كاتب السؤال: حامد ستوده تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٢/٢٨

إذا كان الإنسان واقفًا بين عدم العلم وعدم العمل، أيّهما يكون أولى وأحسن عاقبة في الدّنيا والآخرة؟ بعبارة أخرى، من يكون أعذر عند اللّه: من يكتسب العلم ولا يعمل به، أو من يستطيع اكتساب العلم ولكنّه يترك ذلك مخافة عدم العمل؟

الاجابة على السؤال: ٤ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٣/٦

عدم العمل بالعلم إثم واحد، ولكن عدم اكتساب العلم إثمان؛ لأنّ واجب الإنسان هو اكتساب العلم والعمل به، ولذلك من يكتسب العلم ولا يعمل به، يؤدّي أحد واجبيه ويضيّع الآخر، لكنّ من يتهاون في اكتساب العلم عمدًا وفرارًا من المسؤوليّة، فإنّه يضيّع واجبيه جميعًا، وبالتالي يعتبر أكثر إثمًا؛ كما روي عن الثوريّ، قال: «بَلَغَنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: <وَيْلٌ لِمَنْ يَعْلَمُ وَلَا يَعْمَلُ، وَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَتَعَلَّمُ> مَرَّتَيْنِ»[١]، وروي أنّ رجلًا جاء إلى أبي ذرّ، فقال: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَأَخَافُ أَنْ أُضِيعَهُ وَلَا أَعْمَلَ بِهِ»، فقال: «أَمَا إِنَّكَ إِنْ تَوْسَّدْتَ الْعِلْمَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَوَسَّدَ الْجَهْلَ»[٢]؛ قال ابن الأنباريّ (ت٣٢٨هـ): «يَعْنِي أَنْ تَحْفَظَ الْعِلْمَ وَتَنَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَنَامَ عَلَى الْجَهْلِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُؤَمَّلُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي وَقْتٍ، أَنْ يُنَبِّهَ لِلْعَمَلِ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ»[٣]، وقال رجل لأبي هريرة: «أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَأَخَافُ أَنْ أُضِيعَهُ»، فقال: «كَفَى بِتَرْكِ الْعِلْمِ إِضَاعَةً»[٤]. من هنا يعلم أنّ الجاهل المقصّر لا فضل له على العالم الذي لا يعمل بعلمه، بل هو أشقى وأخسر، ولا عذر لأيّ منهما عند اللّه.

نعم، إذا كان جاهل في الأرض قاصرًا عن اكتساب العلم، بمعنى أن يكون غير قادر على ذلك بسبب نقص في عقله أو ضعف في جسده أو أسر في أيدي الظالمين أو إقامة في مكان سحيق يصعب الخروج منه جدًّا، ولم يكن عنده الحدّ الأدنى من التسهيلات اللازمة لاكتساب العلم أو الهجرة إلى مكان مناسب، بل لم يكن مطّلعًا على الموضوعات والإختلافات العلميّة بين الناس ممّا يدعو إلى التحقيق وطلب العلم، فإنّه لا يعتبر آثمًا، أو يكون قابلًا للعفو؛ كما قال اللّه تعالى في أمثاله: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ۝ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا[٥].

↑[١] . جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، ج١، ص٣٨٧
↑[٢] . المجالسة وجواهر العلم للدينوري، ج٤، ص٤٧٦؛ تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي، ص٤٣١؛ الفوائد والأخبار لابن حمكان، ص١٤٢
↑[٣] . الأضداد لابن الأنباري، ص١٨٨
↑[٤] . البيان والتبيين للجاحظ، ج١، ص٢١٥؛ العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي، ج٢، ص٨٠؛ نثر الدر في المحاضرات للآبي، ج٢، ص٧٤؛ أدب الدنيا والدين للماوردي، ص٤٤؛ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، ج١، ص٤٣٠
↑[٥] . النّساء/ ٩٨-٩٩