كاتب السؤال: أبو جعفر الكوفي تاريخ السؤال: ١٤٤١/٦/٢٢

هل النسيان من اللّه عزّ وجلّ أم من الشيطان؟

الاجابة على السؤال: ٤ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤١/٦/٢٨

ربما يتوهّم متوهّم أنّ القرآن قد تناقض في منشأ النسيان؛ إذ عزاه في بعض الآيات إلى الشيطان؛ كما قال: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ[١]، وقال: ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[٢]، وقال: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ[٣]، وقال: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ[٤]، وعزاه في بعض الآيات إلى اللّه تعالى؛ كما قال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ[٥]، وقال: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ۝ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ[٦]، ولكنّه ليس بتناقض؛ لأنّ سبيله سبيل قول اللّه تعالى في منشأ الضلال؛ إذ عزاه في بعض الآيات إلى الشيطان؛ كما قال: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[٧]، وقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ[٨]، وقال: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ[٩]، وعزاه في بعض الآيات إلى اللّه تعالى؛ كما قال: ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ[١٠]، وقال: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ[١١]، والمراد به أنّ اللّه تعالى هو الذي يخذل العبد، ويخلّي بينه وبين الشيطان، حتّى يضلّه بسبب سوء أعماله؛ كما أشار إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ[١٢]، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا[١٣]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ[١٤]، وقوله تعالى: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ[١٥]، وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[١٦]، وعلى هذا فإنّ الإضلال يصحّ إسناده إلى اللّه بالنظر إلى أنّه يسبّبه بعدله، ويصحّ إسناده إلى الشيطان بالنظر إلى أنّه يباشره بظلمه، وإن شئت قلت: يضلّ اللّه العبد «إضلالًا سلبيًّا»، بمعنى الإمتناع عن هدايته مع قدرته عليها، ويضلّ الشيطان العبد «إضلالًا إيجابيًّا»، بمعنى التزيين له والتلبيس عليه والوسواس إليه، وهكذا القول في الإنساء؛ إذ يصحّ إسناده إلى اللّه بالنظر إلى أنّه هو السبب، ويصحّ إسناده إلى الشيطان بالنظر إلى أنّه هو المباشر، وإن شئت قلت: ينسي اللّه العبد «إنساء سلبيًّا»، بمعنى الإمتناع عن تذكيره مع قدرته عليه، وينسي الشيطان العبد «إنساء إيجابيًّا»، بمعنى إلهائه عمّا ينبغي ذكره.

هذا كلّه في نسيان ما ينفع ذكره، ومن الأمور ما لا ينفع ذكره، بل قد يضرّ ذكره؛ كما يصيب الإنسان أو يفوته في الحياة الدّنيا، ولا يستطيع تداركه، وليس له في ذكره إلّا الأسف؛ ففي هذه الحالة، يكون ذكره من الشيطان ليُحزنه، ونسيانه من اللّه ليسلّيه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ عِلَّةِ النِّسْيَانِ، فَقَالَ: إِذَا نَسِيتَ مَا يَنْفَعُكَ ذِكْرُهُ فَإِنَّمَا أَنْسَاكَ الشَّيْطَانُ أَنْ تَذْكُرَهُ، وَإِذَا نَسِيتَ مَا يَضُرُّكَ ذِكْرُهُ فَإِنَّمَا أَنْسَاكَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَهُ، وَلَوْلَا مَا جَعَلَ اللَّهُ لِبَنِي آدَمَ مِنْ نِسْيَانِ مَا أَحْزَنَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا طَابَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَيْشُهُ.

↑[١] . المجادلة/ ١٩
↑[٢] . الأنعام/ ٦٨
↑[٣] . الكهف/ ٦٣
↑[٤] . يوسف/ ٤٢
↑[٥] . الحشر/ ١٩
↑[٦] . الأعلى/ ٦-٧
↑[٧] . النّساء/ ٦٠
↑[٨] . الحجّ/ ٤
↑[٩] . يس/ ٦٢
↑[١٠] . الأنعام/ ٣٩
↑[١١] . الأعراف/ ١٨٦
↑[١٢] . الأعراف/ ٢٧
↑[١٣] . مريم/ ٨٣
↑[١٤] . الزّخرف/ ٣٦
↑[١٥] . فصّلت/ ٢٥
↑[١٦] . المجادلة/ ١٠