كاتب السؤال: خالد حسن تاريخ السؤال: ١٤٤١/٦/١٢

قال اللّه تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ» (النّساء/ ٤٣). هناك أسئلة:

أولًا السكارى في الآية هم من الذين آمنوا وهذا يعني لا تعارض بين كون شخص سكرانًا مع كونه من الذين آمنوا ومع علمنا بأنّ السكران فاسق، فكيف يمكن أن يكون الذين آمنوا فاسقين؟

ثانيًا السكر إمّا يؤدي إلى عدم العلم بالقول بالضرورة وإمّا ليس بالضرورة. ففي الحالة الأولى يجب خروج الشخص من السكر تمامًا حتى يعلم ما يقول وفي الحالة الثانية لا يجب خروجه من السكر تمامًا مع علمه بما يقول؛ أي أنّ الحرف «حتّى» في الآية إمّا لأجل بيان الغاية أو السبب وفي حالة كونه غاية يمكن بقاء الشخص سكرانًا وهو يعلم ما يقول فيؤدي صلاته وفي حالة كون الحرف «حتّى» لأجل بيان سببيّة السكر لعدم العلم بالقول، يجب خروج الشخص تمامًا من سكره حتى يمكنه مقربة الصلاة. فما هو ترجيحكم؟

ثالثًا تبعًا للنقطة الثانية، هل حرمة مقربة الصلاة سببها السكر أساسًا أم عدم العلم بالقول؟ فإن كان الأول فيمكن أداء الصلاة مع عدم العلم بالقول في حالات غير السكر وإن كان الثاني فالسكر يعدّ أحد مصاديق حرمة مقربة الصلاة للسبب الأصلي للحرمة وهو عدم العلم بالقول. نرجو منكم بيان ترجيحكم مع الدليل.

مع جزيل الشكر والتقدير

الاجابة على السؤال: ٩ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤١/٦/١٦

يرجى التنبّه للنكات التالية:

١ . إنّ قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[١] نزل قبل تحريم الخمر تحريمًا باتًّا؛ لأنّه في سورة النساء وهي ممّا نزل قبل سورة المائدة التي فيها حرّم اللّه الخمر بصراحة وإطلاق حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ[٢]. لذلك كان فريق من المؤمنين يشربون الخمر بعد نزول سورة النساء حتّى نزلت سورة المائدة؛ كما رووا: «لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ، فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ نَادَى: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا»[٣] ولا يخفى أنّ شرب الخمر قبل تحريمها لم يكن فسقًا. هذا بغضّ النظر عن أنّ الخطاب متوجّه إلى المؤمنين حينما ليسوا بسكارى؛ حيث أنّ السكارى لا يخاطبون لغيبة عقلهم وإدراكهم وكون الرّجل فاسقًا في سكره لا ينافي كونه مؤمنًا قبل أن يسكر؛ كما تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال في المؤمن: «لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»[٤]، وعليه فيصحّ نهي المؤمنين عمّا يكون فسقًا وأمرهم بأن يأتوا شيئًا أو يتركوه حين فسقهم إن فسقوا ولذلك قال تعالى: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ[٥] وقال في وصف المتّقين: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ[٦] مع أنّهم ليسوا بمتّقين حين يفعلون فاحشة أو يظلمون أنفسهم كما هو واضح.

٢ . إنّ السكر غيبوبة العقل والإدراك ولا يقال لمن يعقل ويدرك سكران، وعليه فلا شكّ أنّ قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ هو بيان السبب وإن كان بيان السبب بيان الغاية أيضًا؛ لأنّ الحكم ينتفي بانتفاء الموضوع، وعليه فلا حاجة إلى التفصيل في مثل هذا المقام.

٣ . إنّ عدم العلم بالقول هو سبب تحريم الصلاة في السكر كما بيّناه، وعليه فإنّ الصلاة محرّمة على كلّ من لا يعلم ما يقول لوحدة المناط ولذلك تواترت الروايات في النهي عن الصلاة حين غلبة النوم؛ لأنّ من غلبه النوم لا يعلم ما يقول؛ كما روى أنس بن مالك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ»[٧] وروى أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ»[٨] وروت عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ»[٩] وفي رواية أخرى: «إِذَا نَعَسَ الرَّجُلُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ، لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي»[١٠] وفي رواية أخرى: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَنَمْ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ أَمْ يَدْعُو لَهَا»[١١] وروى أنس بن مالك «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِحَبْلٍ مَمْدُودٍ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَبْلُ؟ قَالُوا: فُلَانَةٌ تُصَلِّي، فَإِذَا خَشِيَتْ أَنْ تُغْلَبَ أَخَذَتْ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لِتُصَلِّي مَا عَقَلَتْهُ، فَإِذَا غُلِبَتْ فَلْتَنَمْ»[١٢] ورووا عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «إِذَا غَلَبَتْكَ عَيْنُكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَاقْطَعِ الصَّلَاةَ وَنِمْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَى نَفْسِكَ»[١٣] وروى عيص بن القاسم عن جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام أنّه قال: «إِذَا غَلَبَ الرَّجُلَ النَّوْمُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَضَعْ رَأْسَهُ فَلْيَنَمْ فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْنِي النَّارَ»[١٤]، بل استند بعض هذه الروايات إلى قول اللّه تعالى على وجه التفسير أو التفريع؛ كما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُومُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَهُمْ سُكَارَى يَعْنِي سُكْرَ النَّوْمِ»[١٥] وروى أبو أسامة زيد الشحّام قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى فَقَالَ: سُكْرُ النَّوْمِ»[١٦] وروى عنه الحلبي أيضًا أنّه قال: «يَعْنِي سُكْرَ النَّوْمِ»[١٧] والحقّ أنّه تفريع وليس بتفسير، لظهور الآية في سكر الخمر وإن فسّرها بذلك الضحّاك بن مزاحم (ت١٠٥ه‍) حيث قال: «لم يعن بها سكر الخمر وإنما عنى بها سكر النوم»[١٨] ويمكن أن يقال بأنّ الآية عامّة في كلّ سكر؛ لأنّ السكر -كما قلنا- غيبوبة العقل والإدراك وهي تتسبّب عن النوم كما تتسبّب عن الخمر والدليل على أنّها سكر وإن لم تتسبّب عن الخمر قول اللّه تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ[١٩] إذ أطلق على غيبوبة العقل والإدراك عند الموت «سكرة»، وعليه فلا وجه لحمل الآية على سكر النوم دون سكر الخمر ولا سكر الخمر دون سكر النوم، بل الوجيه حملها على مطلق السكر بمعنى غيبوبة العقل والإدراك؛ كما هو ظاهر في رواية زكريا النقاض عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «مِنْهُ سُكْرُ النَّوْمِ»[٢٠] فجعل سكر النوم أحد مصاديق السكر.

↑[١] . النّساء/ ٤٣
↑[٢] . المائدة/ ٩٠-٩١
↑[٣] . مسند أحمد، ج١، ص٥٣؛ سنن أبي داود، ج٢، ص١٨٢؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٣٢٠؛ سنن النسائي، ج٨، ص٢٨٦؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٨، ص٢٨٥
↑[٤] . صحيح البخاري، ج٣، ص١٠٧؛ صحيح مسلم، ج١، ص٥٤؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٤، ص٢٢
↑[٥] . الحجرات/ ١١
↑[٦] . آل عمران/ ١٣٥
↑[٧] . صحيح البخاري، ج١، ص٦٠
↑[٨] . مسند أحمد، ج٢، ص٣١٨؛ صحيح مسلم، ج٢، ص١٩٠؛ سنن ابن ماجه، ج١، ص٤٣٧؛ سنن أبي داود، ج١، ص٢٩٥
↑[٩] . موطأ مالك، ج١، ص١١٨؛ صحيح البخاري، ج١، ص٦٠؛ صحيح مسلم، ج٢، ص١٩٠
↑[١٠] . سنن النسائي، ج١، ص١٠٠
↑[١١] . مصنف عبد الرزاق، ج٢، ص٥٠٠؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٣، ص١٦
↑[١٢] . مسند أحمد، ج٣، ص٢٠٤؛ صحيح ابن حبان، ج٦، ص٣٢٣
↑[١٣] . علل الشرائع لابن بابويه، ج٢، ص٣٥٣
↑[١٤] . من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج١، ص٤٧٩
↑[١٥] . الكافي للكليني، ج٣، ص٢٩٩
↑[١٦] . الكافي للكليني، ج٣، ص٣٧١؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٣، ص٢٥٨
↑[١٧] . تفسير العيّاشي، ج١، ص٢٤٢
↑[١٨] . تفسير الطبري، ج٥، ص١٣٥؛ أحكام القرآن للجصاص، ج٢، ص٢٥٢؛ تفسير الثعلبي، ج٣، ص٣١٢
↑[١٩] . ق/ ١٩
↑[٢٠] . من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج١، ص٤٨٠