَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ تَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَقْضِمُونَ الْحَجَرَ حَتَّى يَهْلِكُوا».

لا شكّ أنّ هذا التشديد لعقوبة الزناة المحصنين عادل؛ لأنّه ليس من العادل تساوي عقوبتهم مع عقوبة الزناة غير المحصنين؛ نظرًا لأنّ إثمهم أكبر وأضرّ جدًّا، ولذلك يجب على اللّه تعالى بمقتضى عدله أن يشدّد عقوبة الزناة المحصنين لتكون عقوبة الفريقين متناسبة مع إثمهما، وتتمّ كلمته تعالى إذ قال: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا[٧]، مع أنّ آية الجلد خالية من هذا التشديد، ومن هنا يعلم أنّه لا بدّ من الفحص عنه في آية أخرى، وهي آية المحاربة والإفساد في الأرض، التي تشمل بعمومها وإطلاقها الزناة المحصنين.

هذا ولكن يجب الإنتباه إلى أنّه وفقًا لقاعدة العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»، إنّما إقامة العقوبات الإسلاميّة من صلاحيّة خليفة اللّه في الأرض ومشروطة بإقامة سائر أحكام الإسلام العامّة التي تُعتبر عامل منع الجرائم، وهذه القاعدة أجدر بالإهتمام فيما يتعلّق بإقامة عقوبات شديدة كعقوبة المحاربة والإفساد في الأرض وخاصّة الرجم، ولذلك وردت روايات كثيرة تصرّح بضرورة حضور «الإمام» لإقامة الرجم معبّرة بأنّ أوّل من يرجم الإمام[٨]، والمقصود من «الإمام» فيها إمام عادل جعله اللّه للناس، وهو خليفة اللّه في الأرض، وليس حاكمًا جائرًا يستحقّ بنفسه أنواعًا من العقوبات!

الحاصل أنّ الزانية والزاني إذا زنيا في حكومة خليفة اللّه في الأرض وهما محصنان، يُحكم عليهما بمائة جلدة والقتل، ويتمّ قتلهما بالرجم على سنّة الأنبياء، إلا أن يستصلح خليفة اللّه في الأرض طريقة أخرى، أو بالنظر إلى حالهما يفضّل عقوبة غير القتل، كالصلب وقطع اليد والرّجل من خلاف أو النفي من الأرض، أو يعفو عنهما إن تابا قبل قيام البيّنة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[٩].

↑[١] . النّور/ ٢
↑[٣] . المائدة/ ٣٢
↑[٤] . المائدة/ ٣٣
↑[٥] . مسند الشافعي، ص١٦٤؛ مصنف عبد الرزاق، ج٧، ص٣٠٩؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٥، ص٥٤١؛ مسند أحمد، ج٣٧، ص٣٣٨؛ مسند الدارمي، ج٣، ص٥٠٠؛ صحيح مسلم، ج٣، ص٣١٦؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص٨٥٢؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١٤٤؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٤١؛ مسند البزار، ج٧، ص١٣٤؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٦، ص٤٠٥؛ المنتقى لابن الجارود، ج١، ص٢٠٥؛ مستخرج أبي عوانة، ج٤، ص١٢١؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج٣، ص١٣٤؛ المسند للشاشي، ج٣، ص٢١٩؛ معجم ابن الأعرابي، ج٣، ص١٠٥٨؛ أمالي ابن بشران (الجزء الأول)، ص٣٧٦؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٨، ص٣٦٦
↑[٦] . مسند أحمد، ج٢، ص٢٧٨؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٤١؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٦، ص٤٠٤؛ سنن الدارقطني، ج٤، ص١٣٨؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٨، ص٣٨٣؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج١٠، ص٤ و٥
↑[٧] . يونس/ ٢٧
↑[٨] . انظر: تفسير يحيى بن سلام، ج١، ص٤٢٥؛ مسند أحمد، ج٢، ص٢٧٨؛ النوادر للأشعري القمي، ص١٤٨ و١٥٠؛ الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر، ج٧، ص٢٦١؛ الكافي للكليني، ج٧، ص١٨٤؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٤، ص٢٨؛ سنن الدارقطني، ج٤، ص١٣٨؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٨، ص٣٨٣؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج١٠، ص٣٤.
↑[٩] . المائدة/ ٣٣-٣٤