كاتب السؤال: جورج الهاشمي تاريخ السؤال: ١٤٤١/٥/٢١

هل يجزئ الغسل الواحد عن غسل الجنابة وغسل الجمعة؟

الاجابة على السؤال: ٣ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤١/٦/١

اختلف الفقهاء فيمن اغتسل للجمعة وهو جنب ولم يذكر جنابته فقالت طائفة: يجزئه لأنه اغتسل للصلاة واستباحها وليس عليه مراعاة الحدث ونحوه كما ليس عليه أن يراعي حدث البول والغائط والريح وغير ذلك من الأحداث وإنما عليه أن يتوضأ للصلاة فكذلك الغسل للصلاة يوم الجمعة يجزئه من الجنابة وممّن قال بهذا من أصحاب مالك، ابن وهب وأشهب وابن نافع وابن كنانة ومطرف وعبد الملك ومحمد بن مسلمة وإليه ذهب المزني من أصحاب الشافعي وقال آخرون: لا يجزئ الجنب غسل يوم الجمعة من غسل الجنابة إذا كان ناسيًا لجنابته في حين الغسل ولم يقصد إلى ذلك؛ لأنّ الغسل للجمعة سنة والإغتسال من الجنابة فرض ومحال أن تجزئ سنة عن فرض كما لا تجزئ ركعتا الفجر عن صلاة الصبح ولا أربع ركعات قبل الظهر عن صلاة الظهر وهو قول ابن القاسم وابن عبد الحكم عن مالك ولم يختلف أصحاب مالك فيمن اغتسل للجنابة لا ينوي الجمعة أنه غير مغتسل للجمعة ولا يجزئه من غسل الجمعة إلا ما ذكره محمد بن عبد الحكم وأبو إسحاق البرقي عن أشهب أنه قال: يجزئه غسل الجنابة من غسل الجمعة وقال عبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد والطبري: من اغتسل للجنابة يوم الجمعة أجزأه غسل الجنابة من غسل الجمعة والجنابة جميعًا وأجمعوا في الجنب ينوي بغسله الجنابة والجمعة أنه يجزئه عنهما إلا شيئًا روي عن مالك قال به أهل الظاهر أنه لا يجزئ عن واحد منهما إذا خلط النية فيهما قياسًا على من خلط الفرض بالنافلة في الصلاة وهذا لا يصحّ لأهل الظاهر لدفعهم القياس وذكر أبو بكر الأثرم قال: قلت لأحمد بن حنبل: رجل اغتسل يوم الجمعة من جنابة ونوى مع ذلك غسل الجمعة فقال: أرجو أن يجزئه منهما جميعًا قلت له: يروى عن مالك أنه قال: لا يجزئه عن واحد منهما، فأنكره قال ذلك ابن عبد البرّ في الإستذكار[١] وقال العيني في عمدة القاري[٢] أنّ الإغتسال يوم الجمعة للجنابة يجوز عن الجمعة، سواء نواه للجمعة أو لا وقال ابن المنذر: أكثر من يحفظ فيه من أهل العلم يقولون: يجزئ غسلة واحدة للجنابة والجمعة وروى نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل للجنابة والجمعة غسلًا واحدًا[٣] وقال ابن عبد البرّ: «لا مخالف له -علمت- من الصحابة»[٤]. نعم، روي عن عبد اللّه بن أبي قتادة قال: «دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي وَأَنَا أَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: غُسْلُكَ مِنَ جَنَابَةٍ أَوْ لِلْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ جَنَابَةٍ، قَالَ: أَعِدْ غُسْلًا آخَرَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ فِي طَهَارَةٍ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى»[٥]، لكنّه من عنعنة يحيى بن أبي كثير وهو مدلّس وليس بصريح في قول أبي قتادة بعدم الإجزاء؛ لاحتمال أن يكون أمره بالإعادة بسبب أنّه لم ينو غسل الجمعة مع غسل الجنابة؛ كما هو ظاهر في رواية ابن أبي شيبة[٦] قال: حدثنا زيد بن حباب قال: حدثني يحيى بن عبد اللّه بن أبي قتادة قال: حدثتني أمّي أنّ أباها حدّثها «أَنَّ بَعْضَ وُلْدِ أَبِي قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مُغْتَسِلًا، فَقَالَ: لِلْجُمُعَةِ اغْتَسَلْتَ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ مِنَ الْجَنَابَةِ، قَالَ: فَأَعِدْ غُسْلًا لِلْجُمُعَةِ» وهذا ما يذهب إليه المنصور حفظه اللّه تعالى؛ فإنّه يقول بعدم الإجزاء مع عدم النيّة؛ لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى»[٧] ويقول بأنّه لو نوى أجزأ؛ لأنّ تعدّد الأمر بعمل واحد لا يوجب تعدّد الإتيان به إلا بقرينة؛ كما إذا قال المولى لعبده: إذا دخل عليك زيد فقم وإذا دخل عليك عمرو فقم، ثمّ دخل عليه زيد وعمرو معًا فالواجب عليه حينئذ القيام مرّة واحدة لصدق الإمتثال به، بل لظهور أمر المولى في أنّ غرضه هو تحقّق طبيعة العمل في مثل هذا المقام بحيث يعتبر تكراره فيه لغوًا كتحصيل الحاصل؛ بالإضافة إلى قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[٨] وقوله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ[٩]؛ حيث أنّ تكرار الغسل لكلّ سبب من الأسباب المجتمعة عسر وحرج ظاهر، بل هو إسراف وتبذير لماليّة الماء وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[١٠] وقال: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۝ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا[١١] وعلى هذا كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام؛ كما روى زرارة عن أحدهما يعني أبا جعفر وجعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام قال: «إِذَا اغْتَسَلْتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَكَ غُسْلُكَ ذَلِكَ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ وَالزِّيَارَةِ وَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْكَ حُقُوقٌ أَجْزَأَهَا عَنْكَ غُسْلٌ وَاحِدٌ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يُجْزِئُهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ لِجَنَابَتِهَا وَإِحْرَامِهَا وَجُمُعَتِهَا وَغُسْلِهَا مِنْ حَيْضِهَا وَعِيدِهَا»[١٢] وروي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ جُنُبٌ أَجْزَأَهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ»[١٣] وروى أبو بصير عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: «سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، قَالَ: تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا»[١٤] وروى حجّاج الخشاب قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَطَمَثَتْ بَعْدَ مَا فَرِغَ، أَتَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا إِذَا طَهُرَتْ أَوْ تَغْتَسِلُ مَرَّتَيْنِ؟ قَالَ: تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا عِنْدَ طُهْرِهَا»[١٥] وروى عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ يُوَاقِعُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَحِيضُ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، قَالَ: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ فَعَلَتْ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، فَإِذَا طَهُرَتْ اغْتَسَلَتْ غُسْلًا وَاحِدًا لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ»[١٦] وروى شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الْجُنُبِ يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ أَوْ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، لَهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ ثُمَّ يَغْتَسِلَ؟ فَقَالَ: سَوَاءٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ جُنُبًا غَسَلَ يَدَهُ وَتَوَضَّأَ وَغَسَّلَ الْمَيِّتَ، فَإِنْ غَسَّلَ مَيِّتًا ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَتَى أَهْلَهُ يُجْزِئُهُ غُسْلٌ وَاحِدٌ لَهُمَا»[١٧] وروى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَحِيضُ وَهِيَ جُنُبٌ هَلْ عَلَيْهَا غُسْلُ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَاحِدٌ»[١٨].

الحاصل أنّ الغسل الواحد يكفي من الأغسال المجتمعة مع النيّة.

↑[١] . الإستذكار لابن عبد البر، ج١، ص٢٦٥ و٢٦٦
↑[٢] . عمدة القاري للعيني، ج٦، ص١٧٧
↑[٣] . مصنف عبد الرزاق، ج٣، ص٢٠٠؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٢، ص٩؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١، ص٢٩٨
↑[٤] . الإستذكار لابن عبد البر، ج١، ص٢٦٦
↑[٥] . صحيح ابن خزيمة، ج٣، ص١٣٠؛ صحيح ابن حبان، ج٤، ص٢٤؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج١، ص٢٨٢؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١، ص٢٩٩
↑[٦] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٢، ص١٠
↑[٧] . مسائل علي بن جعفر، ص٣٤٦؛ صحيح البخاري، ج٧، ص٢٣١؛ صحيح مسلم، ج٦، ص٤٨
↑[٨] . البقرة/ ١٨٥
↑[٩] . المائدة/ ٦
↑[١٠] . الأعراف/ ٣١
↑[١١] . الإسراء/ ٢٦-٢٧
↑[١٢] . الكافي للكليني، ج٣، ص٤١؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص١٠٧؛ مستطرفات السرائر لابن إدريس، ص٥٨٨
↑[١٣] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص٣٩٥؛ مستطرفات السرائر لابن إدريس، ص٦١١
↑[١٤] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص٣٩٥
↑[١٥] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص٣٩٥
↑[١٦] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص٣٩٦
↑[١٧] . الكافي للكليني، ج٣، ص٢٥٠؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص٤٤٨
↑[١٨] . الكافي للكليني، ج٣، ص٨٣؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج١، ص٧٧؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج١، ص٣٩٥