كاتب السؤال: رضا الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٣/١٤

متى يجوز الغِيبة؟

الاجابة على السؤال: ٢ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٣/٢٥

«الغيبة» بكسر الغين اتّهام شخص في غَيبته بما لا يحسن شرعًا أو عرفًا، وهي ظلم من حيث أنّها يسبّب سوء الظنّ به حينما لا يقدر على الدفاع عن نفسه، وقبح الظلم بديهيّ. لذلك، أرشد اللّه تعالى في كتابه إلى قبح هذا العمل فقال: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ[١].

نعم، لا يحرم اغتياب غير مؤمن؛ لأنّ اللّه تعالى بقوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وقوله: ﴿بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وقوله: ﴿لَحْمَ أَخِيهِ، قد نهى المؤمنين عن اغتياب بعضهم بعضًا، ولذلك فإنّ اغتياب من هو كافر أو ظالم أو فاسق، وبالتالي لا يعتبر مؤمنًا ليس ممّا نهى اللّه تعالى عنه، وإن كان تركه أولى إذا لم تترتّب عليه فائدة شرعيّة، والفائدة الشرعيّة هي إعلام الحاضرين بكفره أو ظلمه أو فسقه إذا كانوا بحاجة إلى العلم بذلك حتّى لا يتضرّروا به في دينهم أو دنياهم، وليس إعلامهم بنقص في بدنه أو ماله أو أهله ممّا لم يكن له دور في حدوثه؛ لأنّ هذا إهانته بغير حقّ، ولا يجوز إهانة أحد بغير حقّ وإن كان شرّ خلق اللّه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

ذَكَرْتُ عِنْدَ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ عَدُوًّا لَهُ جَبَّارًا، فَقُلْتُ: ذَاكَ السَّمِينُ الْكَوْسَجُ! فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَقَالَ: أَسْرَفْتَ! أَسْرَفْتَ! لَا نُعَادِيهِ لِخَلْقِهِ، وَلَكِنْ نُعَادِيهِ لِخُلْقِهِ، وَإِنَّمَا خَلْقُهُ مِنَ اللَّهِ، وَخُلْقُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.

هذه سيرة المنصور الهاشمي الخراساني، وليست سيرة أعدائه إلا السبّ والإهانة والتشويه والإستهزاء والإفتراء، و﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ[٢].

↑[١] . الحجرات/ ١٢
↑[٢] . الرّعد/ ١٩
رقم التعليق: ١ كاتب التعليق: رضا الراضي تاريخ التعليق: ١٤٤١/١١/٨

يرجى تقديم تعريف دقيق وشامل للغِيبة وتبيين حدودها.

الاجابة على التعليق: ١ تاريخ الاجابة على التعليق: ١٤٤١/١١/١٢

التكلّم عن الآخرين في غيبتهم بما يسوءهم إن بلغهم، يعتبر غيبة، وهي إثم كبير؛ إلا أن يكونوا غير مسلمين، أو يكون في التكلّم عنهم ضرورة شرعيّة؛ كما إذا لم يُتكلّم عنهم سوف يصيب الحاضرين من المسلمين ضرر في دينهم أو نفسهم أو مالهم أو عرضهم. لهذا السبب، قد استباح العلماء المسلمون تضعيف بعض رواة الحديث أو تكذيبهم؛ لأنّه بدون ذلك، قد يعتمد المسلمون على رواياتهم، وبالتالي يتضرّرون في دينهم وربما في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم؛ كما أنّ الطعن في الشهود أو الحكّام غير العادلين بمعنى الإخبار عن عدم عدالتهم جائز، بل واجب؛ لأنّ اللّه تعالى اعتبر عدالتهم ضروريّة فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ[١]، وقال: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ[٢]، وقال: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ[٣]، وعلى هذا فإنّ اتّخاذ شاهد أو حَكَم غير عادل وقبول شهادته أو حُكمه مخالف لأمر اللّه تعالى ومصلحة المسلمين، وبالتالي يعتبر كتمان حاله من قبل من يعلم حاله إعانة على الإثم والعدوان، وإضرارًا بالمسلمين، وهما محرّمان.

من هنا يعلم أنّ ذكر العيوب العقائديّة أو العمليّة الموجودة في الأشخاص الآتي ذكرهم، إذا كان بعيدًا عن الكذب والمبالغة وسوء الظنّ، جائز:

١ . رواة الحديث

٢ . الشهود

٣ . الحكّام

٤ . دعاة الناس إلى الباطل

٥ . الكفّار والمنافقون

٦ . فسّاق المسلمين الذين لا يبالون باطّلاع الناس على فسقهم؛ كالذين يأتون المحرّمات في الممرّات والأماكن العامّة.

٧ . فسّاق المسلمين الذين يضرّون الناس بإخفاء فسقهم؛ كالمحتالين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل من خلال خداعهم.

بناء على هذا، لا بأس بأن يقول الرجل أنّ المحدّث الفلانيّ كذّاب أو متهاون في الحديث، وأنّ الشاهد الفلانيّ مدمن على المخدّرات ويشهد مقابل مال، وأنّ الحَكَم الفلانيّ يرتشي، وأنّ الكافر الفلانيّ أو الداعي الفلانيّ الذي يدعو الناس إلى ضلالة له عقيدة خاطئة أو عمل سيّء، وأنّ المنافق الفلانيّ قد تآمر على الإسلام، وأنّ المسلمة الفلانيّة تظهر في الممرّات والأماكن العامّة بغير حجاب، وأنّ المسلم الفلانيّ محتال وقد أكل أموال جماعة بالباطل من خلال خداعهم، وما شابه هذا؛ بشرط أن يكون ذلك عن علم وبنيّة الخير، وهو منع تضرّر النّاس مادّيًّا أو معنويًّا؛ لأنّه في هذه الحالة يعتبر «إحسانًا»، وقد قال اللّه تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[٤]، ولكن لا يجوز ذكر عيوب المسلمين العادلين أو المستورين الذين لم يظهر منهم فسق في غيابهم، وإن جاز ذلك في حضورهم؛ لأنّ ذكر عيوبهم في حضورهم قد يكون مصداقًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونافعًا لهم، في حين أنّه ليس كذلك في غيابهم؛ كما أنّه لا وجه لذكر عيوب الغائبين الجسديّة وإن كانوا ممّن يجوز اغتيابهم، وهكذا الحكم بالنسبة لحالاتهم التي لا تعتبر عيبًا في ميزان الشرع؛ كقول الرّجل: ثوب فلان كريه، أو دار فلان صغيرة، أو طبخ فلان سيّء، أو تجوّل فلان كثير، أو ابنة فلان لا خاطب لها، أو ابن فلان عاطل، أو ما شابه ذلك ممّا قد شاع بين الناس، وهو بلا فائدة ومنكر.

↑[١] . المائدة/ ١٠٦
↑[٢] . الطّلاق/ ٢
↑[٣] . المائدة/ ٩٥
↑[٤] . التّوبة/ ٩١