كاتب السؤال: أبو كميل النخعي تاريخ السؤال: ١٤٤١/٤/٢٥

هل يجوز أخذ المنحة المالية التي جعلتها الحكومة الظالمة لمجموعة من الشباب كتعبير منها عن إصلاح أوضاعهم وتوفير فرص عمل لهم؟

الاجابة على السؤال: ١٥ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤١/٥/١

إنّما يحرم إعانة الظالمين والدخول في أعمالهم؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ[١]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[٢]، وأمّا قبول هداياهم وجوائزهم إذا لم يسألوا بإزائها شيئًا فجائز للمؤمنين؛ لأنّه ليس بإعانتهم ولا الدخول في أعمالهم، بل هو أخذ بعض ما في أيديهم لردّه إلى أهله ووضعه في موضعه؛ كما روي أنّ سعيد بن العاص بعث إلى علي عليه السلام بهدايا فقبلها وقال: خذ ما أعطوك[٣]، وروي أنّه قال: لا تسأل السلطان شيئًا وإن أعطى فخذ[٤]، وروي أنّ الحسن والحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية[٥]، وروي أنّ أبا جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام سئل عن هدايا السلطان، فقال: إن علمت أنّه من غصب وسحت فلا تقبله وإن لم تعرف ذلك فاقبله، ثمّ قال: ما كان من مأثم فهو عليهم وما كان من مهنأ فهو لك[٦]، وروي عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال لبعض أصحابه: ائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فإنما هو شيء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه[٧]، وروي أنّ هارون الرشيد أمر بإحضار موسى بن جعفر عليهما السلام يومًا فأكرمه وأتى بها بحقة الغالية، ففتحها بيده فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير، فقال موسى بن جعفر عليهما السلام: واللّه لولا أنّي أرى من أزوّجه بها من عزّاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدًا[٨]، وروي عن أبي همام قال: قلت للرضا عليه السلام: أعطي المال من ناحية السلطان، قال: لا بأس عليكم[٩]، وقال ابن عبد البر: قبل جوائز الأمراء جمهور العلماء[١٠]، وروى عمر بن شيبة البحتري في كتاب القضاء أنّ الحسن البصري وابن سيرين والشعبي دخلوا على عمر بن هبيرة، فأمر لكلّ واحد منهم بألف درهم ألف درهم وأمر للحسن بألفي درهم، فقبض الحسن جائزته وأبى ابن سيرين أن يقبض، فقال لابن سيرين: ما لك لا تقبض؟ قال: حتّى يعمّ الناس، فقال الحسن: اللّه لو عرض لك ولي لصّ فأخذ ردائي ورداءك، ثم بدا له أن يردّ عليّ ردائي كنت أقول لا أقبل ردائي حتّى تردّ على ابن سيرين رداءه؟! كنت أحبّ أن تكون أفقه ممّا أنت يا ابن سيرين[١١].

نعم، يبعث بخمس هداياهم وجوائزهم إلى خليفة اللّه في الأرض وإن كان غائبًا فإلى من يمهّد لظهوره؛ لأنّها شيء يغنمه الإنسان وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ[١٢]، والغُنم هو الفوز بالشيء من غير مشقّة ولذلك كتب المنصور حفظه اللّه تعالى إلى بعض أصحابه: «اعْلَمْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَرْزُقُكَ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ فَفِيهِ الْخُمْسُ، كَالْغَنِيمَةِ، وَالْكَنْزِ، وَالْمَعْدِنِ، وَالْحِلْيَةِ الَّتِي تَسْتَخْرِجُهَا مِنَ الْبَحْرِ، وَالْهِبَةِ، وَالْجَائِزَةِ، وَالْفَائِدَةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي تَفْضُلُ عَنْ مَؤُونَتِكَ، وَالْمِيرَاثِ الَّذِي لَا تَحْتَسِبُهُ مِنَ الْبَعِيدِ، وَالْمَالِ الَّذِي تَكْنِزُهُ فَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ وَلَا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَعَلَيْكَ فِي ذَلِكَ الْخُمْسُ تُخْرِجُهُ إِلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ، إِنْ كُنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»[١٣]، وممّا يدلّ على أنّ هذا كان معروفًا عند السلف ما روي من أنّ يحيى بن خالد سعى بجعفر بن محمّد بن الأشعث إلى هارون الرشيد بعد ما أمر له هارون الرشيد بعشرين ألف دينار فقال له: يا أمير المؤمنين! قد كنت أخبرتك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه وهاهنا أمر فيه الفيصل قال: وما هو؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من جهة الجهات إلا أخرج خمسه فوجّه به إلى موسى بن جعفر ولست أشكّ أنّه قد فعل ذلك في العشرين الألف دينار التي أمرت بها له[١٤]، وكان جعفر بن محمّد بن الأشعث على خاتم هارون الرشيد ثمّ ولاه خراسان وكان من شيعة موسى بن جعفر عليهما السلام وله في ذلك قصّة لا تخلو من مناسبة وهي مرويّة عن صفوان بن يحيى قال: قال لي جعفر بن محمّد بن الأشعث: أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به وما كان عندنا منه ذكر ولا معرفة شيء ممّا عند الناس؟ قال: قلت له: ما ذاك؟ قال: إنّ أبا جعفر -يعني أبا الدوانيق- قال لأبي، محمّد بن الأشعث: يا محمّد! ابغ لي رجلًا له عقل يؤدّي عني، فقال له أبي: قد أصبته لك، هذا فلان ابن مهاجر خالي، قال: فأتني به، قال: فأتيته بخالي، فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر! خذ هذا المال وأت المدينة وأت عبد اللّه بن الحسن بن الحسن وعدّة من أهل بيته فيهم جعفر بن محمّد فقل لهم: إنّي رجل غريب من أهل خراسان وبها شيعة من شيعتكم وجّهوا إليكم بهذا المال وادفع إلى كلّ واحد منهم على شرط كذا وكذا، فإذا قبضوا المال فقل: إنّي رسول وأحبّ أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم، فأخذ المال وأتى المدينة فرجع إلى أبي الدوانيق ومحمّد بن الأشعث عنده، فقال له أبو الدوانيق: ما وراءك؟ قال: أتيت القوم وهذه خطوطهم بقبضهم المال خلا جعفر بن محمّد، فإنّي أتيته وهو يصلّي في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فجلست خلفه وقلت حتّى ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه، فعجل وانصرف، ثمّ التفت إليّ فقال: يا هذا اتّق اللّه ولا تغرّ أهل بيت محمّد، فإنّهم قريبو العهد بدولة بني مروان وكلّهم محتاج، فقلت: وما ذاك؟ أصلحك اللّه! قال: فأدنى رأسه منّي وأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك حتّى كأنّه كان ثالثنا، قال: فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر! اعلم أنّه ليس من أهل بيت نبوّة إلا وفيهم محدَّث وإنّ جعفر بن محمّد محدَّثنا اليوم وكانت هذه الدلالة سبب قولنا بهذه المقالة[١٥].

بالجملة أنّ قبول عطايا الظالمين جائز للمؤمنين إلا أنّ عليهم فيها الخمس ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ[١٦].

↑[١] . هود/ ١١٣
↑[٢] . المائدة/ ٢
↑[٣] . عمدة القاري للعيني، ج٩، ص٥٥
↑[٤] . المغني لابن قدامة، ج٤، ص٣٠٩
↑[٥] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٥، ص٤١؛ تهذيب الأحكام للطوسي، ج٦، ص٣٣٧
↑[٦] . عمدة القاري للعيني، ج٩، ص٥٥
↑[٧] . الكافي للكليني، ج٨، ص٢٢٢
↑[٨] . عيون أخبار الرضا لابن بابويه، ج١، ص٧٦
↑[٩] . الكافي للكليني، ج٤، ص٢٧٩؛ من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، ج٢، ص٤٣٧
↑[١٠] . الإستذكار لابن عبد البر، ج٨، ص٦٠٨
↑[١١] . المغني لابن قدامة، ج٧، ص٣٣٢
↑[١٢] . الأنفال/ ٤١
↑[١٣] . الرسالة ١٥، الفقرة ٢
↑[١٤] . عيون أخبار الرضا لابن بابويه، ج١، ص٧١
↑[١٥] . بصائر الدرجات للصفار، ص٢٦٥؛ الكافي للكليني، ج١، ص٤٧٥؛ دلائل الإمامة للطبري الإمامي، ص٢٦٦؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، ج٣، ص٣٤٨
↑[١٦] . آل عمران/ ١١٥