كاتب الشبهة: مجتبى تاريخ الشبهة: ١٤٣٧/٢/٢٩

إنّ اللّه عزّ وجلّ يُعرّف الخاشعين في الآية ٤٦ من سورة البقرة بأنهم «يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». هذا والحال أنّه وفق أقوال العلامة حفظه اللّه تعالى أنّ بلوغ اليقين في الدّين أمرٌ ضروريّ وطبقًا للآيات التي أوردها في كتاب «العودة إلى الإسلام» كرارًا فإنّ الظنّ لا محلّ له في الإسلام.

الرجاء بيّنوا كيف يكون الجمع بين هذين الأمرين؟

مع جزيل الشكر للإخوة الكرام على جهودهم الغفيرة

الاجابة على الشبهة: ٠ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٧/٣/٢

من المؤكّد أنّه لا يوجد في كتاب اللّه أيّ تناقض أو قول مخالف للعقل، لكن يوجد فيه متشابهات يجب لفهم معانيها الرجوع إلى محكمات كتاب اللّه؛ كما قال: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ[١]؛ كما على سبيل المثال قال في آية: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[٢]، لكنّها نظرًا إلى أنّ رؤية اللّه غير ممكنة عقلًا، تعدّ آية متشابهة ويجب لفهم معناها الرجوع إلى الآيات المحكمة؛ كالآية التي تقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[٣] ويفهم منها أنّ المقصود من النظر إلى اللّه، ليس النظر إلى ذاته، بل النظر إلى آياته، أو قال في آية أخرى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا[٤]، لكنّها نظرًا إلى أنّ مجيء اللّه وذهابه غير ممكنين عقلًا، تعدّ آية متشابهة ويجب لفهم معناها الرجوع إلى الآيات المحكمة؛ كالآية التي تقول: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا[٥] ويفهم منها أنّ المقصود من مجيء اللّه في يوم القيامة ليس مجيء ذاته، بل مجيء بعض آياته، أو قال في آية أخرى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[٦]، لكنّها نظرًا إلى أنّ استواء اللّه على العرش غير ممكن عقلًا، تعدّ آية متشابهة ويجب لفهم معناها الرجوع إلى الآيات المحكمة؛ كالآية التي تقول: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ[٧] أو الآية التي تقول: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ[٨] ويفهم منها أنّ المقصود بالعرش هو جميع المخلوقات بما فيها السماوات والأرض والمقصود من استوائه عليها هو إحاطته بها. كذلك الآية التي تقول: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ[٩]، تعدّ آية متشابهة؛ لأنّ الظنّ بالآخرة أي مجرّد احتمالها غير كافٍ بناءً على العقل والآيات المحكمة مثل ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ[١٠] ولذلك يجب لفهم معناها الرجوع إلى الآيات المحكمة؛ كالآية التي تقول: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ[١١] ويفهم منها أنّ المقصود من الظنّ بلقاء اللّه ليس احتمال لقائه فقط، بل هو الإعتقاد بذلك عن يقين وقد عبّر عنه بالظنّ بالآخرة من باب التقابل مع الكافرين؛ لأنّ معظم الكافرين ما كانوا يظنّون بالآخرة وكانوا يجهرون بأنّنا لا نظنّ بالآخرة؛ كما قال اللّه عنهم: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ[١٢] وقال حاكيًا عن أحدهم: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا[١٣] وعليه فإنّ اللّه هو في مقام بيان أنّ المؤمنين يظنّون بلقاء ربّهم خلافًا لمعظم الكافرين، لا أنّهم لا يوقنون بالآخرة؛ كما أنّه في موضع آخر لم يعتبر الظنّ بالآخرة كافيًا لبعض الكافرين وذمّهم على ذلك وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ[١٤]؛ كما عدّ بشكل واضح يقين خلقه بالآخرة مراده وغايته وقال: ﴿يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ[١٥].

من هذا يعلم أنّ اللّه لم يعتبر الظنّ كافيًا في أيّ مورد، بل اعتبر اليقين ضروريًا في جميع الموارد، وإن ذكر ظنّ الخاشعين بالآخرة في مورد، فإنّه كان من باب التعريض بالجاحدين الذين كانوا لا يظنّون بالآخرة ويقولون أننا لا نظنّ بالآخرة؛ كأنّه قال لهم: «إن كنتم لا تظنون بالآخرة فالمؤمنون يظنون بها»! ولذلك لم يعتبر أيّ من المذاهب الإسلامية أنّ الظنّ بالآخرة كافٍ، بل أكّد جميعهم على وجوب اليقين بها؛ لأنّ الظنّ وإن كان في رأي أكثرهم له اعتبار في أحكام الإسلام، إلا أنه في رأيهم جميعًا لا اعتبار له في عقائد الإسلام ولهذا كان فهم جميعهم للآية المذكورة، يقين الخاشعين بالآخرة.

نسأل اللّه أن يدخل جميع المسلمين في نور اليقين وأن يخرجهم من ظلمات الوهم والشكّ والظنّ؛ فإنّ الوهم والشكّ والظنّ هم ظلمات بعضها فوق بعض ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نور.

↑[١] . آل عمران/ ٧
↑[٢] . القيامة/ ٢٢ و٢٣
↑[٣] . الأنعام/ ١٠٣
↑[٤] . الفجر/ ٢٢
↑[٥] . الأنعام/ ١٥٨
↑[٦] . طه/ ٥
↑[٧] . البقرة/ ٢٥٥
↑[٨] . فصّلت/ ٥٤
↑[٩] . البقرة/ ٤٦
↑[١٠] . يونس/ ٣٦
↑[١١] . البقرة/ ٤
↑[١٢] . القصص/ ٣٩
↑[١٣] . الكهف/ ٣٦
↑[١٤] . الجاثية/ ٣٢
↑[١٥] . الرّعد/ ٢