كاتب الشبهة: علي تاريخ الشبهة: ١٤٣٧/٤/١١

كان أئمّة أهل البيت لا يستحلّون أن يكون لديهم أو لدى سائر الرجال جرام من الذهب. فكيف امتلأ مراقدهم من الذهب؟! لماذا لم يبن عليّ على قبر النبيّ بنيانًا مزخرفًا خلال حكمه لمدّة خمس سنوات، مع ما كان لديه من بيت المال؟

الاجابة على الشبهة: ٠ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٧/٤/١٤

يرجى الإلتفات إلى النقاط التالية:

١ . إنّ أئمّة أهل البيت اتّباعًا لجدّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لم يكنزوا ذهبًا ولا فضّة في الحياة الدنيا، بل أنفقوها في سبيل اللّه؛ لأنّهم كانوا يعلمون أكثر من أيّ شخص آخر أنّ اللّه قال في كتابه: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[١]. بناء على هذا، فإنّ كنز الذّهب والفضّة حول قبورهم، لم يتمّ من مالهم ولا بأمرهم، بل تمّ من مال المسلمين وبإرادتهم ولذلك، فإنّه عائد إليهم سواء كان حسنًا أو سيّئًا ولا علاقة له بأئمّة أهل البيت.

من المؤكّد أنّ كنز الذّهب والفضّة حول قبورهم، لا أصل له في الإسلام وهو مخالف للسنّة وبهذا، فلا يجوز ابتداؤه ولكنّ إزالتها تكون جائزة إذا لم تُعتبر إهانة لهم؛ لأنّ حرمة الإهانة لهم هي أشدّ من حرمة كنز الذّهب والفضّة حول قبورهم. نعم، لا بأس بإزالة الذّهب والفضّة من حول قبورهم بطريقة محترمة ولذلك، ينبغي أن تتمّ بواسطة محبّيهم والمعتقدين بفضلهم لا بواسطة الآخرين، لكيلا تكون فيها شائبة الإهانة لهم.

٢ . لم يبن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب على قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بنيانًا؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يأمر بذلك، بل نهى عن البناء على القبور ولو أنّ قبره لم يكن تحت السماء أيضًا، بل كان في بيته، حتّى ألحقه وليد بن عبد الملك بن مروان بالمسجد في سنة ٨٨ للهجرة. مع هذا، بعد أن بُني على قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بنيان، لا يجوز هدمه؛ لأنّ ذلك يعتبر إهانة له حسب العرف والإهانة له ذنب عظيم وتؤدّي إلى الفتنة والإختلاف بين المسلمين، لكن لا بأس بتغييره وإصلاحه بما ينطبق على سنّته وهذا حكم يشمل الأبنية التي بنيت على قبور أهل بيته وأصحابه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَنْ هَدَمَ قَبْرَ مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّما هَدَمَ دارَهُ! قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ فِيهِ خَلَلًا أَوْ نَقْصًا، أَلَهُ أَنْ يُصْلِحَهُ؟ قالَ: لا بَأْسَ بِأَنْ يُصْلِحَهُ وَلَيْسَ الْهَدْمُ كَالْإِصْلاحِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ بُنْيانًا مِمَّا لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَبْرٍ، أَلَهُ أَن يَهْدِمَ الْبُنْيانَ؟ قالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهُ هَدْمًا فَيُهِينُهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى رِفْقٍ حَتَّى إِذا سَوّاهُ جَعَلَ حَوْلَهُ مَوانِعَ لِكَيْلا يَطَئَهُ النّاسُ، قُلْتُ: أَما أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا بِهَدْمِ الْقُبُورِ؟! قالَ: إِنَّما أَمَرَهُ بِهَدْمِ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ لِيُذْهِبَ آثارَ الْجاهِلِيَّةِ وَأَنْجاسَها وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهَدْمِ قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ، قُلْتُ: فَماذا تَرَى إِنْ كانَ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ إِمامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قالَ: أَرَى أَنْ لا يُهْدَمَ وَلا يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلّا عَلَى وَجْهِ الْإِصْلاحِ لِكَيْلا يَكُونَ فِتْنَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا فَيُوقِعَ بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ وَلا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ لَمْ يُبْنَ لَهُ ما لَمْ يُرْفَعْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَصابِعَ وَلا أَقُولُ كَما يَقُولُ هَؤُلاءِ الْأَحْجارُ -يَعْنِي الْوَهّابِيَّةَ! ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ وَكانَ يُصْلِحُ لَهُ قَمِيصًا، فَقالَ: يَهْدِمُونَ قُبُورَ الصَّالِحينَ وَيَعْمُرُونَ قُصُورَ الظّالِمِينَ! لا وَاللَّهِ ما بِذَلِكَ أُمِرُوا»!

نعم، المشكلة -كما قال هذا العالم الجليل- هي أنّه ينكر الآن بناء قبور النبيّ وأهل بيته ويحتجّ بشأن ذهبها وفضّتها الذين لا يقولون شيئًا عن قصور الملوك وبروج الأمراء ويتجاهلون ذهبهم وفضّتهم التي تُنفَق على الفجور والإفساد في الأرض، في حين أنّه لو كان بناء قبور النبيّ وأهل بيته واستعمال الذّهب والفضّة فيه مخالفًا للسنّة، فإنّ بناء القصور والبروج واستعمال الذّهب والفضّة في الفجور والإفساد في الأرض أكثر مخالفة لها وبهذا، فإنّ السعي لهدم قصور الظالمين أولى من السعي لهدم قبور الصالحين؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ السَّلَفِيَّةِ، فَقالَ: كانَ فِي قَرْيَتِي قَبْرٌ لِفُلانٍ الصُّوفِيِّ وَكانَ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهَدَمْتُهُ! قالَ: وَهَدَمْتَهُ؟! قالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ وَنَفَضْتُ يَدَيَّ مِن تُرابِهِ، قالَ: هَدَمْتَ الْقَبْرَ الْأَصْغَرَ وَأَبْقَيْتَ الْقَبْرَ الْأَكْبَرَ! قالَ: وَمَا الْقَبْرُ الْأَكْبَرُ؟! قالَ: قَصْرُ الْحاكِمِ وَعُبّادُهُ أَكْثَرُ! فَتَأَمَّلَ الرَّجُلُ ساعَةً ثُمَّ قالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَطَعْناكَ لَحَمَلْتَنا عَلَى الطَّرِيقِ الْواضِحِ وَلَكِنْ ما نَصْنَعُ بِالْمَذاهِبِ؟! ثُمَّ قامَ وَخَرَجَ».

نعم، إنّ قصور الظالمين هي القبور الأكبر التي يحكم فيها أموات متحرّكون وهي أحقّ بالهدم عند العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ولكنّ أكثر الناس يغفلون عنها ويعترضون على القبور الأصغر ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[٢].

↑[١] . التّوبة/ ٣٤
↑[٢] . الرّعد/ ٣٣