كاتب السؤال: محمّد البطاط تاريخ السؤال: ١٤٤١/٤/٢٢

ما هي السياسة؟ وهل لها ربط بالدين؟ وكيف نتعامل مع الناس بالسياسة بما أنها صارت جزأ من حياتنا؟ وكيف ننجح في السياسة؟ وهل المهدي عليه السلام سوف يستخدم السياسة في حكومته؟

الاجابة على السؤال: ١٤ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤١/٤/٢٩

قد يقصد من السياسة معان شتّى. إن كانت السياسة بمعنى تولّي أمور البلاد وتدبير شؤونها وتسيير أعمالها الدّاخليّة والخارجيّة فهي جزء رئيسيّ من الدين؛ لأنّها المُلك والمُلك للّه وحده؛ كما تسمّى بـ﴿مَلِكِ النَّاسِ[١]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[٢]، وقال: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ[٣]، وهو يؤتي ملكه من يشاء ليحكم بإذنه؛ كما قال: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[٤]، وقال: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[٥]، ومن آتاه اللّه ملكه ليحكم بإذنه فهو خليفته في الأرض وعليه إقامة دينه خالصًا كاملًا حتّى يملأ الأرض عدلًا؛ كما آتى داود عليه السلام المُلك وقال له: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[٦]، وقال لنبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ[٧]، وهذه هي السياسة التي يعرفها الإسلام وسوف يقوم بها المهديّ عليه السلام بهداية من اللّه.

أمّا إن كانت السياسة بمعنى التلبيس والكذب والخداع والاحتيال والبهتان والرياء وتهييج العوامّ لكسب السلطة أو حفظها -كما هي شائعة بين الأحزاب والشخصيّات السياسيّة- فلا ربط لها بالدين؛ لأنّها الظلم ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ[٨]؛ بغضّ النظر عن حرمة الدخول في مُلك من لم يجعله اللّه ملكًا بنصّ من نبيّه أو معجزة؛ لأنّه طاغوت يُعبد من دون اللّه ومن دخل في ملكه فقد عبد الطاغوت، إلا أن يكون مكرَهًا أو مضطرًّا أو يدًا لخليفة اللّه في الأرض.

نعم، ربما يقصد من السياسة الحزم والوعي والفطانة والخبرة والكياسة والظرافة والمداراة من دون إثم ولا عدوان ولا شكّ أنّها سائغة لكلّ مؤمن في شؤونه الفرديّة والإجتماعيّة وهي خارجة عن محلّ النزاع وأمثلتها كثيرة في كتاب اللّه؛ كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا[٩]، وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا[١٠]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ[١١]، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ[١٢]، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً[١٣]، وقوله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ[١٤]، وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ[١٥]، وقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[١٦]، وقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[١٧]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[١٨]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا[١٩]، وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى[٢٠]، وقوله تعالى: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ[٢١]، وقوله تعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[٢٢]، وقوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ[٢٣]، وقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ[٢٤]، وغير ذلك ممّا يرشد إلى تحرّي الخير وسدّ الذريعة وتحصيل المصلحة الراجحة؛ فإنّ كلّ ذلك سياسات شرعيّة.

↑[١] . النّاس/ ٢
↑[٢] . التّوبة/ ١١٦
↑[٣] . الإسراء/ ١١١
↑[٤] . آل عمران/ ٢٦
↑[٥] . البقرة/ ٢٤٧
↑[٦] . ص/ ٢٦
↑[٧] . الشّورى/ ١٥
↑[٨] . غافر/ ٣١
↑[٩] . البقرة/ ١٠٤
↑[١٠] . البقرة/ ٨٣
↑[١١] . الأنعام/ ١٠٨
↑[١٢] . النّساء/ ١٤٠
↑[١٣] . آل عمران/ ٢٨
↑[١٤] . البقرة/ ١٠٩
↑[١٥] . مريم/ ٨٤
↑[١٦] . النّحل/ ١٢٥
↑[١٧] . فصّلت/ ٣٤
↑[١٨] . النّساء/ ٨٣
↑[١٩] . النّساء/ ٥
↑[٢٠] . المائدة/ ٢
↑[٢١] . المائدة/ ١٠١
↑[٢٢] . الحجرات/ ٦
↑[٢٣] . الممتحنة/ ١٠
↑[٢٤] . التّوبة/ ٦٠